رسائل الاتحاد الأوربي.. للمغرب والجزائر!

نوفل البعمري

 

القمة المنعقدة ببروكسل، والتي تجمع الاتحاد الأوربي بالاتحاد الإفريقي كانت مناسبة لعودة النقاش حول موقف الاتحاد الأوربي من تنظيم البوليساريو ومن القضية الوطنية، ومناسبة ليعيد هذا التكتل الإقليمي الهام الإعلان عن رؤيته من النزاع ككل، وقد كان الحضور الباهت لإبراهيم غالي الذي سافر بجواز سفر دبلوماسي جزائري وبطائرة جزائرية، الذي لم يجد في استقباله غير سيارة خصصتها السفارة الجزائرية له لنقله حيث يقيم على حساب الخزينة الجزائرية كذلك، حضورا باهتا طغى عليه ما عبَّر عنه الاتحاد الأوربي في تصريحه الرسمي العلني لوسائل الإعلام، جوابا عن سؤال حول مشاركة تنظيم البوليساريو في القمة.
وقد كان جواب المسؤول الأوربي واضحا، بل زاد في تفسيره لموقفه تجاه هذه المشاركة حتى تتضح الصورة لجل الدول المشاركة خاصة الأوربية، وحتى يضع النقط على الحروف مع المغرب خاصة وأن مشاركته كانت موضوع احتجاج 850 منظمة صحراوية، منها من هو متواجد بالمنطقة ومنها منظمات تشتغل في الفضاء الأوربي، هذا الضغط المدني، بالإضافة إلى رغبة الاتحاد الأوربي في عدم الاصطدام مجددا مع المغرب، أو حدوث سوء فهم خاصة وأنه يعلم أنه يؤطر علاقاته الخارجية بما عبر عنه الملك في خطاب المسيرة الخضراء للسنة الماضية ولهذه السنة « لا شراكة في ظل مواقف غير واضحة من القضية الوطنية».
جواب الاتحاد الأوربي أعاد ضبط إيقاع مشاركة تنظيم البوليساريو، وذلك من خلال التوضيحات التي تم تقديمها وهي التي أثرت على مشاركة إبراهيم غالي، حيث إن جل الدول الأوربية ومسؤولي الاتحاد الأوربي تفادوا لقاءه واستقباله بشكل رسمي عكس ما حدث مع باقي الوفود الذين تم استقبالهم من طرف الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الاتحاد الأوربي شارلز ميتش ورئيسة اللجنة الأوروبية أورسولا فون دير لين، وهو الباحث عن التقاط صورة يتيمة للترويج لها وكأنها نصر دبلوماسي بأوربا، مما وضع إبراهيم غالي في موقف سياسي محرج أمام أنظار الدبلوماسية الجزائرية التي تحركت بشكل كبير لدفع الوفود الأوربية للقائه، وهو ما فشلت فيه كما فشلت سابقا في مختلف مناوراتها.
الاتحاد الأوربي أعاد التأكيد والتذكير بمواقفه، وبعث رسائله للمغرب وللجزائر التي حضر إبراهيم غالي باسمها وتحت رايتها وبإمكانياتها المالية، وهذه الرسائل هي:
لا وجود لأي اعتراف رسمي من طرف الإتحاد الأوربي بالجمهورية الصحراوية الوهمية، ولا من طرف أي من دولة، وهو موقف تاريخي لأوربا التي لا تتواجد فيها أية بعثة «دبلوماسية» تابعة لما يسمى «بالجمهورية الصحراوية»، بل جل المكاتب الموجودة ببعض الدول الأوروبية هي عبارة عن مكاتب لتنظيم البوليساريو لا تحظى بأي امتياز دبلوماسي كالذي تحظى به البعثات الرسمية، وهي مكاتب تشتغل تحت غطاء بعض المنظمات الأوربية، ومن يتحرك داخل أوربا تحت غطاء الجبهة من بعض الأسماء، فهي تتجول في أوربا بجواز سفر دبلوماسي جزائري ومن القنصليات و السفارات الجزائرية خاصة ببروكسيل، حيث يوجد مقر الاتحاد الأوربي.
لم يقم الاتحاد الأوربي باستدعاء إبراهيم غالي ولم يوجه له أية دعوة ولا لتنظيم البوليساريو للمشاركة في القمة، بل حضوره مسؤول عنه الاتحاد الافريقي الذي يتجه المغرب تدريجيا نحو عزل تنظيم البوليساريو داخله منذ عودته واسترجاعه لمقعده بالاتحاد الإفريقي، بحيث في عودته القصيرة استطاع أن يوقف جل البيانات والمواقف التي كانت تصدر منه وكانت جلها موجهة ضد المغرب ومنحازة للبوليساريو.
وبالعودة للموقف الأروبي المعلن عنه، فهذا الأخير قد أخلى مسؤوليته تجاه المغرب وتجاه الدول الأوربية التي لن تغامر بعلاقتها مع المغرب مقابل دعوة هذا التنظيم، لذلك كان الخروج الإعلامي للاتحاد الأوربي هدفه التنكر لهذه الدعوة والحضور الذي لم يحظ بأي ترحيب أوربي، سواء رسمي من طرف مؤسساته أو من طرف الدول الأوربية.
الاتحاد الأوربي أعلن أنه يدعم المسار السياسي الذي أعلن عنه مجلس الأمن في قراراته السابقة والأخير منها 2602، و هو المسار الذي انتهى إلى دعم مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها خارطة الطريق نحو طي الملف وإنهائه، وكان موضوع بيان سابق للاتحاد الأروبي الذي أعلن عن دعمه للعملية السياسية كما جاءت في القرار، وهو ما أكد عليه المتحدث الأوربي في ندوته الصحفية التي أعلن فيها دعمه للمسار السياسي الأممي، وهو دعم ينضاف للدعم الذي يتلقاه المغرب وتتلقاه الأمم المتحدة التي تجد نفسها في مواجهة مناورات النظام الجزائري لعرقلة إطلاق أية دينامية سياسية أممية من طرف ستافان دي ميستورا.
الاتحاد الأوربي أعاد التأكيد بشكل واضح على عمق علاقته مع المغرب الاستراتيجية التي اعتبرها شريكا حقيقيا له، مذكرا بموقع المغرب كبوابة أوروبا نحو إفريقيا، وبوابة إفريقيا نحو أوروبا، وهو بذلك يضع المغرب ضمن مكانته الاعتبارية التي يحظى بها في العلاقة مع أروبا، وقد كانت الندوة الصحفية مناسبة للتعبير عن هذا الموقف ومكانته داخل أوربا.
الإتحاد الأوربي برسائله هاته يكون قد أعاد ترتيب موقعه في شمال إفريقيا، وأظهر رهانه الاستراتيجي على المغرب ليقودا معا شراكة لا تتعلق بالمغرب فقط بل بإفريقيا، يكون قطب رحاها السياسي والاقتصادي هو المغرب، وأكد بشكل واضح للنظام الجزائري أنه لا مجال للسقوط في لعب دبلوماسي صغير بحجم صغر العسكر الجزائري.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 21/02/2022