عاد النقاش حول مشروع قانون رقم 25.19 المتعلق بالمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، داخل «لجنة التعليم والثقافة والاتصال» بمجلس النواب انطلاقا من يوم الاثنين 18 أبريل 2022، بعد أن تم تجميده منذ سنة 2019. وعلى إثر ذلك، دعا عدد من المؤلفات والمؤلفين والفنانات والفنانين المغاربة، إلى استقلالية المكتب المغربي لحقوق المؤلف أي تحويله من مؤسسة عمومية تابعة لقطاع الاتصال، إلى مؤسسة خاصة أي هيئة للتدبير الجماعي في شكل شخص اعتباري خاضع للقانون العام ويتمتع بالاستقلال المالي وتسهر على تأدية الحقوق المكتسبة للمبدعات والمبدعين، عبر إشراكهم في تدبير هذه المؤسسة عن طريق انتخاب أعضاء مجلس إدارة المكتب.
وقد عبر مجموعة من الفنانات والفنانين عن غضبهم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، التي تسير في منحى المصادقة على قانون يتضمن في المادة الثامنة من المشروع، أن مجلس إدارة المكتب تترأسه السلطة الحكومية المتخصصة أو من يمثلها، وأن الإدارة تعين ممثلين عنها في مجلس إدارة المكتب مص تمتيعهم بصلاحيات التصويت بشأن اعتماد التوصيات. وعليه، فالامتياز الوحيد الممنوح لمالكي الحقوق بمقتضى هذا المشروع هو أن يتم تمثيلهم في مجلس الإدارة، حيث لا يتمتعون في نهاية المطاف سوى بحق إبداء الرأي، نظرا لكونهم أقلية ولا يشكلون إلا فئة واحدة من أصل ثلاثة (إلى جانب ممثلي الإدارة، وشخصيات من ذوي الخبرة والكفاءة في المجال). الشيء الذي اعتبره ائتلاف الفنانين المغاربة لحقوق المؤلف، أنه ترسيخ لرؤية تقليدية أبوية تجسد مفهوم الوصاية، مفادها أن الفنانين غير قادرين على إدارة شؤونهم بأنفسهم، بل يتطلبون من أجل ذلك إشرافا وتأطيرا من قبل الإدارة. مع أن الأمر يتعلق بإبداعاتهم وبأعمالهم وبمستحقاتهم أيضا، فالدولة لا تموّل تسيير هذه المؤسسة التي تدفع نفقاتها ورواتب مستخدميها من مداخيل مالكي الحقوق. لذلك، فمن الطبيعي أن يهتم المبدعون والفنانون مباشرة بالإدارة الجماعية لحقوقهم وليس عن طرق الوكالة.
ومن جهة أخرى، يعبر الفنانات والفنانون أن الشخصية العمومية للمكتب المغربي لحقوق المؤلف، مستمدة من حق احتكار الإدارة الجماعية المسندة له بموجب المادة 60 من القانون 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وليس ذلك راجع لأي ارتباط من أي نوع بالسلطة الحكومية، بما أن هذه المؤسسة تعمل بميزانية مستمدة من أموال خاصة مملوكة لمالكي الحقوق. وبالتالي فالطابع العمومي لشخصية المكتب يعتبر حلا لمشكلة الوضع القانوني، ولكن ليس كوسيلة للحكومة للاستيلاء والسيطرة عليه. كما يعتبرون أن هذا المشروع يعتبر بمثابة تطوير ضئيل مقارنة بالنموذج التقليدي، المبني على تدبير إداري لملكية خاصة، والذي هو في حد ذاته أمر متناقض بشكل جوهري. وعليه يدعون إلى رفض أي تدخل تنظيمي من طرف الحكومة في هذا المجال، وذلك ضمانا لاستقلالية المكتب، مع احتفاظها بسلطتها فيما يتعلق بمشاريع النصوص التشريعية وإبرام عقود برامج بهدف تنفيذ سياساتها العمومية في القطاع.
