- فتيحي: الظرفية تقتضي رفع الحد الأدنى للمعاشات وإعفائها من الاقتطاعات الجبائية
في عز موجة الغلاء والزيادات الفاحشة الذي تشهدها أسعار المواد الأساسية والارتفاع الصاروخي لتكاليف المعيشة التي ألهبت جيوب المواطنين، أصبحت شريحة واسعة من المسنين والمتقاعدين المغاربة في وضعية مادية أكثر هشاشة مما كانت عليه قبل بضع سنوات. ومع نمو معدل التضخم الذي سيرتفع هذا العام إلى نحو 4.6 في المائة، أضحى المواطنون البالغون من العمر 60 عاما فما فوق، والذين يقدر تعدادهم بحوالي 3.5 مليون مواطن، أكثر هشاشة من أي وقت مضى، علما أنه لا يحصل على معاش تقاعدي منهم سوى 868 ألف شخص. وبحسب معطيات رسمية، فإن عدد المستفيدين من نظام المعاشات المدنية لوحده لا يتعدى 335 ألفا.
وإذا كانت الحكومة قد أدخلت بعض الإصلاحات لتحسين معدل التغطية، مثل تمديد سن العمل إلى 63 سنة (بدلا من 60)، وإنشاء نظام للعاملين لحسابهم الخاص والمهن الحرة. فإن ورش إصلاح التقاعد بالمغرب مازال بعيدا عن تأمين معاش يضمن الحد الأدنى لكرامة الغالبية العظمى للمتقاعدين في المغرب.
وفي هذه الظرفية الاقتصادية العصيبة التي تمر منها معظم الأسر المغربية، لا يبدو أن الحكومة تبالي بأوضاع آلاف المتقاعدين الذي لم تعد معاشاتهم التي تقل في المتوسط العام عن 3200 درهم، تكفي لسد رمق عيش هذه الشريحة الواسعة من المغاربة، وهو ما أدى إلى تردي أوضاعها المادية، بل إن الدولة لا تتردد في تطبيق اقتطاعات ضريبية على هذه المعاشات التي أصبحت هزيلة بالنظر إلى ارتفاع التضخم بالأسعار الجارية.
بخصوص قضية تضريب معاشات المتقاعدين بالمغرب، فقد سارع العديد من النشطاء في مرات متتالية إلى إطلاق عريضة وطنية تسعى إلى إعفاء معاشات المتقاعدين من اقتطاع الضريبة على الدخل بالمغرب، مشددين على أن الضريبة «غير قانونية»؛ لأن رواتب هذه الفئة قد خضعت للتضريب أثناء مزاولة العمل، ومؤكدين على أن المتقاعد قد أدى ما يكفي من الضرائب للدولة ومنهم أيضا من طالب باستفادة المتقاعد من نسبة الأرباح السنوية لأمواله ومدخراته التي تستثمر في مشاريع متعددة من طرف صناديق التقاعد علما بأن معاشات أعضاء الحكومة والبرلمان هي معفاة من الاقتطاع الضريبي بنص القانون، وهي المفارقة العجيبة والغريبة التي تجري تحت أنظار الحكومات المتعاقبة.
وفي هذا الصدد يقول عبد الحميد فتيحي، الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل، إن السؤال المحوري الواجب طرحه الآن هو «أية وضعية ومكانة للمتقاعدين في السياسات الحكومية؟» مضيفا أن المطلب الأساسي اليوم في ظل موجة ارتفاع تكاليف المعيشة، هو ضرورة الزيادة في الحد الأدنى للمعاش وتطبيق إعفاءات ضريبية على باقي المعاشات حتى نضمن للمتقاعدين كرامتهم.
ويعتبر نظام المعاشات التقاعدية في المغرب معقدا، بحيث يتكون من ستة أنظمة أساسية وثلاثة أنظمة تكميلية، اعتمادا على ما إذا كان العامل موظفا عاما (مدني أو عسكري) أو موظفا شبه عام، أو يشتغل في القطاع الخاص.
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد دعا مؤخرا إلى استعجالية تفعيل الإصلاح الهيكلي والشمولي لقطاع التقاعد بالمغرب، حيث أوصى المجلس بإحداث حد أدنى للدخل في سن الشيخوخة لا يقل عن عتبة الفقر لفائدة الأشخاص الذين لن يستفيدوا من أي معاش في إطار الإصلاح الشمولي لمنظومة التقاعد والحماية الاجتماعية عموما.
فعلى مستوى التمويل، دعا المجلس إلى مراجعة سياسة توظيف الأموال المتأتية من الاحتياطيات، واعتماد مقاربة موحدة للجوانب المتصلة بالغايات والتأثيرات المنشودة والتدبير والمراقبة، مع العمل بشكل خاص على تشجيع الاستثمار طويل المدى في احترام تام للقواعد الاحترازية، وذلك في قطاعات وأنشطة تساهم في إحداث مناصب الشغل وتحقيق الرفاه الاجتماعي وحماية البيئة.
كما طالب مجلس الشامي بتخصيص ما بين 2 إلى 4 في المائة من الضريبة على القيمة المضافة في تمويل الحماية الاجتماعية بما فيها منظومة التقاعد.وأوصى المجلس بالتعجيل بتحديد جدول زمني دقيق وملزم لجميع الأطراف لتنفيذ المراحل الكبرى للإصلاح الشمولي لمنظومة التقاعد، بتشاور مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين وباقي الفاعلين المعنيين.