الرواية النسائية المغربية المكتوبة باللغة العربية ملاحظات، أسئلة، افتراضات أولية

راكمت الروائيات المغربيات خلال العقود الثلاثة الأخيرة، منجزا روائيا مهما رغم قلة المتابعة النقدية المواكبة، وهو منجز يسمح لنا اليوم، باكتشاف الثوابت سواء في الشكل أو في الموضوعات إلا أننا نسجل أن الكتابة الروائية النسائية، خصوصا الحساسيات الجديدة بعد التسعينات، تجاوزت الطرح التقليدي الذي يحصرها في زاوية صراعية وصدامية مع الرجل والتمركز حول الذات الكاتبة، تجاوزت ذلك إلى التأصيل لكتابة تلتقط التفاصيل السياسية والاجتماعية مع تبئير معاناتها الخاصة كامرأة داخل مجتمع ذكورين وذلك عبر إنتاج متخيل رمزي تؤطره مرجعية فكرية ومعرفية تستحضر في نفس الوقت علاقة الكتابة بالوعي، وبالأنا كاختلاف مُخَصِّب للتجربة الإبداعية في شموليتها، وتروم تفكيك كل الخطابات المؤمنة والمنتصرة لمركزية الرجل،لكن مع استحضار القلق الجمالي الذي ينسحب على اللغة السردية والأسلوب وأدبية النص.
اليوم، يطرح الخطاب الروائي النسائي الجديد، العلاقة بالرجل بعيدا عن مفاهيم الذكورة والأنوثة التي ارتهن إليها لفترة غير وجيزة أمام ما تطرحه قضايا الجنسانية اليوم من تعقيدات وتجاوز لمسألة الجندرية ، محاولا التأسيس لعلاقة مع فكر الآخر بغض النظر عن جنسه، ولخطاب روائي شريك في بناء المتخيل الرمزي المغربي المتفاعل مع الواقع والمشتبك مع عناصره.
في هذا الملف، وبمناسبة 8 مارس، نقارب طبقات القول الروائي النسائي بالمغرب، في محاولة لقراءة هذا النص من التأسيس إلى التتويج، والوقوف عند مساهمته في تدمير الصور التقليدية للمرأة والخطاب السائد حولها عبر مواجهة ذكورية اللغة وكسر هاجس الرقابة الذاتية، ورصد طبيعة التمثلات التي يختزنها هذا الخطاب، ومستويات تلقي النص النسائي.

 

يبدو أن أول ملاحظة ينبغي لي تسجيلها بخصوص الرواية النسائية بالمغرب هي التي تتعلق بالتأسيس: متى تأسّست الرواية النسائية بالمغرب؟ ولا شك في أن مسألة النصّ المؤسِّس هي مسألة تفرض نفسها عندما يتعلق الأمر بالأدب العربي الحديث أو بجنس من أجناسه( الشعر؛ الرواية؛ القصة القصيرة…)، كما أنها مسألة تهمّ الأدب المغربي الحديث، والرواية بالأخصّ؛ ويمكن أن أتساءل: ما النصّ المؤسِّس للرواية بالمغرب؟ أهو للرجل المغربي أم للمرأة المغربية؟ إذا سلَّمتُ بأن النصوص السردية الأولى التي كتبها الرجل المغربي هي سير ذاتية أو هي سيرٌ ذاتيةٌ روائيةٌ( على رأسها: في الطفولة لعبد المجيد بن جلون)، فإنه يمكنني أن أفترض أن المرأة المغربية قد كانت سبّاقةً إلى تأسيس جنسٍ أدبيٍّ جديد( أستحضر هنا نصَّ آمنة اللوه: الملكة خناثة )؛ لكن ذلك كله مع وجود ملاحظات لابد من تسجيلها:
أولها، أننا كنّا جميعًا ننطلق من نصّ عبد المجيد بن جلون الصادر في كتاب سنة 1957، ومع توالي السنوات وتقدم البحث والتحقيق، بدأنا نستحضر نصَّ: الزاوية للتهامي الوزاني الصادر سنة 1942، ثم جاء الحديث عن نصّ: الرحلة المراكشية لابن الموقت الصادر سنة 1924 ، وفي السنة الماضية، كان الحديث عن نصّ روائي للمختار السوسي بعنوان: بين الجمود والميع( 1939)؛ ومع ذلك كله هناك من يزعم أن النصَّ الروائيَّ الحقيقيَّ الذي كتبه الرجل المغربي قد كان في الستينيات، مع عبد الكريم غلاب في روايته: دفنّا الماضي( 1966)، ومع عبد العزيز الحبابي في روايته: جيل الظمأ( 1967)؛ وبالمقابل، بدأنا نستحضر نصَّ آمنة اللوه الصادر سنة 1954، ثم جاء من يشير إلى مليكة الفاسي في نصّها: الضحية( 1941 )، مع وجود من يؤكد أن النصَّ الروائيَّ النسائيَّ الحقيقيَّ صدر في الستينيات للكاتبة المغربية فاطمة الراوي، وهو بعنوان: غدًا تتبدّل الأرض( 1967)، مع استحضار نصوص خناثة بنونة السردية الصادرة سنة 1967 و 1969.
