في تأبين الناقد المتعدد الدكتور جابر عصفور

كان امتدادا لثقافة الأنوار والفكر التنويري ومشاريعه من المعتزلة إلى طه حسن فأدونيس

 

أي نبإ هذا الذي نزل كالصاعقة ليلةَ توديع سنة واستقبال عام آخر جديد! أي قدر هذا الذي أبى إلا أن يرسخ قيمة رجل ويخلد ذكراه في النفوس والعقول في لحظة عبور دقيق بين زمنين… تقويميـن… تاريخين! ليظهر للجميع: لطلبته وزملائه وكل قرائه ومحبيه… كما “لغيرهم” بأنه لم يكن أبدا عاديا… مماثلا وشبيها بالآخرين حتـى يرحل مثلما يرحلون… ويغادر كما يغادرون… بل كان لابد من أن يكون له زمن خاص بطقوس فريدة واستثنائية… تجتمع فيه وتتوحد، على غير العادة ومثلما آمن بغير قليل من اليقين، فكان “الرحيل” يوم الجمعة 31 ديسمبر، وهو اليوم الذي توحدت فيه – بكل لغات العالم ومعتقداته وجغرافية البيئات والنفوس- مشاعر الناس في أصقاع المعمور وانتظاراتهم وهواجسهم الكلية إزاء الزمن ومعنـى الحياة ودلالات العبور… وانتظاراته…

د.عبد الجليل بن محمد الأزدي-

مختبر تحليل الخطاب وأنساق المعارف كلية الآداب والعلوم

د. يوسف الإدريسي – قسم اللغة العربية
كلية الآداب والعلوم – جامعة قطر

لم يكن سهلا تصديق الخبر، والتسليم بأن فارس التنوير ومربي الأجيال في ربوع العالم العربي ترجل عن فرسه… وأسلم روحه لترقد في سلام… بل كان الظن الجميل والاعتقاد الأبي أنه سيتخطى وعكته الصحية ويتجاوزها، فيقف قويا – كما عَوَّدَنا- ليمضـي مستكملا مشروعه الكبير في بناء الإنسان والدفاع عن قيم الحرية والتقدم والديمقراطية والحداثة والتنوير والفكر النقدي وترسيخ الإيمان بكل ذلك في نفوس طلبته وعقولهم من المحيط إلى الخليج… غير آبِـهٍ بمن لا يحلو له الخطو إلا بالسير المتقهقر إلى الوراء…
وكم كان هول الصدمة حين عمَّ الخبر مع مطلع يوم الجمعة 31 ديسمبر، فاتشح الفضاء الأزرق سوادا… وامتلأت كل وسائل التواصل الرقمــي وأركانه ومنتدياته والبيوت الافتراضية للجماعات العلمية بصور وعبارات نعي الكتور جابر عصفور: مفكرا أصيلا… أستاذا مربيا… رفيقا صدوقا… مسؤولا استثنائيا في كل المناصب والمهام والمسؤوليات التي تقلد… ناقدا متعددا… امتدادا موضوعيا لطه حسين… حينها لم يكن لنا أن نشعر فحسب بوجع الفقد وألم الفراق… بل وأساسا بأن عمادا قويما من أعمدة الروح والفكر في الحقل الثقافي العربي سقط، لأننا برحيله لم نفقد مجرد أستاذ جليل ومفكر كبير، بل فقدنا أبا روحيا حقيقيا ظل يؤمن إيمانا صادقا صافيا بقيمة العلم، ويحتضننا ويرعانا، بل ويخـجل تواضعنا أمامه حين نصر على حفظ مقاماته ومخاطبته بما يليق بعلمه وقيمته ومكانته في نفوسنا وعقولنا، ويأبى إلا أن يصفنا بأصدقائه، فيكرر ذلك أمامنا، وفي مجالس العلم، وبقدر ما نزداد بوصفه ارتباكا في حضرته، إلا ويمضـي مثبتا ومكررا له.
حدث ذلك يوم افتتاح المؤتمر الدولي التكريمي له الذي نظمناه في مختبر تحليل الخطاب وأنساق المعارف التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض بمراكش، يومي 23- 24 أكتوبر 2019، وتكرر في ذات المؤتمر في معرض تدخلاته معلقا، ذلك المؤتمر الذي لم يكن مجرد حدث علمي أكاديمي في خريف عام 2019، بقدر ما كان ملحمة تاريخية ظلت مشهودة، ليس في تاريخ المغرب، وجامعة القاضي عياض وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، بل وكذلك في العالم العربي لكونه كان أولا – في حدود ما نعلم- آخر مشاركة له خارج مصر الحبيبة، لاسيما وأن بعدها ستغلق الأجواء ويدخل العالم في الزمن الكوفيدي المربك والمحاصِر للذوات والنفوس والأخيلة؛ ولأنه كان ثانيا لحظة تحقيق حلم لطالما راود الكلية والجامعة ولم تستطع إليه سبيلا، حتى تهيأت شروط خاصة سمحت لنا في فريق المختبر بتنظيمه؛ ولأنها كانت لحظة الإيذان بانطلاق موسم الاحتفال بالرجل والاعتراف له بجليل خدماته العلمية والثقافية، وهو ما تجسد في حصوله على جائزة النيل بعد زمن ليس باليسير، وقيام جامعته الأم بتخصيص حفل تكريمي له.
