تحديث الوقف بالمغرب للاستجابة لتحديات القطاع الصحي

الدكتور أنور الشرقاوي

إن المغرب ملزم بتنويع مصادر تمويل المشروع الطبي الاجتماعي الكبير الخاص بتعميم التغطية الصحية لفائدة جميع المغاربة.
إن هذا المشروع مكلف وباهظ الثمن، لذلك، هناك حاجة للابتكار، باللجوء مثلا لأنواع الوقف المتوفرة ببلادنا (تبرعات دينية من المحسنين)، والذي كان على مدى قرون في المغرب هو الصندوق الرئيسي لدفع تكاليف الرعاية للمحتاجين.
اليوم يحتاج الوقف في المغرب إلى ثورة ثقافية مبنية على المعطيات العلمية تعيد أصول الوقف الديني إلى الأحاديث النبوية، وتستمد أسسها من العديد من الآيات والأحاديث القرآنية التي تحث المسلمين على التبرع والخير.
ومنذ القدم فكثير من الدول العربية وتحديداً في دول المغرب العربي والغرب الإسلامي بشكل عام، تعرف الوقف بمصطلح»الحبوس».
وفي محاولة لتحيين النقاش حول الوقف في الميدان الصحي استضافت كلية الطب والصيدلة وطب الأسنان بفاس المؤتمر التاسع لتاريخ الطب بمدينة فاس. وخصصت هذه الطبعة التاسعة لمساهمة الوقف في تعزيز التغطية الصحية حسب التجربة المغربية من خلال مقارنتها مع البلدان الإسلامية الأخرى.
ودعا الدكتور المصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي بمدينة وجدة، بالمناسبة، إلى ضرورة تجديد ثقافة الوقف وأنه حان الوقت لتوجيه مداخيل الوقف إلى تلبية الاحتياجات الجديدة للمجتمع التي تتطور بطريقة مذهلة، لا سيما في مجال الصحة.
وقال بنحمزة بصوت عال :»نعم لبناء المساجد بفضل الوقف، ولكن أيضًا نعم لبناء مستشفيات أو مؤسسات أخرى للتغطية الصحية».
وقدم البروفيسور طارق صقلي الحسيني، رئيس قسم أمراض الكلى والغسيل الكلوي في المستشفى الجامعي لفاس ورئيس جمعية «إسعاد» أفضل مثال على استخدام الوقف في مجال الصحة، موضحا أن عهد المواعيد البعيدة للاستفادة من تصفية الكلي في فاس والمناطق قد انتهى بفضل متبرعين يعملون بصمت إذ بفضلهم تتوفر مدينة فاس اليوم على مركز كبير لتصفية الكلي للمحتاجين الذين لا يستطيعون الاستفادة من هذا البديل العلاجي الحيوي سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص.
ويمكن للمغرب أن يستفيد من التجارب الناجحة للوقف في المجال الصحي، التي قدمتها دول إسلامية أخرى، الإمارات العربية المتحدة، الأردن، السعودية، الكويت، وتونس، ويظهر أن هذه التجارب الناجحة العربية والإسلامية تلح على المملكة المغربية بإطلاق ثورة ثقافية وإدارية في الوقف.
دولة الكويت، على سبيل المثال، وضعت قائمة بالاحتياجات الصحية وطلبت من المانحين في بلدها الاستجابة لها، وهي طريقة أفادت المحتاجين داخل البلاد وكذلك بالنسبة لدول إسلامية أخرى .
وذكر الكاتب محمد المرزوقي الباحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة في كتابه»التاريخ ووسيلة جعل الوقف الصحي يتطور في المغرب»، أن المغاربة وكل سلاطين المغرب منذ قرون وقرون، خصصوا دائمًا جزءًا من ممتلكاتهم لرعاية المرضى.
يصبح ضروريا اليوم الاستعجال بنشر قوانين جديدة لتكييف الوقف مع الاحتياجات الجديدة للصحة المغربية، وحتى يمكن أن يساهم الوقف في محاربة الأمية والجهل والفقر والمجاعة والمرض والعجز، لا سيما في العالم القروي.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الأمراض في المغرب تستفيد بالفعل من الوقف. لكن هذا لا يزال غير كاف، إذ يجب أن نجد آليات جديدة للوقف ليستفيد منه كل المرضى المغاربة الذين ينتظرون تصفية الكلي عدة مرات في الأسبوع وطوال حياتهم.
كما يمكن أن يشكل الوقف وسيلة، وبشكل خاص، لمواجهة الأوبئة الكبرى، من خلال تمويل المشاريع البحثية لتطوير لقاحات جديدة وإيجاد علاجات للأمراض المعقدة مثل السرطان أو السكري أو نقص المناعة.

الكاتب : الدكتور أنور الشرقاوي - بتاريخ : 25/02/2022