في هذا الحوار نتناول مع الدكتور الحسن احبيض، رئيس جامعة القاضي عياض، رهانات اللقاءات التشاورية الجهوية التي عقدتها الجامعة، ووضعية الشراكات مع المجالس الترابية والفاعلين السوسيو اقتصاديين ومدى جديتها في خدمة قضايا التنمية بالمنطقة. مثلما نتناول التجذر الترابي للبحث العلمي وآفاقه ودور البنيات التي تعزز بها رصيد جامعة القاضي عياض مثل المكتبة الجامعية ومجمع الابتكار ومجمع اللغات والثقافات في خلق ديناميات محفزة لتحويل البحث العلمي إلى ثروة منتجة للتنمية في أبعادها المتكاملة، وكذا أهمية مشروع « الجامعة المواطنة» في إحداث نقلة ثقافية في المجتمع…
الحسن أحبيض من مواليد الراشيدية سنة 1959، حاصل على دكتوراه في الرياضيات من جامعة «بو» الفرنسية وعلى دكتوراه الدولة من جامعة محمد الخامس بالرباط. أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم السملالية وعميد سابق بذات الكلية لولايتين متتاليتين، قبل أن يتولى رئاسة جامعة القاضي عياض، كما سبق له أن تحمل عدة مسؤوليات كرئيس لجنة البحوث بمجلس جامعة القاضي عياض منذ 2014 وعضو بلجنة «AD HOC» للحكامة، ومنسق التدبير الإداري في إطار استراتيجية مشروع الجامعة 2013 /2016، ومدير المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء، ومدير مساعد للوحدة المختلطة الدولية ( UMR INTERNATIONALE ) للرياضيات والإعلاميات الخاصة ببرامج المركبات البيولوجية الطبيعية والاجتماعية الموجهة إلى دول العالم كفرنسا والمغرب والسنغال والكامرون والفيتنام منذ 2009 ، ومنسق شبكة «أورو ميد» للبيورياضيات( MED BIOMATH) للمغرب والجزائر وفرنسا وألمانيا، وعضو المجلس العلمي لجامعة «PAU « بفرنسا .
– عقدت جامعة القاضي عياض مؤخرا لقاءات تشاورية على مستوى أقاليم وعمالات جهة مراكش آسفي، هل يمكن أن تحدثنا عن أهم مخرجاتها؟
– هذه اللقاءات التشاورية تندرج في أفق إلإعداد للمناظرة الجهوية التي ستعقبها المناظرة الوطنية حول التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار من أجل وضع رؤية استراتيجية مفضية لعقد إطار يحدد مسار التعليم العالي والبحث العلمي في أفق 2030. وبطبيعة الحال فلهذا المسار مجموعة من المرتكزات وفي مقدمتها التوجيهات الملكية السامية التي تعتبر التربية والتكوين أولوية وطنية، إضافة إلى الرؤية الاستراتيجية 2015 ـ 2020 ، والقانون الإطار 51 ـ 17. ولكن اليوم فالأساسي هو تنزيل مضامين النموذج التنموي الجديد في ما يخص قطاع التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار. فعندما نتحدث عن التعليم العالي فنحن بصدد قطاع له علاقة بالتكوين وبالتنمية على مستوى مجموعة من القطاعات التي يرتبط بها البحث العلمي، إضافة إلى تحضير أطر الغد الذين يقودون التنمية في مختلف المجالات الإنتاجية كالفلاحة والمعادن والطاقة والصناعة، وذلك التدريس الذي نوليه أهمية كبيرة ليتولى مهمة إنتاج الخلف، ناهيك عن المهمة الأساسية للجامعة وهي إنتاج المعرفة.