والملاحظة الثانية تتعلق بمسألة التجنيس: هناك هذا التداخل بين الرواية والسيرة الذاتية وأدب الرحلة عند الرجال؛ وهناك هذا التداخل بين الرواية والقصة( الطويلة؟) والقصة القصيرة عند النساء؛ بصورةٍ تسمح بالتساؤل إنْ كان هناك وعيٌ أدبيٌّ نقديٌّ بمسألة الأجناس كما هو الأمر في الوقت الراهن..
والملاحظة الثالثة، وهي مشتركة بين الروائيات والروائيين، وإنْ لم يكن بالكمّ نفسه أو النوع ذاته: قلّة الإنتاج في العقود الأولى من التأسيس ووفرته في العقود القليلة الأخيرة… وهناك من الباحثين المغاربة من أنجز بيبلوغرافيات كاملة للرواية عند الكتّاب المغاربة كما عند الكاتبات المغربيات، استعنتُ بالبعض منها في هذه المقالة؛ وإذا ركّزتُ على الرواية النسائية بالمغرب فحسب، فسأسجّل أن عدد الروائيات يزداد يومًا بعد يوم، وأن النصوص الروائية النسائية التي صدرت في النصف الثاني من القرن العشرين لا تتعدى العشرين رواية في أفضل الحالات، لكن في العشرين سنة الأولى من الألفية الجديدة قد يكون العدد تجاوز الخمسين أو على الأقل الأربعين رواية جديدة..، وعلى العموم، فمن خمسينيات القرن المنصرم إلى اليوم، لم تبلغ المكتبة النسائية بالمغرب المائة رواية، والحال أن مكتبة الروائيين بالمغرب تشرف ربما على الألف رواية؛ ولكن في الحالتين معًا، نستحضر مقياس الكمّ لا مقياس النوعية، وإلا فالعدد قد ينقص كثيرًا عند النساء كما عند الرجال!
