أسلمة المغرب .. حسب ما قيل -3- ليبيا يعمرها شعبان أصليان الليبيون والإثيوبيون

منذ البداية وجب أن نعترف أ ن كتابنا هذا ليس كتاب تاريخ محض، إنما هو محاولة يمكن إدراجها ضمن مجال الدراسات الثقافية التي حاول الأنجلوساكسون تطويرها – منذ ظهورها بعيد منتصف القرن الماضي – وذلك بدراسة مختلف الظواهر الثقافية اعتمادا على مناهج علوم مختلفة ومتعددة، كالتاريخ والأنثربلوجيا وعلم الاجتماع وعلم الأديان والآداب .
إنه محاولة للجواب على أسئلة مؤرقة .
لعل أهمها: لماذا تفتخر كل الشعوب بتاريخها وتنقب عما يمكن أن تجده عبر الحفريات الأركيولوجية ومختلف اللقيات حفظا لهويتها؟ إلا هذا البلد الأمين الذي يحاول في ثقافته الرسمية أن يحصر تاريخه بل والأحرى أن يوقفه في حدود القرن الثاني الهجري.
هل تَرى تلك الثقافة أن التحقيب هنا لا يهتم إلا بما يسمى الدولة الحديثة؟ الأوْلى، إذن، الحديث عن الدولة المغربية وليس الموريتانية Moros أو Mores أو المراكشية Moroeccos منذ سميت كذلك ، أو حين حاول الفرنسيون تأسيس مفهوم جديد للدولة الحديثة ومنح المملكة الشريفة اسم Royaume du Maroc للحديث عن المملكة المغربية وسموها على طريقتهم و بصياغتهم؟ وقالوا اختصارا Maroc، أو حين تم وضع أول دستور مغربي(محض) بعيد الاستقلال .
المشكل، من هذا المنظور ، هو مشكل هوية ثقافية تتعلق بمواطن مغربي يرى أن ماضيه لا يتجاوز تأسيس الأدارسة لإمارتهم ، أي قدوم المولى إدريس الأول رفقة خادمه إلى المغرب الأقصى ونزولهما ضيفين على قبيلة أوربة )إن كان النطق صحيحا ( و نتع رف من خلال التاريخ الرسمي على اسم زعيمها وابنته كنزة . معضلتنا أننا نلوك هذا في مقرراتنا ومناهجنا كنوع من الوحي المنزل دون طرح تساؤلات من قبيل: كم كان عمر سبط الرسول الأعظم إدريس بن عبدالله حين قدم إلى المغرب؟ أليس لديه أبناء؟ نتساءل هكذا ونحن نعلم أن أغلب القدماء كانوا يتزوجون وهم في سن معينة، أو على الأقل يتخذون جواري و يمارسون الجنس مع ما ملكت الأيمان .
معضلتنا أننا لا نعلم أبناءنا طرح الأسئلة من هذا النوع ! و ما زلنا ند رس في أقسامنا ك ما من المعلومات التي صارت متاحة بنقرة زر ، و لا نعل مهم طرق التحليل وآليات التفكير القائمة على العقل و المنطق .
مشكلتنا، أن أغلب المؤسسات تريد ترك الأمور على حالها .