وما نتوخاه من هذه اللقاءات هو التوجه نحو إطار تعاقدي مع الفاعلين الجهويين ومختلف الفاعلين السوسيو اقتصاديين، أي تجاوز إطار الشراكة إلى إطار تعاقد يحدد ما للجامعة و ما للفاعل سواء كان ترابيا أو سوسيواقتصادي أو جمعوي. وكما سبق أن قلت في بعض اللقاءات، فاليوم عندما نتحدث مع الفاعلين الجمعويين مثلا، نلاحظ أن للاقتصاد التضامني ـ على سبيل المثال ـ دور كبير. فإذا أخذنا مثلا مجموعة من الدول كإسبانيا وغيرها سنجد أن هناك تعاونيات انطلقت بشكل بسيط، ولكن بانخراط الباحثين والفاعلين الجامعيين فيها وباحتكاكها بالجامعة أصبحت شركات متعددة الجنسيات. ولدينا هنا النموذج الرائد عالميا الذي وضعه جلالة الملك والمتعلق بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي انبثقت منها مجموعة من التعاونيات التي أعطت دفعة للاقتصاد التضامني. وعندما نتحدث عن البيئة والاقتصاد الأخضر فدور الجامعة والبحث العلمي أساسي.
– ما تفضلتم به يجعلنا نتساءل عن الوضع الحالي للشراكة بين جامعة القاضي عياض والجهة… ؟
– أعتقد أننا محظوظون على مستوى جامعة القاضي عياض، لأن هناك مجموعة من الاتفاقيات تجمعنا بالجهة وقعت عندما كان أحمد اخشيشن، رئيسا لجهة مراكش آسفي ونائبه حينها سمير كودار، الذي يتولى اليوم الرئاسة، وهو ما وفر استمرارية على مستوى النظرة المدركة لدور الجامعة في التنمية الجهوية. وهكذا فالاتفاقيات الإطار التي تجمعنا تمت بلورتها في اتفاقيات خاصة تلامس برنامجا للتفعيل، منها الاتفاقية الفريدة من نوعها بالمغرب الخاصة بخلق صندوق جهوي للتميز الذي بموجبه سترصد الجهة ميزانية بأزيد من أربعة ملايين درهم سنويا مخصصة للطلبة النوابغ المنحدرين من أسر فقيرة، لإرسالهم في إطار حركيتهم الدولية لمراكز علمية أوروبية أو أمريكية كبيرة للاستفادة من تداريب لمدة ستة أشهر أو سنة، ولا يخفى عليكم دور هذه الحركة الدولية في مسار الطلبة الباحثين والتي تسمح لهم بتقوية مهاراتهم اللغوية وتجعلهم ينفتحون على ثقافات أخرى إضافة إلى الاحتكاك العلمي .
وكما تعلمون فجامعة القاضي عياض كانت سباقة منذ سنة 2013 لاعتماد برنامج لتقوية القدرات اللغوية للأساتذة والموظفين، حيث أنها تتحمل تكلفة التكوين المستمر لأطرها في مجال اللغات الأجنبية، ولدينا أساتذة وصلوا في اللغة الإنجليزية والإسبانية أطوارا جد متقدمة من التمكن. هذا الاختيار ليس اعتباطيا، بل الهدف منه هو خلق تكوينات بهذه اللغات كالانجليزية أو الإسبانية وخاصة في الانجليزية التي تمثل اليوم اللغة العالمية للبحث العلمي. لذلك ففي إطار صندوق التميز سيتم بعث مجموعة من هؤلاء إلى مراكز علمية كهارفرد وأكسفورد وكامبريدج وبركلي.. أي جامعات كبرى من أجل إقامة علمية لا تقتصر عند حدود ثلاث أيام أو أسبوع في الأكثر مثلما يحدث عندما يشاركون في مؤتمرات علمية. بالطبع ففي هذه المشاركات يساهمون في الإشعاع العلمي لجامعتنا، ولكننا نسعى إلى أكثر من ذلك، حيث أننا سنبعث المستفيد لمدة شهر على أساس أن يعود بمشروع بأثر واضح، إما مشروع للتكوين المزدوج حيث يحصل الطالب الذي استفاد منه على دبلوم لتلك الجامعة وكذا لجامعتنا، ومن ثمة يفتح الباب أمام حركية الطلبة المنخرطين في هذه التكوينات، أو بمشروع للبحث العلمي متقدم في بعض الميادين مع الجامعة التي أرسل إليها، وأضعف الإيمان هو التأطير المزدوج للأطروحات.