هل يمكن أن أتحدّث عن محكيين أساسين بارزين في تاريخ الرواية النسائية بالمغرب؟ هل أفترض أن رواية نسائية جديدة قد بدأت تتأسس بالمغرب في هذه الألفية الجديدة، وأن روايات بدأت تصدر في السنوات الأخيرة، وهي تعمل، على مستوى الحكاية كما على مستوى الكتابة، على تأسيس ما أسميه بــــ: محكي الانتساب العائلي، بعد أن كان، ولا يزال، ما أسميه بـــ: محكي الرواية العائلية هو الشكل السردي الذي يهيمن، إلى هذا الحد أو ذاك، على الرواية النسائية المغربية؟
2-1- أسمِّي المحكي النسائيَّ الأول: محكي الرواية العائلية، وأفترض أنه يكاد يهيمن على الرواية النسائية من بداياتها إلى اليوم، وهو عموما يتميز بأن المرأة هي ذات المحكي وموضوعه، وموضوعاته ومضامينه قد تختلف وتتنوع، لكنها كلها تجسّد المرأة التي تعيش توترًا أو تمزقًا بين عالمها المعيش والعالم الذي تريده أن يكون، تريد إسماع صوتها المقموع وإبراز كينونتها المطموسة، تريد التحرّر من عالمها العائلي الأصلي، وتحلم بعالم عائليٍّ جديد: هناك هذه الذات النسائية التي تعيش التوتّر بين عالمها العائلي الأصلي، وهذا العالم العائلي الجديد الذي تطمح إلى بلوغه؛ وهناك هذه الذات النسائية التي تدخل في مواجهة أكثر أو أقلّ عنفًا مع عنصر مركزيّ من داخل عالمها العائلي الأصلي (الأب / الأخ / الزوج)؛ وهناك هذه الذات النسائية التي تكشف المسكوت عنه في مجتمع ذكوري قاهر، وتقول ما لا يقال عن المرأة والرجل، تُسمع صوتها عن الحب والجسد والجنس، وتقول أنوثتَها المقموعةَ والمكبوتةَ؛ وهناك هذه الذات النسائية التي تريد أن تشارك في مواجهة عنصر خارجيٍّ يهدِّد عالمها العائلي الأصلي (كما في الروايات النسائية عن الاستعمار الفرنسي والاحتلال الصهيوني لفلسطين)..
وإجمالا، من الروايات النسائية الأولى بالمغرب، التي ظهرت أواسط القرن العشرين، إلى بدايات الألفية الجديدة، نجد محكي الرواية العائلية حاضراً بمتغيرات وتنويعات مختلفة. وهنا يمكن أن نستحضر مجموعة من العناوين، مِنْ متن روائي نسائي يزداد وفرة على المستوى الكمّي، ولن أدَّعي إمكانية استحضار جميع العناوين التي تمثِّل هذا المحكي، لكني سأحاول استحضار أهم متغيّرات هذا المحكي وتنويعاته، مع الإشارة إليها بعناوين تميّزها:
تاريخيًّا، في بيتنا العائليِّ نساءٌ فاعلاتٌ أيضًا: لابد من أنْ نسجل أنّ أول رواية نسائية بالمغرب لآمنة اللوه: الملكة خناثة( 1954)، كانت بغاية أن توضّح أن في تاريخ المغاربة محكيات عائلية تكشف الدور الكبير الذي كان للمرأة في الإبداع الأدبي والتغيير الاجتماعي والفعل السياسي؛ وأفضل نموذج، بالنسبة إلى الكاتبة آمنة اللوه، كان هو الملكة خناثة قرينة السلطان إسماعيل..
في بيتنا العائلي دخيلٌ: وهنا يمكن أن نُدرج الروايات النسائية التي تناولت، كليّا أو جزئيًّا، دخول الاستعمار الفرنسي إلى المغرب أو الاحتلال الصهيوني لفلسطين: روايات فاطمة الراوي( غدًا تتبدّل الأرض، 1967)؛ وخناثة بنونة( النار والاختيار، 1969 ) وليلى أبو زيد( عام الفيل، 1983)؛ ورواية الزهرة رميج( عزوزة، 2010)..
في بيتنا العائلي، هناك المرأة أيضًا: موضوعه المركزي هو أن يقول المرأة في ذاتها، في هويتها الذاتية التي تكاد تبدو كأنها مستقلة أو تسعى إلى الحصول على استقلاليتها، وتريد أن تكون متحررة من كل سلطة وعلاقة، وتسعى إلى أن تؤسس للمرأة باعتبارها اختلافا، لها الحقّ في أن تكون، في أن تفكّر، في أن تفعل، في أن تقول جسدها ونفسها، أفكارها وأحاسيسها، أفعالها وسلوكاتها، بعيداً عن تلك القيم العائلية والاجتماعية التقليدية الموروثة، قريبًا من هذه القيم العائلية والاجتماعية الجديدة التي تعيد الاعتبار للمرأة، تعيد إليها صوتها المقموع والمكبوت، تعيد إليها جسدها المخصي وروحها المخنوقة…وهناك أمثلة غير قليلة، ويمكن أن أكتفي باستحضار رواية زهور كرام: جسد ومدينة( 1996 )، مع ما تطرحه من عملٍ اجتماعيّ وسياسيّ من أجل تغيير أوضاع المرأة..؛ على أنّ هناك روايات أخرى غير قليلة صدرت في وقتٍ لاحق، وتندرج في إطار هذا المحكي الذي يعمل من أجل إسماع صوت المرأة المقموع والمقهور( وأبرز الأمثلة: روايات حنان الدرقاوي، وروايات حفيظة الحر وسعاد الرغاي، وروائيات أخريات بلا شك..)..