لسنا في حاجة هنا إلى الحديث عن ترتيبات المؤتمر ووقائعه ومجرياته، مما يطول المقام لسرده، ولكنا نكتفي بالإشارة إلى أن الإعلان عنه والدعوة إليه أكدت لدينا قيمة الدكتور جابر عصفور ومكانته في وجدان أصدقائه وطلبته في المغرب الجامعي والثقافي والفكري، وهو ما ظهر جليا أمامنا من عديد الاتصالات الـمُلحة في المشاركة والحضور والقدوم، وكذا المتسائلة إن كانت ظروفه الصحية تسمح له بالتنقل والمشاركة ، مما رسخ لدينا عمق الروابط الأصيلة والصادقة بينه وبين أبنائه البررة من طلبته بالجامعات المغربية الذين ظلوا على تواصل معه بعد تخرجهم على أيديه الكريمتين في مستويات الماجستير والدكتوراه، ومعنا بمجرد الإعلان عن المؤتمر.
وستزداد تلك التساؤلات حدة بعد أن علم محبوه ومتابعوه وطلبته باعتذاره عن حضور إحدى الفعاليات العلمية الوازنة شهر سبتمبر من عام 2019 خارج مصر، حينها لم تتوقف الاستفسارات والتساؤلات، خاصة وأن الكل أدرك مغزى وقيمة الحضور الشخصي للدكتور جابر عصفور مؤتمرا تكريميا خاصا بمنجزه العلمـي. أمام كل تلك التساؤلات، وحرصا على إعطاء الحدث التاريخي العلمي كل ما يستحق، كنا من موقع رئاسة المؤتمر ولجنته العلمية والتنظيمية على تواصل دائم مع فضيلة الدكتور للسؤال عنه وترتيب إجراءات قدومه، وكما هو دأب كبار العلماء الذين يشعرون من أنفاس محدثيهم بعضا مما يروج في أذهانهم، ظل يبادر دوما إلى تكرار كلمته التي ستظل راسخة في النفس: “يا صديقي يوسف… يا صديقي الأزدي… أنا جاي… أنا حاضر معكم”.
كانت هذه العبارة تتكرر في مكالماتنا الترتيبية لاستقباله، حتى أصبحت لازمة فيها، وكانت تدخلنا في بحر متلاطم من مشاعر الرهبة والهيبة والفرح الطفولي… فكنا نبادر إلى طمأنة النفوس بها… ونختصر عبرها التقارير التي نرفعها والإجابات التي نقدمها على الأسئلة الملحة المطروحة خلال اجتماعات اللجنة التنظيمية للمؤتمر، لتردد الألسن والأفئدة بعبارة واحدة كلمة شكر وامتنان، جهرا ووحيا، وبالمغربي: لله يجازيه بالخير (جزاه لله خيرا) …
والحقيقة أن الذي كان يزعزع الكيان إثر كل حديث مع الدكتور جابر عصفور لم يكن أبدا تأكيده حضوره الشخصي، بل حديثه بلهجة مصرية أثيرة على النفس والفؤاد ومناداته لنا بأسمائنا الشخصية ومقرونة بصفة “يا صديقي”، وهو الذي لم يكن يعلم أن مجرد قراءة أعماله وتتبع مصنفاته ومواقفه عنده وعند الأجيال المتلاحقة من الطلبة الجامعيين بالمغرب، كان يعد في حد ذاته مفخرة من المفاخر التي تنتشي بها الروح ويزهو بها الفكر والفؤاد، فالرجل كان بالنسبة لطلبة المغرب وأساتذته وباحثيه نبراسا يهتدى به في التحصيل المعرفي، والتكوين العلمي، والتربية على صياغة السؤال الأكاديمي وتجديد طرائق طرحه ومعالجته. ولئن كان قد أدرك –كما عبر عن ذلك خلال فعاليات المؤتمر- أن المغرب كان من أكثر البلدان احتفاء به وتكريما له منذ بداية ظهور اسمه الأكاديمي، فقد كشف أن ما أكده له ذلك الانتشار والإقبال الواسعان على كتابه الأطروحي “الصورة الفنية” منذ ظهور طبعته الأولى بدايات السبعينات من القرن الماضي، وهو كتاب أدرك بمناسبة حضوره المؤتمر أن طلبة أقسام اللغة العربية بالجامعات المغربية، لاسيما المتخصصين منهم في النقد والبلاغة، ظلوا يعتبرون الحصول عليه وقراءته بمثابة شهادة ميلاد تعلن الانتساب إلى شجرة باسقة ومثمرة في عالم الفكر والأدب والنقد، فكان ذلك سببا لكل الحرص الذي ظل يخبره به الناشرون والموزعون على كتبه النقدية ومشروعه الأكاديمـي الذي وجد أصداء ومتابعات عميقة ومحتفية به في هذه الضفة من الوطن العربي، وألهم الكثيرين سبل تطويره وإغنائه، والانطلاق منه لطرق أراضي بكر لم توطأ من قبل.
