القصيدة العاصية في ديوان « بلا عنوان مسافر » للشاعر الزجال أحمد لمسيح

للتجربة الشعرية الجديدة للزجال المغربي أحمد لمسيح مذاق ونكهة خاصة؛ ليس لأني مولع بقراءته وتجارب الزجل المغربي بل ومتابعته، فكل ديوان هو تجربة خالصة للهم الشعري الذي يسكنه وتقريبا يؤكد ديوان : « بلا عنوان مسافر» هذه الفرضية التي تنحو التفرد والتقنية المتميزة، إن لم أقل الحرفية التي تميز أهل الحال عن الأحوال، على حد قول مولانا سيدي أحمد بوزفور ب» الرقايقي «.
هذه التجربة الحية لا تناقش على المستوى السوسيو اجتماعي والثقافي، بل في بعدها الكوني الإنساني الذي انحازت إليه، نلاحظ أن ذاتيته هي ذات عالمة متحولة إما تكون فراشة أو نحلة أو طوير أو قصيدة حاجبه أو عاصية..
لنلج عالمه الشعري ونتابع تمفصلات القصيدة في ديوان : «بلا عنوان مسافر» الذي صدر مؤخرا..
الحقيقة، وأنا أقرأ النصوص في بعدها الجمالي راقني الإخراج الجميل للكِتاب واللوحة وشدتني عبارة المقطع التالي في ص 49:
« بغيت نكتب
والقصيدة كتّفت يدي «
في بعدها التداولي وإغرائها للقارئ أو المتلقي
نلاحظ أن المرجعية الثقافية حاضرة بقوة في الديوان عامة، المرتبطة بالموروث والواقع اليومي ومن تصورات وإنتاج المعنى والمختفي والمضمر بين السطور وداخل النص..، ونقط الحذف في تجسيد البياض وكتابته مع تبادل مواقع لغة الصمت التي تشترك في قول الالتباس.
في القصيدة الأولى من الديوان ، يتبع لمسيح أثر قصيدته. يبحث عما يجري ويقع وينزل البئر مختفيا في الدلو إشارة إلى قصة يوسف والماء البارد وهناك فقط سمع رغوة الكلام..
النص :
دخلت الحكاية نتبع أثر أش واقع
نزلت للبير مخبي في الدلو
كان الما كَاسي
وما كان يوسف
سمعت رغوة الكلام. ص 7
يكتب الشاعر ذاته ليصنع منها كلاما لصوت هارب من خلال انكساراته وخيباته المتعددة :
بغيت نقول كنبغيك
لقيتك بالزاف .
مسحيك أو مسحيني،
المهم… دفْنيني فيك. ص45.

يستعمل أحمد لمسيح صيغة السؤال :
سولت القصيدة مالك حاجبة سؤالي ؟
وحنيت ل عاصفتها
جات الشتا
وكان ف الدواية جفاف. ص40
لكنه قال سابقا:
قلت : تخالفتْ مع راسي
ضاع مني شي مني
تسنيت مع نفسي تعاجلني
قالت لي : احمق . ص48
وحيث أن القصيدة تسكن الشاعر تسمو به إلى أعلى، يقول :
القصيدة تسكنك،
تحلق بك إيلا قدست اسرارها،
توضيك بنغمات النور،
تنبث لك اجناوح….
….
تطالبه بالتأكيد والاعتراف :
قر… اعترف… قر… وقلْ :
أنا من بعْثتتني القصيدة . ص49
تكون الإجابة في قصيدة عاصية ص44.
فيزيح بذلك غبار الوهم ليتحرر الكيان الكامل ..
مشيت لك اعمى، وعكازي صوت موجتك، سمعت بسمتك عصفورة، وتوهمت الطريق. ص42

يغرق الديوان في جبة التصوف والتداعيات الوجدانية، لذلك يبدو مشهد الموت والولادة والانعتاق والحرية والعشق، يقول :
مانا صوت
مانا ظل
مانا جسد
مانا حتى حد
ماناش.
غير عشقتك وانت ساهية
جنب الورقة – قصيدة عاصية. ص 44

تظهر صورة «بسمة» المشعل لاكتشاف الذات وهي تتحدد في صور عديدة وأكثرها وضوحا؛ تحضر بشكل لافت في الملامح الأولى :
يا بسمة حروفي لمّا تهبال
قصيدتي انت نقطة الصوفية
وانا توهمتني لك كون،…
طفت دواخلي
ونسيت أنك أصل الكون. ص 19
ويضيف في مقطع آخر..:
قصيدتي بسمة
الموت غازي
والمحبة حصن،
ما جاتني ضحكة
ماجاتني بكية،
كنت محظور
وصعابت القصيدة. ص41

ثم..
توقيع بسمة على مسامّ الروح
وسعيي بين…و…هو بحثي على قصيدتي . ص 35
يحددها… :
في قصيدتك محبووووسة في الأرض،
لما تولَد السحابة تطلع قصيدتك بسمة،
موجة ترقص على ظهر البحر،
وتكون لها أنت عش في البستان. ص36
يضيف في مقطع آخر..:
متكي على ظلي
نشوف بسمة في السحاب،
قال لي : اتنحّ….. تململ،
خبيت الشمس عليّ.. ص 53

يحرص سي أحمد لمسيح بمهارة الموهوب، الحريص على توزيع بقع الضوء بثقة وهدوء الراقص « الأعمى» فوق حبل الكلام لأنه Acrobate يقول :
تشتتْ نهاري وأنا فيه
مخلط الشعا بالظل .
الصوت يسرح في قفص الذات بلا جناوح. ص55.

تسكنه الحيرة والجذبة والغيبة والجسد كله نوطات تطلق صورا وحكايات ومن العسل يخرج النحل..

من الكلام خرج ضو … و ….
والمراية لبست حجاب الصمت.. ص64
ضوات القصيدة
وذاب فيها
وعرف بللي يكون في كل شي،
او مايكونشي؟ ص 65
تغريدة ،،، لسعة بالضو،
موال في جسد
وشم فيه . ص 66

عالم الشاعر هو عالم اللقاء والارتقاء الصوفي المحض، يحتفي بالذات والمرأة والخمرة والطبيعة وما تحمله من صور ومشاهد وخيوط لغة تخييل وتخيل، تضع المتلقي تحت الدهشة والمفارقة مع توظيف تقنيات الكتابة الشعرية الحديثة واستدراجها إلى الزجل؛ خصوصية قصيدة النثر مثلا ومميزات وملامح القصة القصيرة جدا، كملمح حاضر في نصوص ديوان: «بلا عنوان مسافر»..
هل هو واقع تحت تأثير قصيدة النثر بدلالتها المشهدية التصويرية وتواجد الاستعارة والانزياح والشذرة والمفارقة والإدهاش والإيحاء والرمز والاختزال، والقصر الشديد والتقتير والتقطير المعسل بالحس الجمالي العالي جدا وتذويت الذات / الجماعة..؟
يبدو الأمر سهلا لكنه سهل ممتنع..
إنها نصوص البحث في القصيدة، انوجادها وغيابها والتحدي رؤية وحلم مشروع كتابة باهتمامات قادرة على الفضاء ورسم معالم طريق. قصيدة مبنية على أفق التأويل والبحث عن أسئلة ملغومة ونشترك معه القول في الختمة :
طلقت الخامية ع لعقل
خليت الطوير يفرفر. ص77


الكاتب : عزالدين الماعزي

  

بتاريخ : 10/02/2022