ثم هناك سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ الجامعة المغربية، حيث أن المجالس الترابية تنفتح على الجامعة، وذلك من خلال اتفاقية خاصة بموجبها ستقدم الجهة مليون درهم في السنة لشعبة الجغرافيا مقابل تقديم هذه الشعبة للخبرة في كل ما يتعلق بإعداد التراب والتخطيط الترابي وباقي المخططات، لأنه تبين أن الجهة تتعاقد مع مكاتب للدراسة التي تعتمد في استشاراتها على الأساتذة الجامعيين والباحثين بالجامعة. إضافة إلى اتفاقيات مع مجلس المدينة التي نتوخى من خلالها أن تقوم الجامعة بدورها في التنشيط الثقافي والعمل على إسداء الخبرة لمجلس المدينة ومشاركة هذا الأخير في مجموعة من الدراسات. ونحن نسعى للارتقاء بهذه الاتفاقيات إلى تعاقد ممأسس غير متأثر بالتغيرات التي تعرفها هذه المجالس من حيث مكوناتها البشرية والسياسية. وبشكل مختصر يمكن أن أقول إن هناك أربع أوخمس اتفاقيات رائدة مع الجهة منها ما يتعلق بتوسيع العرض التربوي، في انتظار انطلاق المشروع الضخم المتعلق بالمركب الجامعي بتمنصورت الذي أتمنى أن يحل مشكل الوعاء العقاري الخاص به في أسرع وقت، فكل الدراسات التي تتعلق به جاهزة…
– ربما تأخر هذا المشروع كثيرا …
– نعم، تأخر بسبب نزاع حول العقار الذي سينشأ فيه من قبل بعض الأطراف، والملف وصل اليوم إلى مرحلة النقض ونتمنى أن يبت فيه في مارس المقبل. ولكن بغض النظر عن مشروع تمنصورت، الذي عندما بدأنا فيه كان في الجامعة 40 ألف طالب، اليوم عدد طلبتها يناهز 106 آلاف طالب، حيث أن هذا المشروع كان يهدف إلى خلق فضاء جامعي يستوعب 60 ألف طالب، بغض النظر عن ذلك لدينا اليوم مشاريع لإحداث أنوية جامعية في مجموعة من الأقاليم، وذلك بدعم من الجهة في إطار الاتفاقيات التي تجمعنا بها.
-ماهي الأقاليم التي تستفيد من هذه المشاريع الجامعية؟
– هناك شيشاوة وقلعة السراغنة وهناك نقاش مع الفاعلين في إقليم اليوسفية لتحديد الحاجيات ودراسة جدوى حول التكوينات المطابقة. فكما تعلمون تقوم الاستراتيجية الجامعية على أربعة مرتكزات، أولها التجذر الترابي والبعد الجهوي، والثاني هو الرقمنة، والثالث هو التوجه نحو العالمية الذي تندرج فيه المبادرات التي سبق أن أشرت إليها من خلق مختبرات مزدوجة مع جامعات في أروبا وأمريكا وآسيا، والدبلومات المزدوجة، والدبلوماسية الجامعية الموازية سواء في خدمة القضية الوطنية أو التعريف بالثقافة المغربية والعمل من أجل الرفع من إشعاع مراكش والجهة، أما المرتكز الرابع فيهم النجاعة التدبيرية.