لقد كانت السبعينيات من القرن الماضي، التي طبعت صدور كتاب الصورة الفنية للدكتور جابر عصفور، لحظة مفصلية في تاريخ الجامعة المغربية عامة، وأقسام اللغة العربية خاصة، لكونها شكلت ملقى لكثير التوجهات وعديد المسارات في البحث والتأسيس للدرس الجامعي الأكاديمـي الرصين، إذ خلالها ولت فئة من الرعيل الأول المؤسس لتلك الأقسام فكرها شطر الغرب تمتح من مناهجه وشعرياته الحديثة في تحليل الخطاب، ويممت فئة أخرى فكرها نحو الشرق منافحة عن الطرائق التقليدية في قراءة الأصول والبحث في التراث، في حين أخذت فئة ثالثة تتلمس خطوها الأول بحثا عن خصوصية ذهنية وفرادة فكرية للعقلية المغربية تؤكد بها قطيعة ” مفترضة” بين العلوم المشرقية والمغربية، وبين هذا وذاك وقف مشروع الدكتور جابر عصفور الذي فتح الأبصار على مَلْقى كل هذه المسارات والتوجهات، فنبه على أن الذات تغرق في بحر لجـي من الأوهام التي تفصلها عن واقعها المادي حين تتماهى مع الذوات الأخرى وتذوب فيها؛ أو حين تبحث بدافع الرغبة الأسطورية عن أصول أصيلة وتعتقد إمكان إحيائها ضمن شروط نفسية وتاريخية ومعرفية مختلفة؛ أو حين تعتقد بانفصالها الكلي عن الذوات والأخر، وتسعى إلى إفراد ذاتها عنها، ناسية أن الذات في ذاتها فيسفاء من الذوات الأُخَر، وغير واعية بأن ما يحقق لها الفرادة والتميُّز قدرتها على بناء كينونتها وكونيتها بتفاعل تام منتج ومتجدد مع الذوات الأُخر…
ضمن هذا الوعي وتلك التنبيهات، جاء كتاب الصورة الفنية، فكان أول درس تلقته الجماعات العلمية أن قراءة التراث النقدي والبلاغـي عند العرب تظل غير علمية ودقيقة بالــمضي في استعراض منجزات القدامى، والسعي إلى بث أنفاس منعشة لها لضمان حياة جديدة لها بروحها القديمة، إذ التراث حين يقرأ يجب الوعي أولا… ودائما أنه تراث، له حياته الخاصة وأسئلته الفريدة، وأننا حين نقرؤه، ونسعى إلى فهمه وتأويله لا يجب أن تغرب عن فكرنا سياقات القراءة وغاياتها، وآليات التأويل وحدودها ومحدداتها، بغية إنجاز معرفة علمية بالتراث تقف به حيث وقف به عصره، وتسمح باستثمار بعض مفاهيمه وتصوراته وتطويرها تطويرا بما يتوافق مع منجزات العلم الحديث ويستجيب لمتطلباته، متسلحين دوما بمساءلة المنجز التراثي والذاتي في آن معا.
ويتبدى من متابعة هذا الطموح العلمـي النبيل أن الموقف من التراث هو، في مبتداه ومنتهاه، موقف يتجاوز القراءتين التراثية والأدلوجية، لا بل حتى تلك التي زعمت الـــ”علمية”؛ إذ نزوع الفكر إلى قراءة التراث بمنهج واضح ومضبوط ومفتوح ومتعدد، هو تعبير عن التوجه الديمقراطي لهذا الفكر، ودعوة إلى الحوار – الاختلاف بأخلاقياته، أي دعوة إلى الخروج من وحدانية الفكرة وواحدية الـتأويل. إن كل قراءة مستقيمة ووحيدة الدلالة قراءة قامعة؛ إذ تتقدم في الغالب بصفتها قراءة تقول الــ”حقيقة” المطلقة، في حين الـمُطلق لا وجود له في التاريخ.
