في حوار مع جريدة «ايل بريوديكو دي إسبانيا» … نبيل دريوش: دعم إسبانيا لمقترح الحكم الذاتي تحوُّل  والبَلَدَان في حاجة ملحة ليسيرا معا صوب المستقبل

 

o كيف يرى الإسبان المغاربة في نظرك؟

n أعتقد أننا كجيران لا نعرف بعضنا جيدا، فالإسباني يرى المغربي باعتباره النقيض لهويته أو نوعا من التهديد الدائم، وهو ما لا يحصل مع الانجليز أو الفرنسيين رغم الحروب الكثيرة لإسبانيا مع هذه الشعوب، أظن أن بلدك، إسبانيا، يتوفر على ميزة وجود الحضارة العربية الإسلامية عند عتبة بابه، وهذا القرب الجغرافي يجب تحويله إلى تقارب ثقافي وإنساني.

o وضع المغرب وإسبانيا مؤخرا حدا لعشرة أشهر من القطيعة الدبلوماسية، لماذا لم يتحقق هذا الأمر إلا بعد إعلان الحكومة الاسبانية رسميا دعمها لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء باعتباره هو القاعدة الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل حل النزاع؟

n إسبانيا هي الشريك التجاري الأول بالمغرب وحليفه الاستراتيجي للقرن الواحد والعشرين، مثلما أن الوحدة الترابية تعد مسألة حيوية بالنسبة للمغرب، الذي كان ينتظر دعما واضحا لخطته لتطبيق الحكم الذاتي بالصحراء بهدف حل هذا النزاع الذي عمر مدة نصف قرن، وقد جاءت هذه الفرصة عندما اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء، لكن الحكومة الاسبانية اختارت وقتها السير في الاتجاه المعاكس محاولة إقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بسحب اعترافها، وقد اعتبرت الرباط أن الأمر شبيه بخيانة اسبانيا لتحالفها معه. وبالنظر إلى السياق الإقليمي والدولي الجديد وثقل المصالح الإسبانية في المغرب، فإن دعم إسبانيا لمخطط الحكم الذاتي تحول إلى حاجة ملحة حتى يتمكن البلدان من السير معا صوب المستقبل.

o حسب وجهتي نظر البلدين، ما معنى الحديث عن ضمان الاستقرار والوحدة الترابية للبلدين؟

n الأمر يفترض ألا يقوم أي بلد باتخاذ خطوات أحادية الجانب ضد الوحدة الترابية للآخر، بمعنى أنه وفي علاقة بقضية الصحراء، فإن استقبال زعيم البوليساريو إبراهيم غالي كان عملا أحادي الجانب ضد الوحدة الترابية للمغرب، ويعني أيضا أن المغرب سيعامل إسبانيا بالمثل في علاقة بوحدتها الترابية، أظن أنه سيكون هناك وضوح وحوار إزاء أية مشكلة قد تعترض البلدين مستقبلا.

o في ماذا سينفع المغرب دعم مقترحه من طرف الولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا وألمانيا مادام أن الحل يجب أن ينبع من الأمم المتحدة ويجب قبوله من طرف جبهة البوليساريو؟

n أريد التأكيد على أمر مهم، وهو أن المشكلة الحقيقية هي بين المغرب والجزائر، وهو ما يفسر لنا لماذا قامت الجزائر بسحب سفيرها من مدريد بعد إعلان الحكومة الإسبانية دعمها لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء، في الوقت الذي مازال فيه ممثل جبهة البوليساريو موجودا بإسبانيا، هذا دليل على أن الجزائر هي الطرف الرئيسي وأن أي حل يجب أن يتم قبوله من طرفها، وبالتالي فالولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا واليوم إسبانيا، كلها دول ترى أن هذا النزاع عمر طويلا وبات يهدد استقرار المنطقة المغاربية. هذه البلدان التي ذكرت لها وزنها داخل منظمة الأمم المتحدة وتقر اليوم بأن الحل الوحيد المتاح للمشكلة التي اختلقتها الجزائر خلال فترة الحرب الباردة، هو خطة الحكم الذاتي بالصحراء تحت السيادة المغربية.

o رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق خوسي لويس رودريغيث ثباتيرو سبق له أن قال إنه ليس هناك أي تغير في الموقف الإسباني لأنه دعم عام 2008 المقترح الذي تقدمت به الرباط، كما أن وزير الخارجية مانويل ألباريس أشار إلى أن الشيء نفسه قام به راخوي، لماذا في نظرك لا تريد الحكومة الإسبانية الاعتراف بحدوث تغيير؟

n أعتقد أن قرار الحكومة الإسبانية بدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء كان واحدا من أصعب القرارات التي اتخذتها حكومة بيدروسانشيث على مستوى السياسة الخارجية لإسبانيا، وذلك بالنظر إلى الحساسية الموجودة لدى الرأي العام الإسباني وبعض الأحزاب السياسية باسبانيا تجاه الموضوع، فلم يستطع خوسي لويس رودريغيث ثباتيرو وقتها اتخاذ قرار مماثل رغم أنه كان مقتنعا بأنه القرار الصحيح الذي يخدم المصالح الوطنية الإسبانية، مثلما أن حكومة ماريانو راخوي كانت تعبر عن هذا الموقف متخفية خلف عبارات دبلوماسية، لكن السياق السياسي لم يكن مساعدا وقتها على اتخاذ هذه الخطوة، القرار كان سيتخذ في المستقبل، لكن الأمر كان يتطلب شجاعة سياسية وسياقا دوليا وإقليميا ملائما.

o كيف ترى ملامح المرحلة الجديدة للعلاقات غير المسبوقة بين البلدين؟

n سيكون هناك تعاون أكبر وحوار أفضل، هناك الكثير من الملفات العالقة مثل القمة العليا المشتركة بين حكومتي البلدين واجتماعات اللجان المختلطة لوزارتي الداخلية من أجل التنسيق في مجالات محاربة الهجرة غير الشرعية والجريمة العابرة للحدود والإرهاب، والمغرب كما تعلمون هو حلقة أساسية لضمان أمن أوروبا وإفريقيا، ويمكنني أن أضيف بأن المصالحة تمثل نافذة من الفرص للتكثيف التعاون الاقتصادي فإسبانيا هي الشريك التجاري الأول للمغرب وهناك 22 ألف مقاولة إسبانية تصدر منتجاتها للمغرب، العلاقات الثنائية تتمتع بصحة جيدة دائماعندما تسود المقاربة البرغماتية ويتم إيلاء الأهمية للتعاون، لكن عندما تصبح العلاقات رهينة الإيديولوجيا، فإننا ندخل منطقة المطبات الهوائية ونشعر جميعا بالاهتزازات. أظن أن نخب البلدين باتت مطالبة بالتفكير العميق بشأن حلول ملائمة لمشاكلنا بهدوء وبرغماتية.

o هل تعتقد أن خطاب الملك فليبي السادس في شهر يناير الماضي والذي دعا فيه إلى بداية مرحلة جديدة كان خطوة مهمة؟

n تتمتع المؤسسة الملكية الإسبانية باحترام كبير بالمغرب، وكان هناك دائما انسجام بين المؤسستين الملكيتين منذ عهد الملكين الراحل الحسن الثاني والعاهل خوان كارلوس الأول، وهو ما شرحته في كتابي «الجوار الحذر»، فالمؤسسة الملكية الإسبانية لعبت دائما دور الوساطة خلال الأزمات بين البلدين، لذلك فأنا أعتقد أن خطاب الملك فليبي السادس كان خطوة مهمة من أجل فتح الطريق للمصالحة، فالعاهل الإسباني لعب دورا مهما في عملية الدبلوماسية السرية للوصول إلى الاتفاق الحالي بين المملكتين.

قام المغرب والجزائر بقطع علاقاتهما الدبلوماسية في وقت سابق، هل هناك إمكانية لاستعادة هذه العلاقات وأن تعود الجزائر لضخ الغاز عبر الأنبوب المغاربي؟

n علاقاتنا بالجزائر تتعدى التعاون في مجال الطاقة أو الغاز، فهي بلد شقيق نتقاسم معه الكثير من الأشياء، وحسب رأيي فالمغرب قام بما يلزم القيام به لتعود المياه إلى مجاريها، لكن مع الأسف كان لقادة الجزائر وجهة نظر أخرى، فهم ينظرون إلى المغرب باعتباره عدوا تقليديا في المنطقة المغاربية، أي عدو افتراضي، ويريدون الإبقاء على هذا الوضع لتبرير الفواتير المرتفعة لصفقات الأسلحة، يحزنني أن أقول ذلك، لكنني متشائم بخصوص هذه المسألة، وكما يقولون فالمتشائم هو في الأصل إنسان متفائل مر بتجارب سيئة.

نشر يوم 31 مارس 2022 بصحيفة ايل بريوديكو دي اسبانيا


الكاتب : أجرى الحوار: ماريسولهيرنانديث

  

بتاريخ : 05/04/2022