في بيتنا العائلي آباءٌ مستبدّون ورجالٌ فاسدون: وهنا يمكن أن ندرج كل الروايات النسائية التي تنتقد المجتمع المغربي الذكوري، في نظامه السياسي والسوسيوثقافي، وتكشف تناقضاته وظواهره، وتقول ما لا يقوله الرجال ويسكت عنه مجتمعهم الذكوري؛ ويمكن أن أستحضر رواية مليكة مستظرف: جراح الروح والجسد( 1999)؛ وهناك أمثلة أخرى كثيرة، منها: رواية خديجة مروازي( سيرة الرماد، 2000)؛ رواية فاطنة البيه( حديث العتمة، 2001 )روايات حليمة زين العابدين( هاجس العودة، 1999؛ قلاع الصمت، 2005)؛ ورواية حليمة الاسماعيلي( أغنية لذاكرة متعبة، 2005)؛ ورواية دليلة حياوي( يوميات زوجة مسؤول في الأرياف، 2000 )؛ ورواية وفاء مليح( عندما يبكي الرجال، 2007)، ورواية اسمهان الزعيم( ما قيل همسًا،2007)… ويمكن أن أزعم أن الروائيتين البارزتين اليوم، بالنظر إلى هذا المتغيّر من محكي الرواية العائلية، هما: الزهرة رميج( أخاديد الأسوار، 2007؛ عزوزة، 2010 …)؛ وفاتحة مرشيد التي كرّست رواياتها لإعادة مساءلة علاقة الرجل بالمرأة، مع إثارة كل الظواهر التي بقيت مسكوتا عنها وتتعلق بالاختلاف الجنسي وبشذوذه، عند الرجال كما عند النساء( لحظات لا غير، 2007؛ مخالب المتعة، 2009 ؛ التوأم، 2016 ؛ انعتاق الرغبة، 2019؛ حميمية الغيم، 2021..)..
2-2- المحكي الثاني: أسمِّيه محكي الانتساب العائلي، الذي أفترض أنه بدأ يتأسس من داخل المحكي السابق، وخاصة مع تلك الروايات النسائية التي: إما تخوض في موضوعات البلد وقضايا الوطن (الاستعمار الفرنسي، الاحتلال الصهيوني..)، وإما تمارس نوعًا من التحليل النفسي للعلاقات المركبة والمعقدة بين المرأة والرجل، وإما تعود إلى التاريخ أو الطفولة.. وهذه روايات، وإن صنّفناها ضمن محكي الرواية العائلية، فقد كان لها الفضل في أن تنفتح الذات النسائية على عالمها العائلي الأصلي، في أن يتحول موضوع الكتابة من الذات، بوصفها ذاتًا منغلقة على ذاتها وخصوصيتها وحميميتها، إلى الذات في علاقاتها المركبة والمتعددة بالعائلة والمجتمع، بالذاكرة والتاريخ، بالغير والآخرين، بذلك الآخر، آخر الذات.. وهكذا، فالنصوص النسائية التي سيكون لها الفضل الأكبر في بروز محكي الانتساب العائلي هي تلك النصوص التي أضحت تستعيد التاريخ والذاكرة، وتعيد قراءة الماضي الموروث، وتعود للحفر في التراث والموروث، وتمارس البحث في الأصول والجذور.. وأفترض أن النصوص الأولى التي تؤسس لمحكي الانتساب العائلي قد ظهرت في السنوات الأخيرة من الألفية الثالثة… وهكذا، فاليوم، يشهد محكي الانتساب العائلي تطورًا لافتًا، بحيث ظهرت نصوص نسائية، روائية، أفترض أنها تقدمت بهذا المحكي، شكلا ومضمونًا، بحيث بدأت خصائصه تتشكّل، بشكلٍ يجعله متميزاً عن