والمؤكد أن روح السؤال الجاد والمتجدد ظهرت جليا في كتابه الثاني “مفهوم الشعر” الذي لاحظت الجماعات العلمية المختصة أنه بقدر ما استمر في تثبيت ركائز مشروعه وترسيخ منطلقاته النظرية وأسسه المنهجية القائمة على شروط القراءة والتأويل وسياقاتهما، ما فتـئ يراجع خلاصاته ويعيد بناء طروحاته وتطويرها، وهذا ما تجلى واضحا بتخليه عن مفهوم البيئات المعرفية الحاضنة للفكر العربي الإسلامي، كما وردت في مصنفه الأول، واستبدالها بمفهومي النسقية والبينية في الفكر والممارسة العلمية؛ فصرنا أمام مقاربة تدرك الخصوصية النظرية والمنهجية للعلوم والـمعارف، وتعــي في الوقت ذاته الأمشاج والروابط المفهومية بين التشكيلات العلمية والحقول المعرفية المتقاربة والمتباعدة أحيانا، وتتسلح بما يلزم من تصورات وطرائق تحليل لضبطها وكشفها، ومتابعة الغوص فيها لاحقا.
ولعل كتابه، الذي جمع فيه جملة من أبحاث سابقة وسيجه بمقدمات منهجية دقيقة وعميقة، يمثل أبرز تعبير عن عقيدة الباحث التــي يجب أن تتسلح دوما وأبدا بالسؤال، وتواصل الخوض في مجالات بحثها ودراستها برؤية جديدة ومتجددة، وهي مقدمات لم تدل على وعيه الدقيق بضوابط القراءة ومحدداتها المنهجية وأسسها التأويلية فحسب، بل أبرزت، خاصة إذا استحضرنا تاريخ نشر الأبحاث المتضمنة في الكتاب، أنه كان مواكبا لأبرز المستجدات العلمية والنظريات المنهجية الحديثة في تحليل الخطابات، بل سبّاقاً إلى نقلها واستنباتها في حقل الممارسة النقدية في الدرس الجامعي العربي الحديث.
وبقدر ما كان هذا المسار في البحث والتأليف والنظر جديدا في كتابات د. جابر عصفور، وضمن السياق الثقافي والعلمـي العام الذي ظهر فيه، وتمكن من إثراء حركة البحث والنظر في دراسة التراث، ومراجعة أشكال النظر والتأويل، بقدر ما استفز بطروحاته ومفاهيمه وعمق تحليلاته وجِدَّة خلاصاته، طائفة من قراء التراث الذين ظلوا عاجزين عن فهم علاقة الذات بموضوعها، وإدراك حدود وسياقات قراءاتهم وضوابطها التأويلية إدراكيا ومنهجيا وثقافيا، فكان الاختلاف مع مشروعه، ورفض منطلقاته النظرية ونتائجه التأويلية لدى هذه الفئة إيذانا بمسار آخر في البحث والنظر وتطوير المشروع، وهذا ما تجلى أساسا في تعميق السؤال عن محددات الذات والتراث والآخر، وبحث الحدود والعلائق بينها، ليؤكد – مرة أخرى وبصيغ مختلفة- أن كل قراءة للتراث بمختلف أبعاده مجرد تأويل، وأن القراءة التـي لا تسائل المقروء ولا تسائل ذاتها أثناء مساءلة المقروء تجافي العلم وروحه النقدية، وتقع دوما بذاتها وممارسها في مهاوي الجهل ومدارات الوهم، فكان هذا التأكيد عصارة مشروع الدكتور جابر عصفور وعنوانه الأبرز، كما مثل مدخلا لربط السؤال النقدي بمشروعه التنويري العام، ومن ثمة العبور إلى التنوير من معبر نقدي، وهو مشروع طرح فيه سؤال الهوية الثقافية وإشكالاتها، فشيد بدروب بحثه ومجموع نتاجاته صرحا معرفيا ومنهجيا مكنه من مراكمة رأسمال رمزي جدير بمثقف منشغل بأسئلة التنوير والحداثة والتقدم والاسقلالية وتحصين الهوية والهوية الثقافية تحديدا، وذلك انطلاقا من ثقة راسخة بأن الكونية والعالمية رهينتان بالمحلية والخصوصية والتميز، ولا سبيل لبلوغهما بإحياء التراث والاكتفاء به، أو النهل من “النهر الخالد” للفكر الأوربي والاقتصار عليه.
بهذا المعنى، يتضح أن إسهام فقيد الحقل الثقافي العربي المرحوم جابر عصفور كان متعدد المظاهر والمباني مترابط أسئلة والانشغالات، فهو قارئ بحاثة للتراث الشعري والبلاغي والنقدي والفلسفي؛ وفاحص مدقق في المفاهيم؛ ودارس مستقص للنظريات والمناهج؛ ومنشغل بسؤال الثقافة وسبل الرقي المعرفي والحضاري؛ ومرتبط بقضايا واقعه الاجتماعي والسياسي، وملتزم بقضايا أمته وشؤونها الفكرية والسياسية.