ثورات وصراعات بين القبائل البربرية من جهة والإمبراطورية البيزنطية من جهة ثانية.
على اعتبار أن الامبراطورية نشرت نفسها في مجموع شمال إفريقيا إلا يسمى بالمغرب الأقصى سنة 622م.
في عهد الخليفة الراشدي أبو بكر الصديق افتتح بعض أراضي الروم سنة 642 م وصلت الفتوحات الإسلامية مصر في عهد عمر بن الخطاب.
10 لوبيا ليبيا.
حين نتحدث عن شمال غرب إفريقيا كما هو شأن كل ما يعز فيه القول الفصل نجد أننا بين نوعين من الأخبار: أخبار ذات طابع أسطوري ومحكيات عجائبية تتجاوز أحيانا قوانين الفيزياء كما نؤمن بها حاليا.
أخبار قائمة على المشاهدات العينية، أو قائمة على الوقائع المثبتة والأدلة المادية، لكنها مصحوبة بأحكام قيمة تضعف أحيانا معناها الواقعي.
وقد تتداخل المرويات أحيانا فيجمع (المؤرخ الأديب) ما بين المنقول شفهيا بالمنقول كتابيا ويجمع بين المشاهدات العينية والمرويات السماعية، مع اعتماد اللاحق على السابق في نقل الأخبار ووصف التضاريس رغم تغيرها على مر السنين بفعل التغيرات المناخية .
لذا وجب على كل ذي عقل حاذق أن لا يكتفي بما يصله من أحداث الماضي، بل وجب أن ينصب تركيزه على تحليل الوقائع و الأحداث ليتجنب زاوية النظر الخاصة بالناقل أو المترجم أو القارئ لكل تراث لا مادي خصوصا.
فالمؤرخ كما يقول العروي يعترف أن الحدث هو مجرد مركب نظري قام هو بتأليفه تبعا لهمومه (التي هي هموم عصره) وتساؤلاته المنهجية .
فلنذهب إذن إلى المنبع ونحاول استقصاء أخبار هذا الشعب أو هذه القبائل التي سكنت مجالا جغرافيا اسمه في عصر الإسلام المغرب الأقصى، تلك الأرض التي حفت بها الكثير من الأساطير والخرافات كما تناقلها بعض الجغرافيين و المؤرخين القدامى.
ونحن حين نعود إلى هؤلاء الأجانب لغياب أبحاث أركيولوجية أو لصعوبة إثبات الأمكنة والتواريخ فلأنه لا يوجد أمامنا سوى ما تمت كتابته من طرفهم ودونته أقلامهم، مع العلم أن نفس المادة تختلف حولها الآراء باختلاف أهداف وزوايا نظر أصحابها، وهذا يجعل التأويلات متعددة أو غير منسجمة .
ولعمري فهذا ما يؤاخذ على الدراسات الثقافية، فالمناهج المعتمدة ذات طبيعة انتقائية، والمادة المدروسة أيضا ذات طبيعة انتقائية، مما يعنى أن كليهما يخدم زاوية نظر الباحث، وبالتالي يطرح السؤال الأساس: من يكتب؟ ولمن يكتب؟ إن عملنا في هذا الكتاب وعلى هذا الأساس مجرد عملية تأويل أخرى تحاول ما أمكنها أن تكون موضوعية باعتمادها على مرويات مكتوبة سلفا ولقيات موجودة أصلا وبعض أبحاث أركيولوجية منجزة قبلا، ما لم يظهر جديد، أو تُخ صص لهذا النوع من الأبحاث إمكانات بشرية متعددة، مسلحة بوسائل و تقنيات حديثة إن كانت هناك إرادة فعلية لإعادة تأريخ المنطقة و تصحيحه.
11 الرمز الثلاثي: الأرض، الإنسان واللغة منذ البدء يمكن القول، دون الخوف من الزلل، أنْ لا أحد يملك قولا فصلا يحسم الكلام عن أصل سكان شمال غرب إفريقيا.
ومن المستحيل في الوقت الراهن أن نجزم القول في هذا كما يفعل البعض بنوع من اليقينية مادامت الآراء المطروحة مجرد تخمينات قائمة على الحدس أحيانا أو على لَ ي أعناق الكتابات والصور واللقيات ليس إلا.
فالإجابة على هذا السؤال يشبه إلى حد ما الإجابة عن أصل الهيكسوس أو عن أسباب اندثار حضارة المايا. مع العلم أنه لا يمكن المرور عليها، ونحن ندرس أقواما غابرين دون طرح هذا النوع من التساؤلات ، لكن الوقوف عندها ببوليميتها يبدو لي نوعا من الشوفينية و الجدال العقيم .
بالرغم من أن البحث الفيلولوجي يتيح بعضا من هذه التأويلات. إن الاعتماد سيكون لا محالة على ما كتبه الأجنبي عن الأرض والإنسان واللغة، لأنه لا نملك غيره أو لأن القيمين عليه يريدون ذلك الآن مادامت (الفتنة نائمة لعن لله موقظها).
سنرى ما وقع عليه الباحثون منذ ظهور ما يسمى اجيبتولوجيا (بعد اكتشاف حجر رشيد، وبعد سنوات من ذلك حين تم فك شيفرة الكتابة المصرية).