– طيب تحدثتم عن الشراكات التي تجمعكم بمجلس الجهة ومجلس مدينة مراكش، وماذا عن الفاعلين الاقتصاديين؟
– نعم هذا محور أساسي، إذ أن مجمع الابتكار التابع لجامعة القاضي عياض يحتوي على رصيد مهم من الآليات والمعدات العلمية للبحث العلمي التي ستسدي خدمات كبيرة للمحيط السوسيو اقتصادي، ولدينا شراكة مع اتحاد مقاولات المغرب على مستوى الجهة لخلق معامل مصغرة للصناعات الغذائية والتجميلية بشراكة مع الباحثين لابتكار منتوجات جديدة، سيخول ذلك للطلبة القيام بتداريبهم بعين المكان، مثلما سيمكن اتحاد المقاولات من الاستفادة من خدماته على مستوى الدراسات والتصديق عوض إرسالها إلى دول أخرى. ولدينا أيضا شراكة مع مراكز دعم تشغيل الشباب الذي تحتصنه مدينة الابتكار، فإضافة للحاضنة الجامعية للمقاولات هناك الدعم المخصص لمجموعة من المقاولات الصغيرة بمواكبتها من أجل تطويرها وهي مقاولات توجد مقراتها بمدينة الابتكار التي نعمل على تحويلها لشركة مجهولة الاسم للتدبير المفوض لكل ما له علاقة بتثمين البحث العلمي وبدعم المقاولة الصغرى والمتوسطة والابتكار. أما البحث من أجل التنمية فتقوم به مختبراتنا.
– ربما هنا يبرز دور المكتبة الجامعية القريبة من مدينة الابتكار ؟
– صحيح، فنحن لا نرغب في أن تكون مكتبة جافة، فإضافة إلى محتوياتها من الكتب والوثائق، وكذا التكوينات التي ستحتضنها في المجال المكتبي وانخراطها في عدد من المنصات الرقمية، ستحتضن أيضا تظاهرات ثقافية ، وذلك في تناغم مع مجمع اللغات والثقافات بكلية اللغة العربية التي ستحتضن مجموعة من التكوينات في اللغات مثلما ستحتضن فعاليات مرتبطة بالثقافة بمفهومها الواسع. إذ أننا نحاول أن نبلور برنامجا يجمع مابين ما يقدمه مجمع الثقافة واللغات ومجمع الابتكار والمكتبة الجامعية. وأتمنى أن يخلق هذا الثلاثي دينامية ثقافية ودينامية لانفتاح الجامعة في الاستجابة لمتطلبات المحيط السوسيو اقتصادي سواء في ما يخص الابتكار والتعاون وإعطاء الخبرة في “مجمع الابتكار”، أو في ما يخص التنشيط الثقافي وإشباع الرغبات الثقافية والعلمية للساكنة في مراكش ومحيطها.
– نعود للمكتبة الجامعية هل ستكون مفتوحة في وجه الجمهور أم أنها ستقتصر على الباحثين الجامعيين والطلبة؟
– المكتبة الجامعية ستكون مفتوحة في وجه الجمهور وإلا فهي لن تقوم بدورها السالف الذكر. فبالإضافة للطلبة سنخصص بطائق للمثقفين والباحثين والفعاليات الثقافية والجمعوية على المستوى الوطني، التي بالمقابل نرغب أن تشارك في هذه الدينامية الثقافية وتحريك وتنويع البرامج التي ستنفذ في المكتبة الجامعية.
المكتبة تتوفر على قاعة للمحاضرات تتسع لـ150 مشاركا وفضاء في الطابق العلوي عبارة عن مقهى، وفضاءات لعقد مناقشات كتقديم الكتب وفضاءات للمكتبة الرقمية وفضاءات للقراءة العادية..وقد أطلقنا طلب عروض بخصوص دور النشر لاقتناء ما يلزم من كتب سواء ورقية أو رقمية ونعمل على عقد شراكات مع المكتبة الوطنية ومكتبة آل سعود بالدار البيضاء لخلق دينامية ثقافية وتبادل الخبرات..