ودعا فنانات وفنانون من ذوي الحقوق إلى تبني إلى رؤية تسند التدبير الجماعي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة عبر مجلس إداري بصفته هيئة تقريرية، مكوّنة حصريًا من ممثلين لمالكي الحقوق ومنتخبين من قبلهم، تحت قيادة رئاسة محايدة، تحكيمية وخبيرة. وأكد على أن مبدأ البساطة هو الذي وجب أن يكون الموجه لأي مقاربة فعالة لتصوّر تشكيلة مجلس إدارة المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، والتي ينبغي أن تشمل، بالإضافة إلى الرئيس المعين أو المنتخب، تركيبة تتكون من ثمانية (8) أعضاء فقط، يتم انتخابهم من طرف مجموعتين من الأعضاء المنخرطين بالمكتب (أربعة (4) يمثلون مالكي حقوق المؤلف وأربعة (4) يمثلون مالكي الحقوق المجاورة)، إضافة إلى المدير التنفيذي المعين من قبل مجلس الإدارة والذي يؤدي مهامه تحت سلطته. أما الصيغة مقترحة في مشروع القانون، فهي الصيغة المعمول بها في مجال المؤسسات العمومية التي يديرها مدير، والتي مفادها أن مجلس الإدارة يجتمع كلما كان ذلك ضروريًا وعلى الأقل مرتين في السنة للمصادقة على ميزانية السنة المنصرمة واعتماد ميزانية السنة المقبلة. ولكن بالنظر إلى الطبيعة المحددة للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة، والتي يتمثل أحد رهاناته الرئيسية في توزيع الحقوق وحمايتها، والتي تتطلب نشاطًا منتظمًا، فيعتبر المبدعات والمبدعون أن البنية المقترحة في المشروع غير قابلة للتطبيق نظرًا لأن المدير غير مخول للقيام بذلك وأن المجلس، على غرار الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري على سبيل المثال، يجب أن يجتمع مرتين على الأقل في الشهر. أما المدير، المعين من قبل المجلس، فهو مسؤول عن تنفيذ قرارات المجلس وتقديم التقارير إليه في كل اجتماع.
وعليه، فإن الرؤية التي تلبي توقعات مالكي الحقوق تتعلق برؤية تهدف إلى جعل المكتب المغربي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة في المستقبل مؤسسة مستقلة، أكثر تمشيا مع ثقلها الحقيقي في ظهور صناعة ثقافية في مستوى الإمكانات الحقيقية والطموحات العميقة للمجتمع المغربي. وفي الواقع، بالنظر إلى درجة تطور بلدنا وقطاعها الفني، يرى الفنانات والفنانون المغاربة، أنه لم يعد من المقبول اليوم أن تستمر الحكومة في التدبير المباشر لحقوق الفنانين والمؤلفين والمبدعين في حين أنها لا تشارك بصفة مباشرة أو غير مباشرة في تكوين هذه القيمة المضافة. وللقيام بذلك، يقترح اعتماد أحد السيناريوهين الاستراتيجيين التاليين: الأول يتعلق بتعيين رئيس مجلس الإدارة من قبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله عبر ظهير شريف، والثاني يهدف إلى انتخاب رئيس مجلس الإدارة من قبل مالكي الحقوق المنخرطين بالمكتب. عكس الطرح الذي أتي به مشروع القانون الذي يمنح للسلطة الحكومية تعيين رئيس مجلس إدارة المكتب وتعيين أعضاء من خارج فئة مالكي الحقوق في مجلس الإدارة وتعيين الجمعيات المهنية ممثليها لعضوية مجلس الإدارة، بدلاً من الجمع العام الانتخابي الذي يشكله جميع المنخرطين بالمكتب.
ويدعو الفنانات والفنانين إلى تبني وضع قانوني فريد عبر منحه شخصية اعتبارية في إطار استقلالية مالية وإدارية متقدمة تضع مالكي الحقوق في قلب هيئات صنع القرار المصممة للتدبير الفعال، وفي إطار المصلحة العامة للحقوق الخاصة المشروعة للمبدعين، وعن طريق ضمان التطوير المستمر وتأهيل الموارد البشرية للقطاع حتى يعكس تراثنا الحضاري بشكل أفضل في عصر التقارب التكنولوجي والوظيفي.
(*) فاعل ثقافي