مغاربة أوكرانيا.. كنا بين المطرقة والسندان والآن نعيش وضعا لم نشهده من قبل

السفارة اكتفت بالبلاغ وأملنا كبير في السلطات المغربية

الجامعات الأوكرانية رفضت عودة الطلبة وهددتهم بالطرد

 

 

بعد أن كان الطلبة المغاربة بأوكرانيا وذووهم يعيشون حالة من القلق والحيرة بسبب حدة التوتر بين كييف وموسكو، جاء إعلان بوتين الخميس القيام بعملية عسكرية في أوكرانيا وشن عملية غزو واسعة النطاق في أوكرانيا خاصة بالشمال والجنوب والشرق، ليزيد من الهلع في صفوف الطلاب وعائلاتهم وليشكل صدمة كان لها وقع سلبي على نفوس الطلبة الذين وجدوا أنفسهم عالقين هناك، ونفوس عائلاتهم الذين تتمزق قلوبهم خوفا عليهم خاصة عقب إغلاق أوكرانيا لمجالها الجوي في وجه الطائرات المدنية، بحيث لم يجد الطلبة أي وسيلة للخروج من البلد الذي يعيش ظروفا أمنية مقلقة في مقابل غياب أي معلومات رسمية من السفارة المغربية، التي لم تعد ترد على تساؤلات واتصالات العديد من الطلبة وعائلاتهم.
ولقد وجد الطلاب المغاربة الذين يمثلون حوالي 11 بالمئة من الطلاب الأجانب في البلد البالغ عدد سكانه 40 مليون نسمة، والواقع على أبواب الاتحاد الأوروبي، والذي يعد وجهة دراسية مفضلة بالنسبة للطلبة المغاربة لدراسة تخصصات مختلفة، من أبرزها الطب والصيدلة والهندسة المعمارية، حيث يمثل فيها الطلبة المغاربة ثاني أكبر جالية أجنبية بما يزيد عن 8 آلاف طالب، حسب أرقام وزارة التعليم الأوكرانية لسنة 2021، وجدوا أنفسهم وسط تهديد مباشر لم تسمح أسباب كثيرة من تفاديه.
«كنا بين المطرقة والسندان والآن نعيش وضعا مرعبا لم نشهده من قبل..»، هكذا اختزلت طالبة عالقة بأوكرانيا إكراهات بقائها في ذلك البلد قبل الغزو الروسي والواقع الخطير الذي لاح في الأفق بعد الغزو…
ففي وصفها لتطور الأوضاع قالت «أمينة» وهي طالبة بإحدى جامعات «زاباروجيا» سادس أكبر مدينة في أوكرانيا، لجريدة الاتحاد الاشتراكي، إن الأوضاع كانت هادئة إلى حدود الساعة السادسة صباحا تقريبا، إلى أن أُطلقت صفارات الإنذار التي رافقتها أصوات انفجارات بعيدة جعلها تستيقظ مذعورة، لتتلقى بعدها إشعارا يحثها على البقاء بالمنزل وعدم الخروج منه إلا للضرورة، مشيرة إلى أن الجامعة بدورها علقت الدراسة حتى إشعار آخر.
كما أكدت أن هناك ضغطا كبيرا لم يقتصر فقط على المتاجر بل طال حتى الأبناك والصرافات الآلية المتواجدة بالمدينة، إذ أن الطوابير امتدت لمسافات طويلة رسمت حشودا كبيرة بالقرب من كل البنوك والمتاجر والصيدليات، مضيفة» كان حقا منظرا مرعبا لم نشهده من قبل.. البعض لم يستطع أن يستلم نقوده نظرا لنفاد العملة الصعبة في المدينة حيث أصبح مستحيلا أن يجد المرء أورو أو دولارا واحدًا».
وتابعت الطالبة قائلة :» أخذنا بعض الاحتياطات كشراء احتياجاتنا من المتاجر خاصة الماء الذي قد ينقطع بأي وقت إضافة إلى المكوث في المنزل وعدم الخروج إلا للضرورة وأن نكون على علم بأقرب الملاجئ».
