بعد مقال لـ «الاتحاد الاشتراكي» ينتقد بيانا تحسيسيا لمجلس المنافسة : رحو يفسر الماء بالماء وعوض أن يحقق في «غلاء الأسعار» يفضل التذكير بمقتضيات القانون!

بعد مرور أقل من 24 ساعة على نشر صحيفة «الاتحاد الاشتراكي» لمقال تحليلي تحت عنوان «مجلس المنافسة يكتفي ببلاغ تحسيسي لا يجيب عن تساؤلات المواطنين بخصوص الأسعار» خرج رئيس المجلس أحمد رحو بحوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء خصصه بالكامل لتبرير الجدوى من نشر «البيان الصحفي» من طرف مجلس المنافسة، مؤكدا أن هذا البيان الصحفي «موجه بشكل أساسي إلى جميع النقابات المهنية والاتحادات أو النقابات القطاعية، مذكرا ببساطة بأن القانون ينص في المغرب على أن أسعار المنتجات والسلع والخدمات (بصرف النظر عن قائمة أسعار المنتجات التي يحددها القانون، مثل الأدوية) لا يمكن تعديلها إلا من خلال معادلة العرض والطلب. وهذا يعني بشكل واضح أن البائع أو موزع المنتوج وحده الذي يمكنه أن يقرر إمكانية رفع الأسعار أو خفضها. فعندما يجتمع فاعلان أو أكثر، وخاصة في إطار جمعياتهم المهنية، يحظر عليهم الحديث عن الأسعار وتحديدها بشكل مشترك ومناقشة العناصر التي يمكن أن تؤثر عليهم، لا سيما أسعار الشراء ومستوى المخزون والتخزين المشترك. وكل هذه الممارسات محظورة بموجب القانون».
وكما لو كان يفسر الماء بالماء، اعتبر رحو في خروجه الإعلامي لتبرير «البيان» أنه «كان من الأفيد في هذه الظرفية التي يمر بها العالم كله ، بما في ذلك المغرب ، التي تشهد ارتفاعا في أسعار منتجات الطاقة والمواد الأولية الفلاحية والمواد الخام للتعدين ، مما يؤثر على جميع المنتجات المستهلكة ، وللتذكير هنا تمنع كافة الاتفاقيات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية أو التوجيهات التي يكون الغرض منها التأثير على تكوين الأسعار».
وفي الواقع فإن رحو لم يضف في حواره شيئا جديدا على البيان الصحفي موضوع الانتقاد، سوى أنه زاد تفصيلا و إطنابا في شرح مقتضيات قانون المنافسة وحرية الأسعار وتشديده على الدوافع التي تمنع الاتفاقات المحظورة على الأسعار وأضاف أن «هذا هو السبب الذي جعلنا نذكر أيضا في البيان الصحفي أن الممارسات، لا سيما تلك المتعلقة بعمليات الشراء والتخزين غير المشروعة، محظورة بموجب القانون».
وعندما يقول رئيس مجلس المنافسة إن البيان الصحفي (الذي يتوخى التذكير بمقتضيات القانون) هو موجه بالأساس للتجار والمهنيين والاتحادات القطاعية، فهو (الذي كان لسنوات عدة رئيسا لإحدى هذه الفدراليات المهنية) أكثر من يعلم بأن هذه الفئات ليست بحاجة إلى مجلس المنافسة لتذكيرها بمنطوق ومقتضيات القوانين الجاري بها العمل، والتي تسهر على تنفيذها واحترامها وزارة مختصة تسمى : وزارة الصناعة والتجارة التي لديها قنواتها الخاصة والمعروفة لمخاطبة هذه الهيئات، كما أن هناك وزارة أخرى اسمها :وزارة الداخلية التي تتوفر على جيش من المديريات والأجهزة والهيئات الترابية المتخصصة في مراقبة الأسعار و الاحتكار والمضاربة.. أما مجلس المنافسة فلديه اختصاصات واضحة بعيدة كل البعد عن «التحسيس» والتذكير وهي التي ينظمها القانون 13.20 المتعلق بمجلس المنافسة، هذا القانون الذي حدد لهذه المؤسسة الدستورية مهام صريحة وواسعة النطاق باعتباره هيئة مستقلة لها حق التقرير، والإحالة الذاتية، والتحري، والمرافعة، هو نفسه الذي أعطى للمجلس سلطة المبادرة إلى التحقيق في الأسعار وترتيب الجزاءات ضد المخلفات، حيث تنص المادة 4 من هذا القانون حرفيا على أنه «يمكن للمجلس باقتراح من مقرره العام، أن ينظر بمبادرة منه في كل الممارسات التي من شأنها المساس بالمنافسة الحرة. ويمكنه باقتراح من مقرره العام أن ينظر بمبادرة منه في أي إخلالات بالتعهدات المتخذة من لدن الأطراف في عملية تركيز اقتصادي في إطار تصدي الإدارة لقرار متعلق بهذه العملية، وفي الممارسات المتمثلة في عدم احترام القواعد المنصوص عليها في القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة والخاصة بتبلیغ عملیات التركيز الاقتصادي واحترام قرارات المجلس والإدارة في شأن هذه العمليات.» كما يمكن للمجلس اتخاذ المبادرة للإدلاء برأي حول كل مسالة متعلقة بالمنافسة وينشر الرأي المذكور بالجريدة الرسمية ليطلع عليه العموم ويمكن للمجلس كذلك توجيه توصيات إلى الإدارة لتفعيل التدابير اللازمة لتحسين السير التنافسي للأسواق. ويتعين على الإدارة اخبار المجلس بالتدابیر التي اتخذتها أو التي تعتزم اتخاذها التطبيق توصياته».
إن المغاربة الذين خرجوا للشوارع رافعين شعارات احتجاجية تطالب المؤسسات الدستورية بالتحقيق في هذه الزيادات سواء في المواد الغدائية أو المحروقات التي عرفت ارتفاعا مهولا مس القدرة الشرائية للمواطنين ـ ليسوا بحاجة إلى من يذكرهم بمقتضيات قانون المنافسة، بل ينتظرون من مجلس المنافسة أن ينزل إلى الأسواق ويتحرى عبر دراسات علمية حول أسباب هذه الزيادات، هل هي ناجمة – كما تدعي الحكومة – عن ارتفاع المواد الأساسية الأولية في الأسواق الدولية، أم أن هناك أسبابا إضافية تزيد من لهيب هذه الزيادات في الداخل؟ هل هناك احتكار للزبدة والسميد والدقيق والمعجنات؟ هل هناك منافسة «صورية» في قطاع زيت المائدة؟ هل هناك فرق بين وتيرة ارتفاع سعر النفط في الأسواق الدولية ووتيرة ارتفاع الغازوال والبنزين في محطات الوقود ببلادنا؟ … هذه وغيرها هي الأسئلة التي ينتظر الرأي العام المغربي الإجابة عنها، أما التذكير بقوانين المنافسة وحرية الأسعار والتنبيه إلى ضرورة احترامها، وإلى أن «اقتراف الممارسات والأفعال المذكورة، في حالة ثبوتها، يعتبر خرقا لمقتضيات القانون المشار إليه» فهو مجرد دور تحسيسي منوط بمنظمات المجتمع المدني وبجمعيات الدفاع عن حقوق المستهلكين، وليس بمؤسسة دستورية لها سلطة تقريرية.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 05/03/2022