ولعله قد خلص بعد تاريخ طويل وعميق من البحث والنظر إلى أن معضلة الــمُعضلات في بلده كما في وطنه العربي الإسلامي هي التنوير، فظل يردد بكثيـر من الأسـى أن الأمة فقدت موعدها مع التاريخ يوم خرجت من باب أنوار الفكر العربي الإسلامي، وحين تنكرت لرموز الفكر التنويري قديما وحديثا، وأولت لحظات تنويرية وهاجة في التراث تأويلا بروح سلفية مقيتة، كما ظل يكرر بغير قليل من الفخر والزهو بالنفس بأنه يعتبر نفسه امتدادا لثقافة الأنوار والفكر التنويري ومشاريعه من المعتزلة إلى طه حسن فإلى أدونيس؛ يقول: “أجمع ما بين أدونيس وطه حسين وأخصص لكليهما مكانا عزيزا في عقلي ووجداني، مكانا يصل ما بين غواية الحب الأول الذي أكسبني إياه طه حسين وغواية النظرة المحدثة التي تعلمها جيلي من أدونيس، وذلك في مساق التفاعل العقلي الذي لا يسعى إلى جمع وهمي – على طريقة الأب ياناروس – بين الإخوة الأعداء في رواية كازانتازاكس الشهيرة”.
تكاد تعتبر هذه الخلاصة التي تبرز الخيط الرفيع الذي يربط مشروع الرجل الفكري بمشروعي المعتزلة وطه حسن عنوانا عريضا يلخص منجزه ويؤطره التأطير التاريخـي والمعرفــي الضروري. ولعلنا كنا على صواب حين التقطنا هذه الإشارة الألمعية في أحد تدخلات الدكتور جابر عصفور أثناء مشاركته في المؤتمر الذي عقدناه تكريما له وأومأنا إليه سلفا، وأفردناها بتسجيل خاص وضعناه على اليوتوب بعنوان التنوير: من المعتزلة إلى طه حسين فإلى جابر عصفور، كما في الرابط (https://www.youtube.com/watch?v=GzU4RpUxkWo)
والحقيقة أن الرجل بانخراطه في المشروع التنويري وحمله لواءه، وإسهامه في تطوير النقد الأدبي الحديث في الجامعات العربية إنما كان يصدق نبوءة أستاذه طه حسين الذي تنبأ له بمستقبل زاهر حين أومأ إلى أستاذته الدكتورة سهير القلماوي بعد لقائه به بأنه سوف يكون له شأن عظيم في النقد الأدبي، وهكذا كان، وهي النبوءة التـي تحققت فعلا، ودفعت بأساتذة جامعة القاهرة وأقرانه من طلبة قسم العربية إلى اختياره ليلقي كلمة أحفاد طه حسين في حفل التأبين الذي أقامته الجامعة لعميد الأدب العربي، تقديرا ومصادقة على تلك النبوءة، التي جعلته يواصل مشروع أستاذه بصدد التنوير والأنوار، تاركا بعده علما ينتفع به الناس، قدمه صدقة جارية، وأنتج أولادا صالحين من المحيط إلى الخليج، رفعوا لواءه الذي يلخصه عنوان الوفاء للسؤال، باعتباره عقيدة الباحث الراسخة التي لا يزيغ عنها إلا مدع واهم، وهي العقيدة التي تبدأ عنده في كل حديث عن موضوعاته بالسؤال وتنتهي بشبكة متناسلة من أسئلة وليدة السؤال الأول، لكنها مختلفة عنها عمقا وتقدما…
في هذا الإطار، انتظمت أسئلته باستمرار وتمفصلت على الأنحاء التالية: ما الأنوار؟ وما دلالتها؟ ما مشروع التنوير؟ وما الأفكار الأساسية التي شكلت منابعه وأصوله؟ ما معنى ودلالة الاستقلالية والإنسانية والعقلانية والعالمية أو الكونية؟ وما المغزى التاريخي للحداثة؟ ما آثار الأنوار في مجرى التاريخ؟ ما المفاتيح التي يقدمها فكر الأنوار لحل مشكلات الحاضر السياسية؟ ما طبيعة التحريفات والتشوهات التي زاغت بهذا الفكر عن آفاقه ومقاصده وغاياته؟ كيف أمكن لفكر نبيل بغايات أنبل أن ينتج مسوخا كثيرة متلونة في المعتقد والسياسة والاقتصاد والتربية والتكوين في مشارق الأرض ومغاربها، وفي شمالها وجنوبها؟
تمثل هذه الأسئلة إطارا للتفكير في أسئلة الأنوار ومحاولة مقاربة معضلاتها وإشكالاتها في الوطن العربي، والاقتراب من إجاباتها عبر الذهاب والإياب المستمرين بين الماضي والحاضر، لاستخلاص الخطوط العريضة لهذا الفكر، دون أن يزيغ النظر عن أسئلة الحقبة الراهنة.
