مئات الأطفال بدون مناعة وبدون دواء عرضة للموت

يعيش مئات الأطفال المصابين بضعف المناعة الأولي خلال الأيام الأخيرة معاناة كبرى رفقة أسرهم، بعدما تبين أن الدواء الذي يستعملونه للتخفيف من تبعات المرض والذي يفسح المجال أمامهم لأجل المشاركة في الحياة اليومية بمختلف أنشطتها بات مفقودا. واقع اصطدم به عدد من الآباء والأمهات مؤخرا بعدما تم إخبارهم من طرف إدارة مركز تحاقن الدم بالرباط بانعدام الدواء الذي هو عبارة عن حقن “الإيمينوغلوبيلين” التي يتعين استعمالها كل شهر للرفع من مستوى المناعة في جسم الطفل.

وأكد عدد من الآباء والأمهات في تصريحات لـ “الاتحاد الاشتراكي” أن الأزمة انطلقت منذ أشهر، بعدما وجدوا أنفسهم أمام خبر وقف دعم الدواء من صنف 5 ميلغرام الذي كان يباع لهم بسعر 1130 درهما، وبالتالي أصبحوا مطالبين باقتناء الدواء الذي هو من صنف 10 ميلغرام الذي يصل سعره إلى 4800 درهم. خبر نزل آنذاك كالصاعقة على رؤوس العديد من الأسر بالنظر لكلفة الدواء الباهظة، ورغم ذلك وبما أن الأمر يتعلق بمسألة حياة أو موت، كانت عائلات المرضى تتدبر أمورها بشكل من الأشكال للحصول على الدواء، لكن الأزمة ازدادت حدّة اليوم، يقول عدد من المشتكين، بعدما تم إخبارهم بأن الدواء المشتق من الدم الذي يتم استقدامه من فرنسا، وفقا لتصريحات استقتها الجريدة، ونظرا للجائحة الوبائية وتراجع أعداد المتبرعين وارتفاع ثمنه فإنه لن يكون متوفرا، مما يعرّض هؤلاء الأطفال المرضى لأوخم العواقب عند الإصابة بنزلة برد قد تكون بسيطة بالنسبة للغير إذا لم يحصلوا على الدواء.

وطالب آباء وأمهات الأطفال المرضى في تصريحاتهم للجريدة وزارة الصحة والحماية الاجتماعية التدخل لإيجاد حلّ لهذه المعضلة، وفقا لوصفهم، مشددين على ضرورة أن تتفق الوزارة ومركز تحاقن الدم من أجل العمل على توفير الدواء لهذه الفئة المعرضة بفقدان حياتها في أية لحظة، مشددين على أن الوزارة التي خرجت لتنفي انقطاع أدوية خلال موجة “أوميكرون” من الصيدليات هي مطالبة اليوم بالتدخل العاجل لتوفير هذا الدواء الذي لم يعد متوفرا هو الآخر.

ويعتبر ضعف المناعة الأولي مرضا وراثيا يصيب الأطفال حديثي الولادة، ويسمى أوليا لأنه خلق معهم وليس مكتسبا كداء السيدا، وتكون مناعة الأطفال المرضى المصابين بهذا الداء ضعيفة جدا ولا يقوون على مقاومة الجراثيم. ويُصنّف هذا المرض إلى نوعين أو مجموعتين كبيرتين، النوع الأول يوصف بكونه جد خطير وتكون فيه الإصابة على مستوى الخلايا المتحكمة في المناعة، إذ يكون الجسم مفتقدا لأدوات الدفاع المتمثلة في الكريات البيضاء، وتتمثل أعراضه أساسا في الإسهال، الحمى والتعفنات المتكررة في الرئة والأذنين، كما يتسبب في توقف النمو، وتظهر هاته الأعراض بشكل مبكر انطلاقا من 3 أو 4 أشهر الأولى من ولادة الرضيع، وتصل نسبة الأطفال المصابين به في المغرب إلى 30 في المئة، بينما في أوروبا تقدّر بما بين 5 و 10 في المئة. أما النوع الثاني والذي هو أقل حدّة من الصنف الأول، فالأطفال الذين يعانون منه يكونون بدون مضادات في الدم التي تدافع عن الجسم ضد الميكروبات، وتظهر أعراضه بعد ستة أشهر الأولى من عمر الرضيع، حين يفتقد كل المضادات التي اكتسبها من والدته خلال فترة حملها والتي تظل فعّالة إلى غاية هذه السن، وتشكل نسبة المصابين به 70 في المئة، ويبلغ معدل الحياة بدون علاج بالنسبة لهاته الفئة من المرضى ما بين 10 و 20 سنة، وهو يؤدي إلى التهاب الرئة، الأنف والأذنين، ويصل الأمر إلى القصور الرئوي وصعوبة التنفس مما يؤدي في نهاية المطاف إلى الوفاة. ويؤكد المختصون على أن هذه العينة من المرضى تكون في حاجة إلى المضادات التي يتم تعويضهم إياها من خلال حقن مستخلصة من الدم، وهناك من تتطلب وضعيته الصحية ضرورة أن يحقن بحقنتين أو ثلاث أو أربع وصولا إلى حتى 8 حقن في الشهر، أخذا بعين الاعتبار أن العلاج يجب أن يتتبعه المريض طول حياته، ويمكنه في هاته الحالة أن يحيا حياة عادية وطبيعية.

وإذا كانت الأرقام الرسمية تؤكد إصابة حوالي 750 مريضا في المغرب بضعف المناعة الأولي، فإن “جمعية هاجر” التي تعنى بهذه الفئة، سبق وأن أشارت إلى أن هناك أكثر من 10 آلاف مريض، يعيشون بدون تشخيص ويجهلون مرضهم، مما يؤكد على ضرورة أن يحظى المرض والفئات المعنية به باهتمام أكبر.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 07/03/2022