موريتانيا المغرب: لأجل سياسة واقتصاد في مستوى الجغرافيا
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
لِنَقُلْ منذ البداية، إنه أياًّ كان مستوى التعاون المشترك بين موريتانيا والمغرب، اقتصاديا وسياسيا ، سيـظل دون مستوي ما يملكان من مُشْتركات ومن قواسم مجالية وثقافية واستراتيجية ..
تقول الوقائع، بعد ذلك أنه مرت قرابة 9 سنوات على آخر لجنة عليا بين المغرب موريتانيا، وقد جرت مياه..
و قد تم، بهدوء، التهييئ لهذه اللجنة، من خلال زيارتين لوزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ إلى المغرب في ماي وشتنبر 2021، وكانت الزيارة الثانية مناسبة إطلاق تدشين المركب الديبلوماسي بالرباط بأزيد من 5 آلاف متر مربع للرفع من الأداء الديبلوماسي، وهي إشارة إعدادية مهمة..
ولعل أهم حدث يسير في منطق تسهيل هذا اللقاء هو إعلان الملك محمد السادس في 21 نوفمبر 2020 خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ عن استعداده لزيارة نواكشوط ….
وأثناءها أعرب »رئيسا الدولتين عن ارتياحهما الشديد للتطور السريع للتعاون الثنائي، فضلا عن استعدادهما الكبير لتوطيد هذا التعاون ورفعه إلى مستوى يمكن من تعميق هذا التعاون بين البلدين الجارين«.
وقبلها كان اجتماع ما بعد تطهير الكركرات، للجنة العسكرية المشتركة الموريتانية – المغربية، برئاسة قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية، الفريق محمد بمب ولد مكت، والمفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية، الجنرال عبد الفتاح الوراق.في 22 دجنبر 2020، وكان هذا اللقاء لبنة جوهرية في تعزيز علاقات التعاون الموريتاني المغربي في مختلف المجالات العسكرية والأمنية خدمة للأمن والسلم بالمنطقة، وآفاق تطوير وتنمية هذا التعاون في المستقبل..
وفي السياق نفسه، كان وزير الخارجية الموريتاني اسماعيل ولد الشيخ قد صرح أن «العلاقات بين البلدين شهدت، خلال السنوات الماضية، قفزة مهمة، وهي علاقات صلبة، ونطمح لرفع مستواها وتقويتها». كما لفت إلى «وجود تنسيق جيد على المستوى السياسي وإرادة سياسية للدفع بالعلاقات»…
ولا يخفي المغرب إرادته في بناء «علاقات استثنائية» مع الجارة موريتانيا يكون الاقتصاد القاطرة المحركة لها.
ويأتي الاجتماع الحالي، والسياق الثنائي والإقليمي والدولي قد تغير ويتغير باستمرار، ولعل حلول الوزير الأول الموريتاني، محمد ولد بلال، سيجعل من اجتماع
اللجنة العليا الحالية هي فرصة لتقييم موضوعي، لما تم إنجازه أو بالأحرى ما لم يتم إنجازه بالرغم من الكثير من الظروف الملائمة والمناسبة…
وستكون أيضا فرصة لإرساء آليات تعاون متميز عبر توفير الإطار القانوني المحفز على التعاون الواسع والمتعدد، ولعل المقصود من ذلك هو تحيين الاتفاقيات الموقعة في 2013، وتوفير الشروط القانونية واللوجيستيكية للدفع بعجلة التعاون المنشود.
وقد كانت اتفاقيات 2013 قد شملت 9 مجالات أساسية، منها النفط والغاز والمياه والتنمية المستدامة والصناعات الغذائية والتكوين والصيد البحري والتجارة، وهي مواضيع لا تفقد راهنيتها بالنسبة للبلدين وتأكد هذا المنحى في الاتفاقيات الموقعة حاليا …
في البند الاقتصادي للشراكة المغربية الموريتانية، هناك الكثيرمن مجالات الخبرة والتعاون، فالبلدان معا يملكان اقتصادا متوجها نحو الخارج، والعلاقات معه محددة للتنمية والدور الإقليمي سواء في الحوار مع الاتحاد الأوروبي أو في التأثير في المحيط الإفريقي، ودول غرب إفريقيا..
