«نهار شهرزاد» عن ديوان «بين حبيبات الرذاذ، خلسة صفاء» لمينةالازهر

ليس صدفة أن يتزامن هذا التوقيع الاحتفائي بديوان »مينة الازهر«« »بين حبيبات الرذاذ، خلسة صفاء» والاحتفال باليوم العالمي للمرأة. من هنا فالمناسبة شرط كما يقول الفقهاء لنهنئ المرأة في عيدها العالمي،ومن خلاله نهنئ الشاعرة »مينة الأزهر« على هذه الإضافة النوعية للخزانة المغربية في جناح الكتابة النسوية.
غير أنه لا يستقيم الحديث عن الأدب النسوي دون الحديث عن كاهنته شهرزاد، التي ما كان لحكاياتها أن تحظى بكل هذا الاهتمام لو لم تكن محاطة بكل أشكال القهر وانتظار القتل، ولو لم تكن صاحبتها سبق وأن أهدت نفسها قربانا من أجل انبثاق التحرر وتحقيق الذات، غير أنه في خضم الاهتمام بالحكاية الشهرزادية ولياليها الألف، لم يتساءل أحد، في حدود معرفتي، عن نهار شهرزاد بنفس الحدة التي حصل بها التساؤل عن لياليها مع أنه لم يصلنا أن شهرزاد كانت نؤوم الضحى.. وكيف لها أن تنام وهي المهددة باستمرار بالقتل المنتظر، هي التي كانت بمنطق الأشياء إنما تقبع داخل جناح المحكوم عليهن بالإعدام. لم يطرح أحد كيف كانت تقضي شهرزاد نهارها في انتظار عودة شهريار مساء كي تمطره حكايا وتنجو من الموت، علما أن شهريار، كما رسخه التمثل القديم، لابد وأنه بعد الفاجعة، بعد ضبط ظل شهرزاد وصورتها الاخرى في حالة تلبس وهي تحتفي داخل مهرجان الخيانة باللذة المحرمة، لابد وأنه كان، بعد أن اختل ميزان الفحولة، قد أصدر تعليماته بحد السيف أن تستتب الصرامة، ومن ثم وضع شهرزاد تحت الحراسة المشددة وقد كتبت لها الحكاية المكوث طويلا في بيت السلطان، فكيف كانت تقضي شهرزاد طول نهارها وعرضه في انتظار شهريار؟
وما تناوب الليل والنهار في «»بين حبيبات الرذاذ، خلسة صفاء»إلا التشوير الأكبر عن فاتحة نهار شهرزاد ببوح شفيف: ص 17
في الأيام الخرساء
أندس في الاشياء
أذوّب نهار القلق

نهار القلق، وخوف الليل هما ديدن شهرزاد في «خلسة صفاء» واذا كان المقطع مجملا،. فتفصيله إنما فاتحته الصريحة قول الشاعرة:
أنام على أوجاع الذكرى
أستيقظ بلا عنوان

بلا عنوان من فرط اختلاط المشاعر في البرزخ مابين القلق النهاري والخوف الليلي اللذين تعيشهما تلك التي أشكل عليها أمرها لتقول بصيغة استفهامية استنكارية: ص 37
ما الليل؟ ما النهار؟ ما النجوم؟ وما السهر؟
هي الخارجة من سيف الليل يتهددها في كل آن وحين، عرضة لمزاج ديكتاتوري من شأنه أن يوقف الحكي في كل لحظة لتنضم شهرزاد للائحة اللواتي قتلن صامتات، وهن يحملن في صدورهن آلاف الحكايات….
تنتظر صاحبتنا بفارغ الصبر حلول الفجر، تعيش كاتمة خوفها ، تترقب الصباح لتنفجر صيحة الخوف من فم بزوغ الشمس، تقول الشاعرة في مشحون يقارن بين ليلها الخائف، ونهارها المرتجف:
وما هدوء الليل إلا قناع
لنوبات حزن
لكوابيس مزعجة

داخل معادلة غير متكافئة بالإطلاق، تقول:
أصف له الحياة
يصف لي الموت

ولتزيدنا إحساسا عميقا بقسوة الليل وسط الإصرار الداخلي بالرغبة في الحياة، تقول بتعجب يكابد المحنة، على غرار ذلك الذي قال عجبا… لازلت حيا» تقول: ص 29
مازال بوسعي
أن أتجاهل
ظلي الذي ينتحب
ظلي الذي ينام
بلا جسدي

لتعترف أيضا بمأزقها الداخلي حين تقول على غرار ذلك الذي قال يوما:
«لا تسعفني العبارة»، تقول:
أريد الحياة
ولا تحالفني النبضات

وهي في هذا إنما تتطلع لشهرزاد أخرى غير تلك الخائفة بين الليالي، تلك المتوسلة بمخزون عجائبي أسطوري لا علاقة له بالواقع المر الذي تحياه، إذ بنفس شعري مكروب، مصحوب بتنهيدة اقتلعت من صلب الليالي.
من يبالي
بأمة، تلتحف أسفا
تترنم على إيقاع حكاية
تشيب لها الولدان
حكاية عاشقة متلعثمة
بلا خبايا ولا أساطير

فنردفه باعتراف يعاش ولا يحكى، تقول: ص 24

يا نبضي
إن هوت نفسي والوصيد (عتبة الباب الفاصل)
تذكر
أني
كنت أمة
متوهجة بالحياة
(وتلك حقيقة مأساة شهرزاد.
.
فبرقتها ولينها ونعومتها المفرطة، لم تكن شهرزاد في «خلسة صفاء» بطلة الليالي بل ضحيتها، تقول الشاعرة:
أمة
تطلعت طويلا
لصيحة من فم الشمس
تغمر عينها الساهدة
بالرِّسْل اللين
مصداقا قول الرسول «رفقا بالقوارير«« فهن حدقة العين ، على التشبيه بقارورة الزجاج لصفائها.
بذا، وبغيره كثير، على مستوى اللغة، الأسلوب، البلاغة، كان بين حبيبات الرذاذ، خلسة صفاء، توثيقا للحظة شهرزادية دقيقة تعز على الوصف على اعتبار أن »خُلسة« و»خِلسة« فرصة قلما تسنح، هي غفلة، خفية، انفراد، بلحظة منفلتة بين الخوف والقلق. خروج متوجس حائر، يخشى دوما من شهريار الواقعي، ويستعطفه أن يكون رحيما بتلك الخارجة تاريخيا من ليل الحكي، فلربما يكون الشعر أرحم من السرد.
وما تزامن هذا التوقيع مابين اليوم العالمي للمرأة مابين الخوف والقلق. واليوم العالمي للشعر، إلا خلسة صفاء.

(مداخلة في توقيع ديوان «بين حبيبات الرذاذ خلسة صفاء» يوم 12 مارس بمدينة آزمور)


الكاتب : عبد الإله الرابحي

  

بتاريخ : 29/03/2022