– يبدو أن هناك فلسفة وراء إنشاء هذه المعلمة التي منحت روحا لشارع عبد الكريم الخطابي، هل للأمر علاقة بإعادة موقع الكتاب في قلب المدينة وتكريس حضوره فيها؟
– سؤالكم يشير إلى عمق المشروع الذي بدأ مع الرئيس السابق وأنا أكملته، وعندما كنا نناقشه في مجلس تدبير الجامعة كانت لدينا خيارات عقارية لإقامة المكتبة الجامعية بفضاءات أخرى، ولكن الفلسفة التي حكمتنا في اختيار موقعه الحالي بهذه الشخصية المعمارية هي الانفتاح، أي إحداث مؤسسة تدل على قيمة الكتاب وثقافة البحث العلمي في الشارع، لأنه عندما نضمر المكتبات في أماكن مغلقة، فهذا لا يشجع على ولوجها مثلما يضعف تأثيرها في روح المدينة وفي العقول. الآن كل من يمر من هذا الشارع الرئيسي بمراكش سينتبه لوجودها بفعل حضورها المصرح به في الشارع ومن خلال واجهتها ويخلق تطلعات ثقافية لديه. ولذلك فعندما قررنا تخصيص 500 بطاقة للعموم، فذلك ليس مجرد ترف، وإنما نرجو منه خلق التلاقح بين الجو الطلابي والمجتمع عبر الديناميات التي يطلقها الكتاب والثقافة عموما. وهو ما يعني ترسيخ انفتاح المجتمع المراكشي على مثقفيه. مثلما أن المكتبة الجامعية ستسمح بتفعيل مشروع مهم كنا نفكر فيه قبل الجائحة التي أجلت تنفيذه. وهذا المشروع هو الجامعة المواطنة. إذ لدينا مجموعة من الأساتذة المرموقين برصيد علمي محترم أحيلوا على التقاعد لكن مازالت لديهم قدرة على العطاء، وما فكرنا فيه أن يكون هؤلاء من المؤطرين في هذا المشروع. والجامعة المواطنة هي جامعة تشتغل ليلا بعد نهاية الدروس العادية، وتقدم فيها محاضرات في مختلف المجالات (اقتصاد، تاريخ، فلسفة، سوسيولوجيا، علم النفس، علم الاجتماع وغيرها) يستفيد منها عموم المواطنين. وأعتقد أن المكتبة الجامعية ستمكن من تفعيل هذا المشروع عبر التعاطي الإيجابي للمثقفين والفاعلين الجمعوين، علما أننا مخرطون في مشروع مهم لليونسكو هو “التعلم مدى الحياة” الذي يرتقي بالتعليم العالي ويحقق الجامعة المواطنة.
– هناك جانب يتعلق بالشخصية البصرية للمكتبة الجامعية، فواجهتها مزينة بعدد من رموز أنظمة الكتابة من لغات متعددة، هل هو اختيار مقصود؟
– تنبغي الإشارة إلى أن نفس الشواخص الرمزية توجد أيضا في واجهة مجمع اللغات والثقافات، ويعود ذلك إلى المهندس الذي أكد على ضرورة أن تكون المكتبة رمزا لحوار الثقافات واللغات في إطار التعريف بالشخصية المغربية التي هي شخصية منفتحة مساهمة في تلاقح الحضارات والثقافات، مثلما هي شخصية التسامح والتنوع كما يؤكد على ذلك الدستور في ديباجته. ونحن نلاحظ على واجهة المكتبة الجامعية حضور حروف من اللغة الصينية والكورية إضافة إلى لغات أخرى، وبالمناسبة فنحن بصدد التنسيق مع الكوريين لتقديم دروس في اللغة الكورية في مجمع اللغات، ونفس الأمر مع اللغة الإيطالية ولغات أخرى.. بمعنى أن مجمع اللغات والثقافات و المكتبة الجامعية ومجمع الابتكار والبحث، سيشكلون ثلاثة أعمدة مؤسساتية لدينامية مشتركة ومتكاملة ويضاف إليها متحف تسكوين الذي أنشأه بيرت فلينت ووهبه لجامعة القاضي عياض، حيث أننا بصدد الاشتغال مع عدد من مختصي المتاحف لكي نجعل منه واجهة للتعرف على مكونات الثقافة الإفريقية، وذلك من خلال تنظيم معارض متنقلة لمحتوياته، بغاية جعل هذا المتحف أكثر انفتاحا لتأدية مهمته الثقافية ولاسيما أن رصيده من الناحية المتحفية جد مهم ويستهدف عمق التراث ويسمح الاطلاع عليه من قبل الجمهور بفهم أكبر لمقومات هذه الثقافة. وأتمنى أن