ولتيسير العودة إلى فجر التاريخ سنحاول الحفاظ على كرونولوجيا الأحداث منذ ظهور الكتابة (المسمارية، في بلاد ما بين النهرين، العراق حاليا) للحديث عن مختلف الحضارات التي ظهرت وسيطرت في حوض البحر الأبيض المتوسط ، والتي كانت لها تلك الرغبة في الامتداد و ساعدها اكتشاف المجهول لبسط نفوذها على هذا (العالم) الفراعنة الفنيقيون الإغريق الرومان البزنطيون العرب العثمانيون.
ثم فيما بعد، تلك الدول الأوربية في إطار ما يسمى بالإمبريالية.
ما أوصلته لنا الصور الفرعونية إن ما وُجد في المقابر الفرعونية (السود والبيض على السواء الكوشيون في الجنوب و البيض في الشمال) ذوي البشرة المفتوحة نوعا ما (من صور أو) كتابة (يحيل بعضه على أقوام من غرب مصر المتاخمين لواحة سيوة، سواء من جنوبها أو من شمالها، سيعطينا لا محالة تلك البداية أو نقطة البداية المنطقية للحديث عن هذه الجغرافيا التي ستسمى فيما بعد المغرب الأقصى.
إذ نجد هناك اسمان يترددان بكثرة: (الليبيون والإثيوبيون) ففي الشمال يكون الحديث عن الليبو أو الليبيكو وسيسمون فيما بعد (الليبيون)، وهو اسم عام كما سنرى يطلق على هذه الأرض (القارة عموما كما كان يراها الجغرافيون القدماء) منذ البدايات الأولى للتدوين والكتابة .
بينما في الجنوب تتحدث هذه عن الإثيوبيين (عموما) وعن الماشاوشا (على الخصوص) كقبيلة تنتمي إلى جنس مختلف عن جنس بعض أهل الشمال المتاخمين للسواحل الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط.
12 بهذا يكون الحديث عن المصريين (الكوشيين بما فيهم سكان منطقة أسوان وشمال السودان الحالية) فالأثيوبيين ثم الليبيين مع ما يجيزه التواصل بين الجنسين المتجاورين أو الأجناس سواء بالتزاوج أو تبادل الخبرات، بطريقة أو بأخرى، أو بالصراعات والصدامات والحروب.
كقوم سكنوا القارة الليبية (إفريقيا) وتحركوا كأجناس أو قبائل كأصلاء أو كوافدين.
ما اوصلته لنا الكتابات الإغريقية الأولى إن لفظ ليبوس lybes كان مستعملا عند الإغريق للدلالة على مجموع سكان شمال إفريقيا (أصل اللفظ إفريقي).
وبعض الوثائق المصرية كما زعموا والتي تعود إلى ما قبل الألف الأولى قبل الميلاد تذكر Rebou أو الليبو Lebou على أنهم عشيرة (Peuplade) كانت تسكن بين وادي النيل وخليج سدرة .
وليست لدينا أدنى فكرة عن كيفية معرفة الإغريق هؤلاء الليبو، فربما تم التعرف عليهم عن طريق المصريين أو مباشرة حين نزلوا على السواحل الجنوبية للمتوسط .
والأكيد أنهم سموهم ليبوس وسموا أرضهم ليبوي، ذلك أن الاسم ورد في الأوديسا .
ومنذ القرن 6 ق.م فإن اسم ليبوي قد تم إطلاقه من لدن بعض الجغرافيين الأيونيين Ioniens على جميع القارة الإفريقية واحتفظ منذ ذلك العهد على هذه الدلالة .
ولم يحدث خلاف سوى على حدود ليبيا هذه من الجهة الشرقية (أي حدود غرب مصر).
فبعضهم كان يرى أنها نهر النيل، بينما كان البعض الآخر يرى أنها خليج السويس والبحر الأحمر ، فيما يرى آخرون أنها الحدود الحالية لمصر.
بينما نحن نرى أن هذه الحدود لم تكن مرسومة ومستقرة إنما هي خاضعة للمد والجزر حسب قوة (الدولة) وضعفها.
على أن لفظ ليبوس لم يكن له ذلك الانتشار الواسع فهيرودوت (Herodote توفي حوالي 425 ق.م) يقول: «إن ليبيا يعمرها شعبان أصليان الليبيون libyes والإثيوبيون.
ويسكن الأولون في الشمال والآخرون بجنوب ليبيا «بينما إذا ذكرت مصر ذكرت لوحدها وكأنها قارة منعزلة لا تنتمي إلى إفريقيا، ويخصص لها في كتابات القدماء حيزا خاصا مع الفرس والحضارات التي ظهرت في بلاد الرافدين وعند بعض الكتاب المتأخرين نجد لفظ ليبوس libyes قد أطلقوه على جميع سكان أفريقيا الشمالية من تخوم مصر إلى المحيط ومن البحر الأبيض إلى الأراضي التي يعيش بها الإثيوبيون (ما يعرف الآن ببلدان الساحل والصحراء).
وأحيانا فإن لفظ ليبوي لا يدل على القارة كلها بل على شمالها فقط .


الكاتب : عبد الله خليل

  

بتاريخ : 05/04/2022