اختارت أن تعيش بين الثلاجات وطاولات التشريح، أن ترافق الأموات طيلة 15 سنة تقريبا وهي تستنطق الجثت بحثا عن عدالة فوق الأرض قبل تحتها، مشاريط متنوعة ومناظير مختلفة وحقائب وقناني بيولوجية بمشرطها تُعلي الحقيقة، كما ان تقاريرها لا يدخلها باطل فهي مهيأة لتنصف المظلوم، مشاهد الموت اليومية لم تضعف قلبها أمام موت متكرر ليل نهار وعلى مدار السنة. فقد اعتادت العيش وسط أجساد متحللة وأشلاء بشرية واجساد متفحمة واخرى فقدت ملامحها. من أجل أن تعلن عن الحقيقة كاملة انها الدكتورة ربيعة ابو المعز خلال هذا الشهر الفضيل سيبحر معنا القارئ لتفكيك جزء من مرويات الدكتورة ربيعة ابو المعز إخصائية الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس.
عندما أمرت النيابة العامة بإجراء تشريح على جثة شخص أحيل عليها من محبس الحراسة النظرية بالأمن الإقليمي بالجديدة لم تكن تدري أن الشخص المحال عليها مصاب بعدد كبير من الكسور والرضوض في أنحاء مختلفة من جسده ورأسه، بل كانت تظن أن وفاته كانت عبارة عن توقف للقلب جراء تناول الكحول والحبس الاحتياطي.
إلا أن مفاجأتها كانت كبيرة عندما اكتشفت ذاك السيل الكبير من الكسور حتى على مستوى الجمجمة مما عجل بوفاة الشخص الموضوع رهن الحراسة النظرية حتى عندما قدمت له الإسعافات الأولية اثناء نقله الى المستشفى وإعادة نقله مرة أخرى والتي مباشرة بعدها أسلم الروح إلى باريها، كانت لحظتها تحركات بعض الحقوقيين في هذا الملف وكأن شيئا مريبا يجري فيه، فجميع المواطنين سواسية فوق طاولة المشرحة تؤكد ربيعة ابو المعز لافرق بين هذا اعتدى عليه زيد وهذا اعتدى عليه عمر، علما ان هذا الملف كان بين إياد أمينة، الوكيل العام للملك والفرقة الوطنية للشرطة القضائية، فالجانب القانوني قامت به الفرقة الوطنية التي اطلعت على التسجيلات والجانب الطبي امسكه الوكيل العام للملك واستقر رأيه على ما جاء في التقرير الطبي الذي تضمن أن الوفاة كانت نتيجة ما تعرض له الضحية من كسور ورضوض.
أحيل الملف على القضاء حيث أحيل الضابط على التحقيق في حالة اعتقال بينما المساعد في حالة سراح حيث أدين الضابط من اجل الإيذاء العمدي المؤدي الى الموت وحكم بعشرين سنة سجنا خفضت إلى عشر والمساعد بالمشاركة وكان نصيبه سنة سجنا نافذا.
تعتبر ابو المعز أن مثل هذه الأحداث بإمكانها ألا تقع اذا ما تم استحضار العقل وإعماله لان تبعاتها تكون ذات نتائج وخيمة، وهو ما حدث في هذا الملف حيث ضاع اثنان مواطن غادر الدنيا وشرطي يتوفر على تكوين أمني وأكاديمي سيفيد البلد لا محالة.
وتلك قصة أخرى.