المحكي السابق، محكي الرواية العائلية: ففي هذا المحكي الجديد لم تعد الذات النسائية الساردة / الكاتبة تبحث عن استبدال عالمها العائلي الأصلي بعالم عائلي جديد، ولم يعد الأمر يتعلق بذاتٍ تسعى إلى مواجهة عنصر من عناصر هذا العالم العائلي، ولا بذاتٍ تبقى منقسمة بين هذين العالمين، الأصلي والجديد، بل نحن أمام ذاتٍ ساردةٍ / كاتبةٍ تتأسس بطريقةٍ مغايرةٍ في محكيات الانتساب العائلي، فهي تطرح مسائل جديدة: مسألة العودة إلى الأصول، والحفر عميقـًا في الماضي العائلي، ومساءلة الذات لإرثها الإشكالي، وإعادة بناء معناها للهوية، والبحث عن الجماعات العائلية الأكثر حميمية، والسؤال عن ما إذا كان ممكنـًا أن توجد المرأة، وأن يحيا المجتمع النسائي، وأن تنجح مشروعاته في التقدم والتطور من دون محكياتٍ عائلية، ومن دون إعادة بناء محكياته العائلية، الفردية والجماعية… وأزعم أن ربيعة ريحان هي مؤسِّسة محكي الانتساب العائليّ في الرواية النسائية المغربية، وذلك بروايتيها: الخالة أمّ هاني( 2020)؛ بيتنا الكبير( 2022).
3- وبالتأكيد، فظهور الرواية النسائية بالمغرب يعود إلى التحولات الكبرى التي شهدها المغرب الحديث في بنياته العائلية والاجتماعية، الحقوقية والسياسية، الاقتصادية والثقافية، ولا يمكن لذلك أن لا يؤثّر على أوضاع المرأة داخل المجتمع. وفوق ذلك، فهي تحولاتٌ متواصلة إلى الوقت الراهن، ولذلك لا يمكن لمتغيّرات «الرواية العائلية» وتنويعاتها أن تجد تفسيرها إلا إذا استحضرنا هذه التحولات التي انطلقت أواسط القرن المنصرم، على الأقلّ، ولا تزال مستمرّة ومتواصلة إلى اليوم، وخاصة منها تلك التي شهدتها قضية المرأة بالمغرب بعد الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، على مستويات عديدة. وبالمقابل، لا يمكن تفسير ظهور هذا المحكي الجديد، محكي الانتساب العائلي، إلا إذا استحضرنا التحولات الكبرى التي عرفها الخطاب النسائي في الألفية الجديدة، وخاصة بالعالم العربي، وعلى الأخصّ بالمغرب: وكأن هناك نوعًا من الاعتدال يحلُّ محلَّ خطابٍ نسوانيّ عنيفٍ كان يتوهّم أن الذات النسائية يمكنها أن توجد بعيدًا عن أيّ محدِّدات، فجاء خطابٌ نسائيٌّ جديدٌ يتأسّس على محكيٍّ هو بحثٌ أركيولوجيٌّ في أشياء يبدو أنها آلتْ إلى الضياع والاختفاء، وتتجلى قيمة هذا المحكي/ البحث بالأساس في أنه يحيي مسألة جوهرية وأصلية في الأدب: أن تقول الذاتُ شيئًا عن أصولها وجذورها، وأن تقود التخييلَ إلى نوع آخر من الأسئلة: مِنْ أين أتينا؟ وماذا ورثنا؟ وهل يمكن للذات النسائية، الفردية والجماعية، أن توجد، وأن تستمر في الوجود، من دون أن تتموضع داخل حكاية فردية وجماعية؟


الكاتب : حسن المودن

  

بتاريخ : 04/03/2022