يقربنا الباحث في الفلسفة والناقد محمد مستقيم في هذا الحوار من مشروعه البحثي الذي يركز فيه على النظر في إشكالية تبيئة المفاهيم الفلسفية، وكيفية انتقالها من حقل معرفي إلى آخر، ومن آخر إصدراته «التأخر التاريخي عند العرب: محاولات في التشخيص والنقد» الذي سعى من خلاله إلى رصد بعض المشاريع الكبرى في الثقافة العربية المعاصرة التي رامت تحليل الأوضاع العربية وتشخيص أزمتها، والتي انطلقت من فكرة الخروج من هذا الانسداد التاريخي الذي تعيشه هذه المجتمعات.
p ما هو أحدث إصداراتك؟
n كتاب “التأخر التاريخي عند العرب: محاولات في التشخيص والنقد” صدر في فبراير2021 عند دار النشر أكورا بطنجة.
p كيف تعرفنا به وتقربنا من محتواه؟
n يتضمن الكتاب الجديد بعنوان : “التأخر التاريخي عند العرب- محاولات في التشخيص والنقد”، رصدا لبعض المشاريع الكبرى في الثقافة العربية المعاصرة والتي سعت إلى تحليل الأوضاع العربية وتشخيص أزمتها والتي انطلقت من فكرة الخروج من هذا الانسداد التاريخي الذي تعيشه هذه المجتمعات. فبالإضافة إلى ما قام به علماء الاقتصاد والسياسة والاجتماع في رصد هذه الحالة ومحاولة تشخيصها واقتراح الحلول لتجاوزها، أخذ هؤلاء المفكرون الذين يمثلون النخبة على عاتقهم الحفر في المجال الفكري والثقافي علهم يجدون ما يشير إلى العوامل التي أدت على الوضع المشار إليه. وقد تم تدشين هذه الحركة من طرف رواد النهضة الأوائل في القرن التاسع عشر في مصر والشام والمغرب العربي، ولاتزال مستمرة إلى اليوم. نذكر من هذه الأسماء: عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري وعبد الكبير الخطيبي ومحمد أركون وهشام جعيط وعلي أومليل وفؤاد زكريا وحامد نصر أبوزيد ومحمود أمين العالم والطيب تيزني وصادق جلال العظم وحسين مروة ومهدي عامل ومصطفى حجازي وهشام شرابي ومصطفى صفوان وناصيف نصار وإدوارد سعيد وحليم بركات وبرهان غليون وفهمي جدعان… كل من زاوية تخصصه واهتماماته وشروط إنتاج لمشروعه الفكري.
p هل هو امتداد لإصداراتك السابقة أم أنه يشكل قطيعة معها؟
n نعم هو امتداد لمجموعة من الأعمال ركزت فيها على النظر في إشكالية تبيئة المفاهيم الفلسفية، وكيفية انتقالها من حقل معرفي إلى آخر. فمثلا في كتاب “القطيعة الإبستمولوجية ، رحلة مفهوم بين العلم والثقافة”، انطلقت فيه من عنصرين أساسيين:
العنصر الأول يتجلى في التمييز بين التحليل الإبستمولوجي والتوظيف الإبستمولوجي، فالتحليل الإبستمولوجي ينصب على العلوم الحقة مثل إبستمولوجيا الرياضيات وإبستمولوجيا الفيزياء أو العلوم الطبيعية، وهذا ما يحيلنا على التعريف الكلاسيكي للإبستمولوجيا باعتبارها دراسة نقدية لمختلف مبادئ العلوم وفروضها ونتائجها..
أما التوظيف الإبستمولوجي فهو استعمال تلك المفاهيم في مجال الدراسات الثقافية والفكرية، فمثلا عندما نسمع عبارة “براديغم الاعتراف” للإشارة إلى مرحلة جديدة في الفلسفة السياسية المعاصرة تدور فيها الأبحاث حول قضايا الهوية والاعتراف والتعدد الثقافي، حيث أصبح الاعتراف بمثابة ثقافة جديدة في المجتمع وعنوان للفلسفة السياسية والاجتماعية التي تكشف عن عدم كفاية النموذج الليبرالي، والعمل على تدعيمه بإقرارها لقيم المساواة والحرية اللتين تشكلان أساس النظرية الليبرالية.
في هذه العبارة تم توظيف مفهوم من إبستمولوجيا الفيزياء وهو البراديغم أو النموذج الإرشادي كما يترجم أحيانا، وهو مفهوم نحته العالم والفيزيائي والفيلسوف الأمريكي توما كوهن من أجل تفسير التحولات التي يعرفها المجتمع العلمي عندما يدخل العلم إلى مرحلة الأزمة، فيشرع العلماء في الاستعداد للتخلي عن النموذج الذي كانوا يستظلون تحته والبحث عن بديل جديد.