وحين متابعة مجمل مواقف د.جابر عصفور وتحليلاته ومقترحاته بصدد معضلات التنوير والأنوار في الوطن العربي، يلاحَظ أنه انطلق في تقديمها من إدراك أن طرحها في السياق الغربي ارتبط بأزمة الأخير وتعبيراتها المختلفة التي توَّجها إعلان نيتشه موت الإله، وما تلى ذلك مما شهده الغرب وعاشه من سقوط الأنساق الطوباوية الكبــرى، والذي بلغ مع البنيوية مبلغ إعلان موت الإنسان حسب ما ذهب إليه روجيه غارودي، وإعلاء ألوية النهايات عاليا: نهاية التاريخ والفلسفة والإيديولوجية والديمقراطية والأقاليم الجغرافية… ونهاية كل شيء… وهي النهايات التي كانت نتيجة حتمية للرجات الكبيـرة التي ورثها الإنسان الحديث خلال الحقبة الممتدة حوالي ثلاثة أرباع القرن، أي من 1715 إلى 1789، والتي لا يزال يعيش آثارها الإيجابية والسلبية إلى الآن، وجعلت سؤالا حادا وحارقا يطرح أمامه بقوة، مؤداه: ما الذي سيؤمن به الناس؟ وما الإطار المفاهيمـي الذي يمكن أن تتوكأ عليه أفعال المواطنين وأعمال الأفراد؟
وكما هو الشأن بالنسبة للمغترب والمتفرد والمتوحد تودوروف الذي صاغ في كتاباته المتأخرة – بكيفية مقالية تقع في منتصف الطريق بين الفلسفة والسياسة- مواقفه من الأنوار والتنوير، ولاسيما كتابه: روح الأنوار (2006) وكتاب: الفوضى العالمية الجديدة (2003)، انتظمت إسهامات د. جابر عصفور المتألقة ودفاعاته المستمية على الأنوار والتنوير في مجابهة الإظلامية ومحنة التنوير وأنوار العقل وآفاقه، وهي كتابات بقدر ما كانت مؤطرة بفكر الأنوار وقناعات التنوير التي تشكلت في القرن الثامن عشر وشكلت منبع الإحساس بالهوية، ومثلت مصدر الرغبة في العيش الجماعي المشترك، ظلت تعـي أن مقترحات القرن الثامن عشر لا يمكن قبولها بكل صيغها، بل لابد من الحرص على استخلاص الخطوط العريضة لفكر الأنوار عبر نوع من الذهاب والإياب بين الماضي والحاضر، ودون صرف البصر عن الزمن الراهن.
ومدار الأمر هنا إعادة بناء المشروع الأصلي لفكر الأنوار ومبادئه المؤسسة، ثم السعي صوب استكشاف تحويراته وتحريفاته اللاحقة، وما ذلك بالأمر الهين، لسببين اثنين:
أولهما أن هذا الفكر تركيب لعناصر موروثة عن العصرين القديم والوسيط، وعن عصر النهضة وعقلانية القرن السابع عشر. أما عصر التنوير العربي، فقد وصل متأخرا، وجاء تركيبا تلفيقيا لعناصر مأخوذة من “ماضي السلف الصالح” وأخرى مستعارة من وراء البحار. وهذا ما أكده الكثير من المثقفين الديمقراطيين التنويريين: فرح انطون، شبلي الشميل، طه حسين، رئيف خوري، سلامة موسى، طيب تيزيني، صادق جلال العظم، حسين مروة، مهدي عامل، جابر عصفور، محمد أركون، هشام جعيط، محمد برادة، محمد جمال باروث، فيصل دراج، اللبنانية يمنى العيد، اليمنية ثريا منقوش، المغربية فاطمة المرنيسي… وغيرهم وغيرهن؛
أما ثانيهما، فمفاده أن فكر الأنوار هذا ساهمت في صياغته وبلورته جميع بلدان أوربا لذاك العهد. وقد تشكلت بداية هذه الفورة الفكرية انطلاقا من ملف مطلبي قِوامُه ثلاثة عناصر: المطالبة بضرورة الاستقلالية؛ والمطالبة بالمساواة؛ والتفكير في غاية الأفعال الإنسانية ومقاصدها.
وبعيدا عن عرض الأسس النظرية التي قامت عليها الأنوار والتنوير عند العرب، ظل د. جابر عصفور متشبعا بمشاريعه العلمية وتجاربه الأكاديمية العميقة والرصينة في قراءة التراث، والتي استخلصها من بعض لحظاته المضيئة التي لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا نتيجة الغوص عميقا في المقولات الأصيلة للعلوم العربية الإسلامية، والحرص على إثرائها بمقولات علوم الأمم الأخرى الوافدة، بما يحقق تلاحقا مثمرا جديدا للفكر، ويسهم في حل معضلات الواقع ويجيب عن أسئلته، وهو ما سجله بكثير من الإعجاب والإشادة بمنجزات البلاغيين والنقاد المتأثرين بالفلسفة، الذين اهتدوا بفضل تشبعهم بالتراث السابق عليهم، وحسن استثمارهم لعلوم الأوائل مثلما فهمها ونقلها المترجمون والشراح إلى صياغة تصورات نظرية جديدة ومضيئة في التراث.