يخرج هذا المشروع إلى الوجود في القريب لأن مردوديته الثقافية والتنموية جد مهمة. وفي نفس الإطار هناك مشروع آخر لا يقل أهمية ينسجم مع شخصية مدينة مراكش و كحاضرة للتاريخ والتراث، حيث أننا نشتغل في جامعة القاضي عياض على إحداث مركز للتراث اللامادي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، وبالطبع لا ينبغي أن ننسى مرصد الصحة والأوبئة الذي أظهرت الجائحة الحاجة الملحة إليه. وكذلك المرصد الفلكي “أوكايمدن” التابع لجامعة القاضي عياض، والذي نعرف جيدا أهميته وإشعاعه حيث قام بعدة اكتشافات بتنسيق مع مؤسسات عالمية كبرى مثل الناسا وبعض الجهات في روسيا وكورريا وغيرها ..وكثير من التلسكوبات المثبتة للرصد هناك تمت بشراكات مع العربية السعودية واليابان وغيرها.. وهذا المجهود العلمي والإشعاع خلق دينامية نسعى اليوم إلى استثمارها لصالح تنمية المنطقة. ونحن نشتغل مع الجهة ـ في إطار مشروع تأهيل أوكايمدن ـ من أجل خلق منظومة سياحية و اقتصادية انطلاقا من أداء المرصد وإشعاعه العالمي، لكي يكون هناك عرض متكامل للزوار للاطلاع على اكتشافاته من خلال تنظيم معارض لها و أنشطة تمكن من خلق حياة ثقافية تقوي جاذبية منطقة أوكايمدن ويكون لها أثر إيجابي على تنميتها. وقد أطلقنا في الأيام الأخيرة طلبا لتسوية العقار هناك ولتمكيننا من مساحة إضافية بحكم الطلبات المتزايدة عليه لأنه مكان استراتيجي من ناحية الرصد الفلكي والأبحاث المتعلقة به. وبالمناسبة وفي نفس إطار الوفاء بالدور المعرفي والثقافي للجامعة سنستقبل في 18 مارس المقبل العالم الفلكي مايور الحاصل على جائزة نوبل.
-وماذا عن البحث العلمي، هل حصيلته مرضية بجامعة القاضي عياض؟
– البحث العلمي بجامعة القاضي عياض يشكل العمود الفقري في تصنيفات هذه الجامعة على المستوى الدولي. ولكي نفهم قيمة هذا المؤشر، ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أن المعايير المعتمدة في هذه التصنيفات العالمية هي لدول فيها الجامعة مؤدى عنها بما يطرحه ذلك من إشكال بخصوص الجاذبية، فلكي نؤدي ينبغي أن تكون هذه المؤسسة ذات جاذبية، ويتضمن ذلك كم يتخرج منها من عالم حاصل على جائزة نوبل وعدد الحاصلين على الجوائز الدولية الكبرى من خريجيها، وكذا الذين يسيرون منهم شركات متعددة الجنسيات وعدد الطلبة الدوليين. وبالطبع فنحن لا يمكننا أن ننافس الجامعات الأمريكية أو الأوروبية في مثل هذه المعايير، بقدرما ننافسهم في البحث العلمي الذي يعتمد على العقول والطاقات التي نفتخر بها. ويمكنني أن أقول إن البحث العلمي بجامعة القاضي عياض يعرف تقدما ملموسا، حيث انتقلنا من 750 أو 800 مقال علمي محكم في مجلات محكمة إلى 1050 مقالا محكما. كما أننا انتقلنا في إطار إعادة النظر في هيكلة البحث العلمي على مستوى الجامعة ومعايير خلق المختبرات وكذلك الدعم حيث تجاوزنا 20 بالمائة من ميزانية التسيير بالقاضي عياض موجهة للبحث العلمي، أما بالنسبة لميزانية الاستثمار فكان هناك استثمار كبير منذ 2017، إضافة إلى تقنين تسجيل الأطروحات و إعادة النظر في معايير قبول المرشحين للدكتوراه ومعايير قبول الاطاريح لكي تعرض على المناقشة ، كل ذلك جعلنا نصل إلى 200 أطروحة تناقش سنويا، وهي أطاريح بمعايير دولية للجودة في أغلب التخصصات. ونطمح في إطار عقد النجاعة المبرم مع الوزارة في نطاق تنزيل القانون الإطار 51-17 إلى الوصول إلى 300 أطروحة في السنة و 1200 مقال علمي في مجلات محكمة في أفق 2024.
