الحكومة اختارت أن تدعم 180 ألف عربة لأرباب النقل والباطرونا، وقالت لـ 5 ملايين أسرة: تدبروا أمركم!
مازال الارتفاع المتواصل في سعر المحروقات يؤجج غضب ملايين المغاربة من مالكي السيارات والدراجات النارية الذين لم يعد بمقدورهم مجاراة وتيرة الزيادات الصاروخية في سعر الوقود (بنوعيه البنزين والغاز وال) والذي بات يناهز اليوم 15 درهما. وما زاد من غضب هذه الشريحة الواسعة من المغاربة، هو الخيار السياسي المجحف الذي اتخذته الحكومة التي قررت الرضوخ لمطالب مهنيي النقل وتخصيصهم بالدعم العمومي دون غيرهم، تاركة الغالبية الساحقة ممن يملكون دراجة نارية أو سيارة خاصة لحال سبيلهم، وهو ما عبر عنه الناطق الرسمي باسم الحكومة صراحة بقوله «الحكومة كانت واضحة منذ البداية، نحن نشتغل على تقديم الدعم للمهنيين.. أما من يملك سيارة فليتحمل تكاليفها».
وعندما يقول الناطق الرسمي باسم الحكومة هذا الكلام، فهو يوجهه بالضبط لأزيد من 5 ملايين أسرة مغربية، ضمنها 3.3 مليون أسرة تملك سيارة خاصة وأزيد من 1.8 مليون أسرة تملك دراجة نارية (دون احتساب مئات الآلاف من الدراجات النارية التي مازالت لم تخضع للتسجيل ولا تتوفر على لوحة ترقيم)، حيث إن حضيرة السيارات في المغرب تفوق حاليا 4.8 مليون سيارة، 70 في المائة منها عبارة عن سيارات خاصة، 30 في المائة عبارة عن سيارات نفعية، بينما يتجاوز عدد الدراجات النارية بكثير عتبة 2 مليون دراجة.
وهكذا فإن الحكومة قررت ألا تنشغل بكل هؤلاء المغاربة، لكونها مقتنعة بأنهم وإن كانوا يعدون بالملايين، غير أنهم لا يتوفرون على وسائل ضغط قوية كتلك التي يتوفر عليها المهنيون على أقليتهم، أي 180 ألف عربة معظمها مملوك لشركات كبرى مسنودة من طرف نقابات تستعمل تارة ورقة الزيادة في تعريفة الأسعار وتارة أخرى بالإضراب وتلوح بشل حركة النقل الطرقي في البلاد، كلما شعرت أن مصالحها مهددة، وهو ما حدث بالفعل حين هدد مهنيو النقل، مطلع فبراير، بتطبيق زيادة ب 20 في المائة على أسعار خدمات النقل، ولم تمض سوى أيام معدودة على تمكن الحكومة من إقناع مهنيي النقل الكبار التابعين للاتحاد العام لمقاولات المغرب، بالتراجع عن الزيادة التي قرروا فرضها على وسائل النقل بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، حتى قررت تنسيقية نقابات قطاع النقل الطرقي بالمغرب بمختلف تلاوينها خوض إضراب وطني لمدة 72 ساعة بداية من 7 مارس، وهو ما جعل الحكومة تسارع يوم 23 مارس عملية تقديم الدعم الاستثنائي المخصص لمهنيي قطاع النقل الطرقي، الذي تم الإعلان عنه في المجلس الحكومي المنعقد في العاشر من الشهر الجاري، حيث ستستفيد منه فئات مهنية مختلفة، وسيخصص لنحو 180 ألف عربة.
ولأن هذا القطاع الحيوي العريض يتسم وطنيا بتعدد المتدخلين، ويضم خليطا غير متجانس من الفاعلين، فإن الحكومة أصبحت معه أشبه بإطفائي مرتبك لا يلبت أن يخمد الحريق في جهة، حتى تندلع النيران في جهات أخرى. وبعدما تمكنت من إطفاء غضب المهنيين الصغار، عادت إلى النقالة الكبار (الباطرونا) وهيأت لهم مشروع قانون خاص يلبي مطالبهم، وهو ما قال عنه وزير النقل واللوجستيك، محمد عبد الجليل، أول أمس الثلاثاء إنه مشروع القانون المتعلق بمقايسة أثمنة النقل الطرقي وأسعار المحروقات، الذي شرعت الوزارة في إعداده باتفاق مع تمثيليات مهنية، يروم تمكين المهنيين من التوفر على آلية قانونية تساعد على التأقلم مع تقلبات أسعار المحروقات. وأضاف الوزير في معرض رده على أسئلة شفوية خلال جلسة عقدت بمجلس المستشارين، إن هذا النص يرمي إلى تقديم إجابات هيكلية لإشكالية تقلبات أسعار المحروقات وعلاقتها بقطاع النقل الطرقي مستقبلا، مشيرا إلى أن من شأنه تقوية منظومة النقل نسبيا.
كما يهدف مشروع القانون، وفقا للوزير، إلى إلزام الناقل والشاحن بمراجعة أثمنة النقل بينهما عندما يتغير سهر المحروقات بين التاريخ الذي تم فيه الاتفاق على ثمن النقل والتاريخ الذي تم فيه تقديم خدمة النقل، موضحا أنه في حالة وجود عقد نقل بين الطرفين يتضمن أحكاما تنص على كيفية مراجعة أثمنة النقل لتعكس الزيادات أو الانخفاضات في أسعار الوقود، سيتم تطبيق أحكام العقد المبرم. أما عند غياب أحكام تنص على المراجعة فإن مشروع القانون سينص، حسب المسؤول الحكومي، على تطبيق مقتضيات من أجل المقايسة التي سيتم اعتمادها بين ثمن النقل وأسعار المحروقات.
في غضون ذلك، يظل المواطن البسيط الذي يملك سيارة خاصة يؤدي في الغالب ثمن مصاريفها الباهظة أصلا من (أقساط ومصاريف الضريبة السنوية والتأمين)، والأجير المحدود الدخل الذي يعول على دراجته النارية في البحث عن لقمة عيشه.. مجبرين على تحمل الزيادات الصارخة في أسعار الوقود، بعدما قررت الحكومة كانت «واضحة منذ البداية» في التخلي عنهم!!