إذن المفهوم عندما ينتقل إلى إقليم ثقافي آخر فهو يعيش حياة جديدة ومرحلة من مراحل تطوره وإغنائه وفي نفس الوقت تستفيد منه الثقافة المستقبلة شريطة العمل على توطينه أو تبيئته حتى لا يصبح غاية في ذاته، بل أداة ووسيلة إجرائية من أجل التحليل. الثقافة المستقبلة للمفهوم كذلك تغتني بهذا الاستعمال وتساهم في تنويع زوايا البحث في القضايا المطروحة، فمثلا بحث في هذا الكتاب كيف استطاع ثلاثة من المفكرين المغاربيين توظيف مفهوم القطيعة في دراسة الثقافة العربية الإسلامية وهم عبدالله العروي ومحمد عابد الجابري ومحمد أركون، حيث استعملوا نفس المفهوم الأبستمولوجيا ولكن توصل كل واحد منهم إلى نتائج تختلف عن الآخرين، وهذا شيء مهم من شأنه أن يؤدي إلى إغناء البحث وتطويره.
– العنصر الثاني يتعلق بمفهوم القطيعة حيث الهدف من الكتاب ليس دراسة هذا المفهوم في ذاته وإنما الكشف عن التصور الذي يصدر عنه والشبكة المفاهيمية التي تنتمي لهذا التصور. فالقطيعة والعائق الإبستمولجي والبراديغم والانفصال ومعيرا التفنيد، هذه مفاهيم تشير إلى شيء أساسي وهو أن المعرفة العلمية لا تتطور ولاتتقدم إلا عبر الأزمات والتوقفات وليس عن طريق التراكم والتطور الأفقي. إنه التصور الانفصالي الذي تتحكم فيه فكرة النسبية والتجاوز وهذا هو الدرس الإبستمولوجي الذي ينبغي ترسيخه في الأذهان، فالنظرية العلمية الصادقة والصالحة هي التي تترك مكانها لنظرية أخرى تحل محلها.
p ما مدى المتابعة النقدية لما تنشره من إصدارات؟
n هناك متابعات نقدية تنشر من حين لآخر في الصحف والمجلات المغربية والعربية، سواء من طرف متتبعين للإصدارت أو باحثين أو طلبة. بالإضافة إلى بعض اللقاءات التي تتم من حين لآخر لتقديم الإصدارات الجديدة في إطار أنشطة جمعوية وتربوية. كما أنني أتقاسم أفكاري مع أصدقائي المقربين في لقاءاتنا التي تكون غالبا مناسبة لتبادل الأفكار والحوار حول القضايا التي تهم الثقافة العربية عموما والمغربية بصفة خاصة. كذلك فإن اهتماماتي لاتقتصر على المجال الفكري الفلسفي، فأنا أكتب نصوصا في الشعر والسرد ومولع بقراءة الرواية العربية والعالمية ولدي مساهمات في النقد الدبي شاركت بها في ندوات وطنية ومنشورة في دوريات وكتب جماعية.
محمد مستقيم في سطور:
*- عضو اتحاد كتاب المغرب
*- كاتب عام سابق لفرع الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة بالجديدة/المغرب.
*- رئيس سابق وعضو مؤسس في صالون ما زاغان للثقافة والفن بالجديدة/المغرب
*- رئيس تحريرسابق لجريدة المحيط الجهوية بمدينة الجديدة/المغرب
المنشورات:
*- ديوان»تخوم بابلية» صادر عن منشورات الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين عبد دكالة بالجديدة، سنة 2000
*- كتاب:»الرغبة والفلسفة» نصوص فلسفية بالاشتراك مع صدوق نورالدين، صادر عن دار القارتين بكندا والمركز الثقافي العربي، بيروت الطبعة الأولى سنة 2008
*- كتاب:» هرمينوطيقا الباطن: الحلم وتفسيره عند فرويد»، دار النايا بسوريا الطبعة الأولى سنة2012
*- كتاب:» مفاهيم أركونية، المشروع النقد للقعل الإسلامي» ،درا النايا سوريا–، الطبعة الأولى 2013
*- كتاب: القطيعة الابستمولوجية، رحلة مفهوم من العلم إلى الثقافة، دار دال ، سوريا2018
*- كتاب «التأخر التاريخي عند العرب، محاولات في التشخيص والنقد» دار اكور، طنجة المغرب، 2021
*- كتاب جماعي، «أبحاث في الرواية العربية» تنسيق وتحرير وتقديم: شعيب حليفي وعبدالفتاح الحجمري، منشورات كلية الأدب والعلوم الإنسانية بنمسيك، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2015
*- كتاب جماعي، « الفلسفة في المغرب إلى أين؟» محاورات فلسفية، إنجاز وتقديم حسن إغلان، منشورات سليكي أخوين، طنجة ، الطبعة الأولى 2020