وبخصوص المشاركة في طلبات العروض الوطنية والدولية، يمكن أن نأخذ على سبيل المثال طلب العروض الأخير الذي أطلقته مؤسسة المجمع الشريف للفوسفاط مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات والمركز الوطني للبحث العلمي والتقني، حيث نجد أن جامعتنا حازت فيه أكبر عدد من المشاريع، أي 14 مشروعا من أصل 60 مشروعا. وهو ما مكن الجامعة من موارد مالية تتجاوز 65 مليون درهم، أي ما يعادل ضعف الميزانية المحولة من الدولة. وهو ما يدل على أن البحث العلمي بخير بجامعة القاضي عياض. وما نسعى إلى تطويره اليوم من خلال مجمع الابتكار هو ما يتعلق ببراءة الاختراع غير المفعّلة، حيث أن جامعتنا وصلت في السنوات الأخيرة إلى 40 براءة اختراع، لكننا نعرف جيدا أن براءة الاختراع إذا وقفت عند حدود التسجيل ولم تُفعّل من خلال الإنتاج فإنها لن تكون مجدية. لذلك فإننا سنعمل على أن يكون مجمع الابتكار تثمينا للبحث العلمي ومجالا لتفعيل براءات الاختراع وتكثيفها. ثم هناك مبادرة اتخذناها ونعتبرها مبادرة أولية يمكن أن تكون متبوعة بمبادرات أخرى. ففي أزمة كوفيد قمنا باستغلال الميزانية التي كانت تخصص لحركية الأساتذة والطلبة وأدرجناها كميزانية للبحث العلمي في إطار طلب عروض، حيث تم تمويل 34 مشروعا بقيمة 4 مليون درهم؛ وهي مشاريع ذات علاقة بالجهة والبيئة وكل ما يتعلق بالمواد المتجددة و بالذكاء الاصطناعي و الطاقات المتجددة. وسنتبع ذلك بطلب عروض سنطلقه في الأيام القليلة القادمة، موجه للطلبة الذين ناقشوا أبحاثهم أو هم في طور المناقشة والذين تتضمن أطروحاتهم إضافات نوعية سواء على شكل براءة اختراع أو إضافة على شكل تطبيق صناعي أو معلوماتي أو فكرة في الاقتصاد أوعلم النفس وغيرها يمكن أن ننشرها في دار نشر دولية، لأن الأطروحات التي تتضمن إضافات فكرية لا ينبغي أن تبقى حبيسة الرفوف. وكذلك بالنسبة للعلوم البحثة أو العلوم التطبيقية حيث أن هناك أفكارا يمكن أن تنفذ على شكل مشاريع.. وطلب العروض هذا، ستكون قيمته 1.5 مليون درهم سيسمح بتمويل من 10 إلى 15 أطروحة التي تستجيب لهذه المعايير. والهدف هو تثمين البحث العلمي الذي تنتجه مؤسساتنا قبل أن تستغله جهات أخرى في الخارج. وبخصوص الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبحث العلمي، خرجنا من نطاق الشركاء الكلاسيكيين وبدأنا ندفع الأساتذة للانفتاح على مجموعة من الجهات غير تقليدية كروسيا والبرازيل وغيرها ونحاول ألا يظل الأساتذة في إطار الشراكات التقليدية وندفعهم في اتجاه خلق المختبرات المزدوجة، مثلما نشجعهم في إطار التجذر الترابي على الاشتغال على مواضيع مرتبطة بالجهة.