وعلى النحو نفسه، حرص د. جابر عصفور في طرحه لأسئلة الأنوار والتنوير على تسييجها بأسئلة خاصة وهموم من صميم الذات والهوية والثقافة بحثا عن المعيقات التي تحول دون تقدم الوطن والعربي وتحرره، وتزيده تخلفا عن ركب التاريخ والحضارة والتقدم.
في هذا الإطار ظهرت صورة المثقف العضوي الذي يرتبط بقضايا أمته وينخرط في شأنها العام، وهي صورة برز فيها مناهضا للظلام والإظلام، وفاضحا للاستغلال السياسي البشع للدين مهما كان مصدره… وكانت دواعيه… فانصبت طروحاته ومواقفه حول التمييز بين الدين الإسلامي والتعاليم والتوجيهات الواضحة للقرآن الكريم، وتلك التي تغلفها بتأويلات مغرقة في السياسة، بعيدة عن روح الإسلام السمحة، وتخرجها في مسوخ متطرف، يخرج الذات من التاريخ ويلقي بها في مدارات الجهل والظلامية والإظلامية…
والمتابع لمواقف د.جابر عصفور من السلفية وحركات الإسلام السياسي يسجل بكثير من الاحترام أن الرجل لم يكن يخلط بين الموقف الفكري والموقف الشخصي، فخلافا لخصومه المتهجمين عليه، والذين حاولوا النيل من شخصه، ظل يطرح أفكاره ويدافع عن مواقفه بنزاهة فكرية راقية ومترفعة عن الخوض في حياة الناس وعلاقاتهم الخاصة والحميمية، فلم يشخصن الموقف والصراع، بل التزم دوما بأخلاق الحوار وضوابط الاختلاف وقيمه، شأنه في ذلك شأن مواقفه من السياسيين الذين يوظفون المؤسسات الدينية والعسكرية والثقافية لتمرير مواقفهم وفرضها.
وقد أتاحت لنا فرصة تنظيم المؤتمر الدولي التكريمي لشخصه الكريم المومأ إليه سلفا بالوقوف عند ذلك، وفي مناسبتين: الأولى إثر مناوشة صدرت في كلمة لأحد كبار الأدباء العراقيين الذي تحدث عن الأحداث التي عرفتها مصر عام 2013، ليأخذ الكلمة بعد ذلك الدكتور جابر عصفور، ويشرح فيها أن كل حديث عن مصر وجيشها الوطني لا يدرك العقيدة الراسخة في وجدان الجندي المصري الذي حرص عليها محمد علي حين اختياره نواته الأولى والتي كان من أبرز ركائزها التحلي بمواصفات أصيلة متشبعة بالروح الوطنية ومرتبطة بالأرض وترابها بكل التعصب والوفاء “الصعيدي الأصيل”، سيظل رأيه وحكمه مجانيا للصواب، ليتابع مستطردا – بلغة لا تخلو من زهو وتحد- بأنه يعبر دوما عن مواقفه في مصر وخارجها دون أن يكون عرضة للتضييق، وهو ما لا يحظى به الأديب العراقي الذي وجه إليه كلامه، وتحداه في التعبير عن موقف مهما كان مستواه ودرجته اتجاه ما يحدث في بلده… وداخلها…
أما المناسبة الثانية الدالة على قيمة الرجل ونزاهته الفكرية والأخلاقية، فتمثلت في عمق إيمانه بالتنوير ودفاعه عنه، إذ أبرز أنه المدخل الرئيس لتحقيق التحول الجذري في الحياة، وضمان شروط التقدم بعيدا عن كل توظيف “سياسوي” للدين أو استغلال له لقضاء مآرب مادية، موضحا أنه يناهض كل فكر سلفي يسعى إلى سلب الإنسان حقه في الحياة والحرية والإبداع ضدا على روح الدين وتعاليم القرآن السمحة التي أمنت بالإنسان وصانت شرط كينونته الإنسانية وقيمته الوجودية، ومشيرا إلى أن تلك معركته الكبرى في مصر، وهي معركة لا شأن – والكلام له – للمشاركين في المؤتمر بها، لأنها تخصه مع خصومه السياسيين غير الحاضرين في المؤتمر، والذين لا يمكنه الحديث عنه في غيابهم، وهي العبارات التي حرصنا في حينه على بثها في تسجيل أومأنا إليه أعلاه في رابط منشور على صفحات يوتوب.