التعاون يملك أبعادا متعددة، في العلاقة الثنائية، ما زالت دون ما يقدمه القرب والجوار الجغرافي المتماسك بين البلدين..
في المجال الاقتصادي دائما تعاون يمكن أن يكتسب صبغة مغاربية، وكل تحسن وتقوية للنسيج الثنائي يقوي ويحسن من مناخ الذهاب نحو المغرب الكبير ويقلل من دائرة الشك في العلاقة بين دوله.
وإفريقيًا، المغرب وموريتانيا يمكنهما أن يستفيدا من التماس الجغرافي بينهما من أجل بناء طريق البر والبحر نحو إفريقيا، عبر النقل البري، وعبر ما يمكن أن يقدمه الميناء الأطلسي في الداخلة..
ويمكن أن يشكلا مخاطبا واحدا إزاء دول غرب إفريقيا وتكتلها. خاصة وأن كلتا الدولتين طلبت الانضمام إليه..
و ازاء الكيانات المتوسطية وخاصة منها العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، كما قد يشكل تعاونهما قاعدة لبُعْد دولي في قضايا تتعلق بالأمن والاستقرار…
والخلاصة. هنا هي أن القرب الجغرافي، مع واجهة أطلسية موحدة، يشكلان نقط قوة في السجل المشترك بين البلدين، يطبعهما الانفتاح على العالم مما يقوي موقعهما في التبادل التجاري..
سياسيا، يسجل المغرب أن موريتانيا ساندت عودته إلى الاتحاد الإفريقي وساندت ترشيحه إلى مجلس الأمن والسلم في هذا الاتحاد، وهي مواقف لا تغيب عن ذهن صاحب القرار في الرباط وفي نواكشوط على حد سواء.
كما أن المغرب يقدم حدودا برية آمنة، على عكس الحدود الأخرى باستثناء الحدود الطبيعية مع السينغال. فالحدود مع مالي 2300 كلم، هي حدود نزاع وتوتر، ونحن نعيش في الوضع الحالي، اتهامات للجيش المالي بقتل مواطنين موريتانيين، كما أن هذه الحدود بذاتها هي امتداد للشريط الساحلي الصحراوي، والذي يتكون من مالي، والتشاد والنيجر وبوركينافاسو، وهي كلها دول تعيش اللاستقرار وتوجد بين كماشتي الإرهاب والانقلابات، كما عشنا في نهاية السنة الماضية .. وبداية السنة الجارية..
والمغرب يمكن أن يقدم خبرته ومهارته الاستخباراتية والعملياتية في مجال مكافحة الإرهاب.
ولا بأس من الإشارة إلى ثلاثة أشياء وقعت في هذه الفترة ومنها تقرير المكتب الدولي لدراسات الإرهاب، والمعهد الاسترالي للسلام والاقتصاد، واللذان صنفا المغرب ضمن الدول الأكثر أمنا إزاء الإرهاب والأكثر قدرة على محاربته..
والخلاصة الثانية هي أنه آن الأوان لاستراتيجية إقليمية مشتركة. قوامها التعاون الاقتصادي والأمني في محاربة الإرهاب..
وهما معا لهما مصلحة في تأمين منطقة غرب إفريقيا كفضاء استراتيجي للتنمية، تعبئة الموارد من أجل ذلك وتبادل الخبرات والمعلومات بخصوص الأمن والإرهاب..
يحسب لهما قوة تجارية مهمة لابد من الدفع بها من أجل اندماج اقتصادي تجاري في شمال إفريقيا، كما يمكن أن يتعاونا من أجل أن تصبح موريتانيا محور ونقطة التقاء في جنوب الصحراء.
والبنيات التحتية المشتركة ضرورية، كما أن مشاريع طاقية مشتركة، للتحفيز على التشغيل والتنمية المحلية، التكوين والتربية والثقافة، يمكن تقوية التعاون فيها.. كمُعامِلات لتقوية الرفاه والذكاء المشترك بينهما ..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 12/03/2022