وكشفت الطالبة المغربية العالقة بأوكرانيا أنه لم يتواصل معها أي مسؤول، وأنها رفقة مجموعة من الطلاب وذويهم قاموا بالاتصال بالرقم الأخضر للسفارة، حيث طُلبت منهم بعض المعلومات التي تتعلق بالهوية، مضيفة :» أظن أنهم مازالوا في طور القيام بإحصائيات، ليكون هناك معلومات عن عدد الطلاب أو الجالية المقيمة هنا ليسهل التعامل مع الوضع».
وبالنسبة للوضع النفسي للطلبة كشفت المتحدثة أن الأحاسيس اختلطت بين الهلع والخوف والوحدة، ورغم ما يشعرون به إلا أنهم يحاولون إظهار القوة والشدة من أجل عائلاتهم وإخفاء بعض الحقائق المرعبة بالنسبة لهم ونفي الأخرى.. رغم أن خوفهم علينا سيستمر إلى أن نعود سالمين.
وعن عدم الرجوع إلى المغرب عقب دعوة المملكة مواطنيها بأوكرانيا الرجوع لأرض الوطن تحسبا من تطور الأوضاع وقبل إغلاق أوكرانيا لمجالها الجوي، قالت «أمينة» لقد كنا بين المطرقة والسندان.. بين مطرقة الجامعة التي كان لها موقف صارم في حال العودة إلى الديار وعدم الرجوع في الوقت الذي حددته والمتمثل في أسبوعين فقط وهو ما يعني (الطرد ) وضياع المستقبل الدراسي، خاصة وأنها رفضت اعتماد نمط التعليم عن بعد، وبين سندان التهديدات الروسية والتضليل الإعلامي، والارتفاع الصاروخي لأثمنة تذاكر السفر مشيرة إلى أن الذهاب والإياب في غضون أسبوعين، وهو ما كان سيكلف عائلاتهم أكثر من ألف يورو.
وحملت الطالبة أمينة المسؤولية للجامعة واستهتارها بحياتهم عبر تأكيدها لهم على أن الأوضاع مستقرة وأنه لاداعي للقلق أو السفر، مشيرة إلى أن الجامعة لم تتجاوب مع بلاغ السفارة المغربية، حيث كان ردها على الطلبة أن السفارة المغربية لم تتواصل معها وأنها كانت ستستجيب لطلبهم إذا ما تم التواصل معها، لتعطيهم مثالا بالقنصلية اللبنانية التي تواصلت مع الجامعة من أجل الطلبة اللبنانيين.
في المقابل كان رد السفارة المغربية عند اتصال الطلبة يوحي بالرفض (تضيف أمينة) «عندما اتصلنا بالسفارة كانت كل أجوبتها توحي بالرفض بشكل مباشر أو غير مباشر بعدم التدخل، مكتفية بالبلاغ الذي دعا إلى عودة المغاربة من أوكرانيا إلى المملكة».
وطالبت «أمينة» المسؤولين بحشد الجهود من أجل إجلاء جميع الطلبة والمغاربة العالقين وإعادتهم سالمين إلى أرض الوطن، وأن تكون أثمنة التذاكر مناسبة نظرا لعدم تمكن الكثيرين من تسلم النقود أو إخراجها من الأبناك، معبرة عن ثقتها وأملها في السلطات المغربية وأنها لن تتخلى عن أبنائها في هذه الظروف.
بدورها وصفت «فدوى.ت» الأوضاع في المدن الشرقية والعاصمة الأوكرانية بالسيئة جدا والخطيرة مشيرة إلى أن الطلبة في «خاركوف» يبيتون في محطات المترو خوفا من القصف، وأن السفارة لم تتواصل معهم إضافة إلى أن الأرقام التي سبق ووضعتها رهن إشارة الطلبة خارج نطاق الخدمة.
