بأصوات متعددة … تعالوا نضحك بكاء

عبدالله المتقي

الشّخص الواثق بنفسه له ضحكة تختلف عن الآخرين.. حتّى تنفّسه وحركاته لهما شكل يختلف عن الآخرين.
روجر فريتس.

 

قد يتساءل البعض عن الجدوى من التطرّق لمثل هذه الدّعوة المفارقة، وهناك قضايا أهمّ وأخطر من هذه الدّعوة الضّاحكة الباكية. لكننا نعتقد أنّ كلّ هذه القضايا الخطيرة تتساوى وتتداخل وتؤثّر على بعضها، وبينها رابطة غليظة وتبادليّة.
ضحك نريده “ عبارة عن عقاب المجتمع لأولئك الذين ينحرفون عن الصّواب وعن المعايير المتفق حولها.” حسب برجسون “، أو عبثا لأنّ “ منطق الضّحك هو العبث؟ وما يضحكنا هو إمكانيّة رؤية العبث “. يقول تيوفيل غوتيي.
وبذلك، يكون هذا الضّحك كالبكاء بعيدا عن التّهريج الصاخب والملوّث لحواس السّمع، وأبعد ما يكون عن التّهريج الذي يعني في قواميس اللّغة: “ التَّشْوِيشِ، وَإحْدَاثِ الاضْطِرَابِ وَالفَوْضَى”، كما يعني تبليد الحواسّ وتخديرها، ثمّ تضبيعها في نهاية الأمر.
تعالوا نتفكّه اختيارا وموقفا، وليس دغدغة الأرجل أو الآباط، لأنّ نسبة إصابتنا بالأمراض الثقافيّة والسّياسيّة والاجتمصاديّة، ضربت أرقامها القياسيّة، وأصبحت بعدد أنفاس الخلق في مجتمعاتنا من البحر إلى الصّحراء، ممّا أفرز كثيرا من حالات التشنّج وكميّات الأدوية، جرّاء هذا الانتعاش لسوق الأمراض العصبيّة التي ملأت دنيانا، وشغلت الناس من قنة الرّأس حتّى باطن الأقدام.
وعليه، تكون هذه الاستضافة، ارتباطا بمؤثرات خارجيّة مباشرة وملموسة ومعاينة، وليس وسيلة لنسيان جدل الحياة واستبدالها بالفكاهة، أو تظريفا للأجواء المحتدمة والسّاخنة وتحويلها إلى مَضْحَكَة، غايتها تنشيط عضلات الوجه والجسم، وعلاج الرّبو، والتهاب الشّعب الهوائيّة، والقضاء على الشّخير، وبعدها يسدل السّتار.
تعالوا نضحك على مهازلنا السّياسيّة البرلمانيّة والحكوميّة، والتي تشبه ذنب كلب لا يقبل الاستقامة، فثمة صورة حقيقية مرة لهذا الوطن العربيّ والعروبيّ، ببرلماناته وحكوماته التي تنتزع منا ضحكا كالبكاء، ضحك مجبول بالمرارة.
تعالوا نتفكه من أعضاء برلماناتنا، الذين يشبهون راقصي الحبال، أو كْلونات في سيرك سياسيّ من دون جمهور، كائنات سياسوية فلكورية، تعضّ بنواجذها على كراسيها ولا يعنيها العباد والبلاد، ماركات بشريّة تراكم ثرواتها، وتستبدل انتماءاتها كما الجوارب والقفازات، تنتقل من مكّة أو موسكو، أو من موسكو إلى مكّة، ولا تعنيهم هذه الأوطان التي تأكلها الأرضة؛
تعالوا نضحك دمعا، على مهزلة تشكيل حكوماتنا العربيّة التي تشبه سحب أوراق اليانصيب، لاختيار وزرائنا بشكل هزليّ وكاريكاتوريّ، كما كوميديا سوداء، وبنكهة عربية صافية، برغم حرارة هذه الأوضاع وجفائها!
تعالوا نتكفه حزنا، من مشهدنا الثقافي الذي يدعو للأسف، المثقف يعيش حالة من التمزّق والإحباط كونه يعيش في مناخ مسموم ومحبط، يكرّس التّجاهل والإنكار وإشاحة الوجوه، مشهد تسيره أصابع لوبيات بقفازات تتحكّم في إيقاع هذا المشهد، والكلّ يدريه كما الصيرفيّ ديناره، والفاهم يفهم، فلا يعقل أنّ في بلادنا طاقات إبداعيّة هائلة يمارس عليها الإحباط، من قبل طفيليّات تمارس دور المخبر ضدّ القلم، وتسعى إلى تحويل الكاتب إلى خصي يستجدي المنابر والملتقيات؛
وأحيانا، قد يتحوّل هذا المثقف النفعيّ والانتهازيّ إلى مدية، لطعن أصدقائه من المثقفين وبضمير خائب، والأكثر منه، والمضحك المبكيّ أن هذا العجز للمثقف، وفي غياب من من المفروض فيهم الدفع بعجلة الوعي، من شأنه تكريس وتداول ذهنية لا تفكّر سوى في العنف الرمزيّ والماديّ لدى الشباب، إما بالتّوجّه إلى ساحات القتال، أو تحويل الشوارع إلى ميادين للسرقات والجريمة الواضحة والمقنعة في واضحات النّهار، بل إلى فوضى منظمة، ودون حسيب أو رقيب، كي يكرهوننا فينا.
ومجمل القول، تعالوا نضحك، ذاك الضّحك الذي “يُعذِّب العادات والتقاليد”، أي الذي يحدُّ مما هو قبيح فينا، كالشّماتة والانتهازيّة والتّهريج.
تعالوا نضحك، وليكن الضحك حركة التفاتة اجتماعيّة تلعب دور النّقد والافتحاص للسّلوكات الاجتصادية والثقافيّة والسّياسيّة المنخورة. وألف مرحبا بك عزيزي القارئ العربيّ في كلّ مكان، وشكرا للأيّام القادمة..

الكاتب : عبدالله المتقي - بتاريخ : 28/03/2022

التعليقات مغلقة.