بقدر ما تدل هذه الجملة والموقف على نزاهة الرجل وشجاعته في التعبير عن مواقفه الجريئة والثابتة، تؤكد أيضا وفي الوقت نفسه وفاءه لمواقفه الصلبة الثابتة الرافضة لاستغلال السلطة لممارسة التضليل والقهر والاستبداد، وهي المواقف التـي تجسدت منذ شبابه، يوم كان طالبا، وبعد أن تخرج من الجامعة، وجعلته يصرخ في وجه ما لحقه من ظلم بعد أن حرم من حقه الطبيعي في الالتحاق معيدا بالجامعة بعد تخرجه بامتياز نتيجة حسابات وصفها بالضيقة بين بعض الأساتذة، فرمي به في قرية بعيدة جدا بأقاصي الفيوم، إذ كتب رسالة إلى جمال عبد الناصر بعد أن سمعه في خطبة يتحدث عن العدالة الاجتماعية، فاشتكى له فيها من الظلم الذي لحقه، مشيرا إلى أن لاعدل في البلد، ليتفاجأ بعد ذلك بصدور أمر رئاسي بإنصافه، وتعيينه في منصب المعيد الذي كان يستحقه، مما جعله يحتفظ للرئيس عبد الناصر بهذا الموقف المنصف الذي بفضله دخل أبواب التدريس بالجامعة، بعد أن ولجها قبلا طالبا في الفصل الثاني بعد قراره الاجتماعي والتاريخــي بمجانية التعليم الجامعي في مصر.
وإذا كان كل من يواكب مسار د.جابر عصفور يسجل أنه لا يترك أية مناسبة تمر دون الإشارة إلى هذين القرارين التاريخيين، والإشادة بهما، والاعتراف بالفضل لصاحبهما، فمن الملاحظ أيضا أنه، وبالرغم من تلك الإشادة والاعتراف، لا يفتأ يصرف موقفه التنويري ودعوته إلى الأنوار في السياسة كما في الدين والثقافة والفكر، وهذا ما يتجسد جليا في انتقاده الفترة الناصرية وغيرها من الفترات اللاحقة التــي حجرت فيها الأنظمة الشمولية الحرية، والْتَفَّتْ على الديمقراطية فغيبت ممارستها الفعلية، وضحَّت في سبيل ضمان استمرارها بمثقفين كثر، فزجت بهم في السجون والأقبية، وأفرغت المجتمع من جهودهم وفكرهم وإسهاماتهم، وهو ما كانت له انعكاسات خطيـرة في منظوره، بلغت حد تفريخ الفكر الدينـي المتطرف، الذي تتحمل الممارسات القمعية لقوى التنوير المسؤولية عنه.
وليست الغاية هنا من سرد الوقائع التي طبعت علاقته بالسلطة السياسة والجماعات الدينية كتابة سيرة للرجل، لأننا نعي أن طموحا مثل هذا يحتاج – حتى ولو أردنا إنجازه- إلى حيز غير يسير من المحكي السيري، نظرا لثراء الأحداث وتنوع الوقائع وكثرة الحكايات التي ميزت حياته ووسمت شخصيته، ولكنا نبغي من وراء ذلك الإشارة إلى أن الرجل كان مدرسة بالمعنـى الحقيقي للكلمة في الفكر والثقافة والسياسة والأدب والتربية والبحث والتكوين وهلم مجالات عامة وخاصة، وأنه كان قبل كل هذا وذاك رجلا كريما بالمعنـى الحاتمــي للكلمة، وهو ما وقفنا عنده وشهدنا به أثناء استقبالنا له في مراكش بمناسبة المؤتمر الدولي التكريمــي لمنجزه العلمي والأكاديمي، وبعد ذلك، إذ ظل يحيطنا بكريم عناية وعطف جعلتنا نشعر أننا نحن المكرمين في حفل تكريمه، وقد أكد لنا ذلك وتأكد لدينا حين أكرمنا على عادة الكرام المكرمين بمقالة بعد عودته إلى أرض الكنانة، عنوانها: في رحاب مراكش، نشرتها جريدة الأهرام بتاريخ 08 نوفمبـر 2019 في صفحتها الخامسة ، وخَصَّ بها مختبر تحليل الخطاب وأنساق المعارف وكلية الآداب والعلوم الإنسانية وجامعة القاضي عياض ورئيس المؤتمر ومنسق لجنته التنظيمية وكل المشاركين فيه بكلمات تؤكد لقارئها أن أصالة الرجل وعمقه الإنساني الرفيع وسمو أخلاقه العلمية والأكاديمية الاستثنائية تجعله يرد التحية العلمية بأرقى وأجمل وأبهى منها… دأبا على قِيَمِهِ الأكاديمية الرفيعة التي ستجعله راسخا في الفكر والوجدان إلى أبد الآبدين …

«عن الأهرام» المصرية


الكاتب : «عن الأهرام» المصرية

  

بتاريخ : 11/02/2022