وكشفت فدوى، وهي والدة أحد الطلبة العالقين بأوكرانيا، عن تواصل السفارة في المغرب معهم وطلبت منهم ترك أرقام هواتفهم إضافة إلى رقم هاتف ابنها بأوكرانيا، وأنهم سيحاولون إجلاء الطلبة عندما يتوقف إطلاق النار أو إذا ما تم فتح مؤقت للحدود، مشيرة إلى أن رقم السفارة المغربية بالعاصمة كييف لايجيب نظرا لتعرض المدينة للقصف.
وكشفت الأم المغربية أن ابنها يتواجد الآن بمدينة «لفيف» غرب أوكرانيا، وأن الأوضاع هنالك آمنة لحدود اللحظة بحيث لم تتعرض المدينة لأي قصف، إلا أن الخوف يسيطر عليهم نظرا لقرب المدينة من كييف العاصمة.
بدورها أكدت والدة طالب عالق بأوكرانيا أن الجامعات رفضت عودة الطلبة وهددتهم بالطرد، كما لم تسمح لهم بمتابعة الدراسة عن بعد إلا لمدة أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر، ولم توافق على أن يكملوا دراستهم بالمغرب عن بعد إلى متم السنة إلا مساء الأربعاء عندما كان الأوان قد فات، حيث تفاجأ الجميع بالعدوان الروسي على أوكرانيا مما تسبب في إغلاق المجال الجوي في وجه الطيران المدني.
كما أشارت الأم إلى أن ابنها كان يتابع دراسته بمدينة «زاباروجيا» وفي ظل الأوضاع السابقة طلبت منه المغادرة إلى تركيا ثم العودة بعد انقضاء المدة التي أعطتهم الجامعة إلا أنه رفض الذهاب وانتقل رفقة بعض من أصدقائه إلى مدينة «لفيف» وهي العاصمة الثقافية لأوكرانيا المتواجدة في الغرب.
وعن الدعم النفسي أكدت الأم أنه رغم محاولاتها إظهار القوة إلا أن دموعها تحول دون ذلك، معبرة عن أملها في أن يصل صوتها وصوت جميع المغاربة العالقين وذويهم لمن بيدهم الأمر لمساعدتهم.
وتزامنا مع تدهور الأوضاع الأمنية تحولت مواقع التواصل إلى ساحة استغاثة رفع روادها لافتات المطالبة بإنقاذ الطلبة والمغاربة العالقين هناك وغيرهم من الجاليات المتواجدة بأوكرانيا ووقف هذا العدوان الذي سينعكس سلبا على ملايين الأبرياء، منددين باستغلال شركات الطيران للأزمة عبر رفع أسعار تذاكر السفر.
كما انتشر وسم «أنقذوا مغاربة أوكرانيا» على نطاق واسع  في مختلف منصات التواصل الاجتماعي، من أجل حث المسؤولين على الإسراع في مساعدة المغاربة العالقين تحت القصف والرعب، فيما تترقب عائلات العالقين، موقف الديبلوماسية المغربية، وإجراءاتها بخصوص هذا الموضوع.
وكانت سفارة المملكة في كييف، قد دعت جميع المواطنين المغاربة إلى مغادرة أوكرانيا حرصا على سلامتهم، إلا أن تسارع الأحداث وتعقيدات إجراءات السفر التي رافقتها إكراهات رفض الجامعات الأوكرانية اعتماد نمط التعليم عن بعد وتهديد الطلبة بالطرد حال دون عودتهم.
وتعيش أوكرانيا على دوي انفجارات قوية في عدد من مدنها، من بينها العاصمة كييف، نتيجة الغزو العسكري الواسع الذي شنته روسيا حيث يخشى الكثيرون من أن تؤدي الأزمة إلى أخطر نزاع في أوروبا منذ 1945.


الكاتب : يسرا سراج الدين

  

بتاريخ : 26/02/2022