اليسار يحقق وحدة تاريخية بفرنسا، وميلونشون يقترب من الأغلبية التشريعية

باريس / يوسف لهلالي

 

كان الاتفاق الذي حققه «الحزب الاشتراكي» وحزب «فرنسا الأبية» يوم الابعاء 4 ماي تاريخيا بالنسبة لهذه العائلة السياسية، التي عانت طويلا من التشتت. وفي انتظار موافقة المجلس الوطني للاشتراكيين على هذا الاتفاق، أصبح هذا التحالف الجديد الذي تقوده «فرنسا الأبية» بزعامة جون لوك ميلونشان، قوة سياسية كبرى لخوض الانتخابات يشكل تهديدا حقيقيا للأغلبية الرئاسية في الانتخابات التشريعية المقبلة. هذا التحالف وسط العائلة السياسية، استقبل من طرف حزب الرئيس إيمانويل ماكرون بحذر شديد، وهو ما سوف يعقد من مشروع الرئيس من أجل إيجاد وزير أول يأخذ هذه التحولات في المشهد السياسي بعين الاعتبار، وكيف يمكن إقناع الفرنسيين بمنح الأغلبية للرئيس، كما جرت العادة في الانتخابات التشريعية المقبلة، خاصة أن حزب الرئيس الفائز بالانتخابات الرئاسية يستعمل شعار «لا يسار ولا يمين» من أجل استقطاب قيادات كلاسيكية من اليسار واليمين الفرنسي.
هذا الاتفاق السياسي التاريخي وسط أحزاب اليسار الأربعة، خلف ردود أفعال متفاوتة، لكنه سيغير كل المشهد السياسي الفرنسي. فتاريخيا، كلما توحد اليسار الفرنسي كلما انتصر، وهو ما يعكسه تاريخ فرنسا المعاصرة، عندما توحد اليسار سنة 1936 انتصر ونال السلطة، عندما توحد سنة 1981 بزعامة فرنسوا ميتران حصل على التناوب ونال الرئاسة والأغلبية السياسية، نفس الوضع تكرر أيضا سنة 1997 بزعامة الاشتراكي ليونيل جوسبان فيما يسمى اليسار المتعدد، وبعد أن حل الرئيس الراحل جاك شيراك الجمعية الوطنية، تمكن اليسار من الحصول على الأغلبية وحكم فرنسا، في تعايش مع رئيس من اليمين. اليوم نفس الطموح يحرك اليسار، وزعيمه الجديد جون لوك ميلونشون، الذي طلب من الفرنسيين منحه الأغلبية البرلمانية وفرض التعايش السياسي على إيمانويل ماكرون، الذي صوت عليه العديد من الفرنسيين، ليس من أجل برنامجه، لكن فقط لقطع الطريق على اليمين المتطرف وزعيمته مارين لوبين، التي حققت نتائج جد محترمة لحزب متطرف، وهي 41 في المائة من الأصوات.
ابن مدينة طنجة، كان غير بعيد عن التأهل وحقق 22 في المائة من الأصوات، في الوقت الذي لم تتجاوز نتائج الحزب الاشتراكي 1,7 في المائة والشيوعيون 2 في المائة والخضر 4 في المائة.
أهمية هذه الوحدة تتأتى من كون أن ناخبي اليسار يطالبون بها، وهو ما يمكن أن يدفعهم الى التعبئة في الانتخابات التشريعية المقبلة، حيث بينت دراسات الرأي أن 84 من ناخبي اليسار يطالبون بها، بل يلحون عليها كمفتاح لنجاح اليسار الذي دخل مشتتا إليها.
هذه المعادلة الجديدة في الانتخابات المقبلة، يمكن أن تفرض تعايشا سياسيا على إيمانويل ماكرون الذي فاز بعهدة ثانية ضد لوبين وبدعم من ناخبي اليسار أثناء الانتخابات الرئاسية التي شارك فيها كل حزب من الأحزاب اليسارية بمرشح منفرد بعد أن رفض الجميع انتخابات أولية لفرز مرشح موحد لليسار. كانت المنافسة حادة ، بل أحيانا عدائية، وكل طرف اتهم الآخر ببعده عن قيم اليسار، وكان الصراع قويا خاصة بين «فرنسا الأبية» من جهة التي تصنف حزبا يساريا راديكاليا وبين «الحزب الاشتراكي» و»حزب الخضر»، في حين نجح مرشح الحزب الشيوعي فابيان روسيل في تجنب هذا الجدل مع باقي المرشحين من عائلته السياسية.
وإذا كان تحالف فرنسا الأبية مع الخضر والحزب الشيوعي قد تم بسهولة نسبيا، فإن المفاوضات مع الحزب الاشتراكي كانت طويلة ومؤلمة في نفس الوقت. وذلك، لأن عددا من القيادات التاريخية وعلى رأسهم الرئيس السابق فرنسوا هولند أو المرشحة في الانتخابات وعمدة باريس آن هيدالغو ووزراء سابقون مثل ستيفان لوفول وبيرنار كازنوف يعتبرون أن هذا التحالف هو نهاية الحزب الاشتراكي ونهاية القيم التي يدافع عنها ونهاية البناء الأوربي الذي ساهم قادته التاريخيون في تأسيسه وتطويره، وهو ما جعل الوزير الأول السابق بيرنار كازنوف ينسحب من الحزب بعد هذا الاتفاق.
لكن القيادة الحالية للحزب، بزعامة أوليفييه فور، تعتبر أن عدم التحالف مع فرنسا الأبية وباقي أحزاب اليسار في الانتخابات التشريعية كما يطالب الناخبون بذلك، يعني نهاية الحزب الحقيقية في المشهد السياسي الفرنسي. وتتهم الزعامة السابقة بقيادة فرنسوا هولند بأنها هي من كانت وراء الانهيار الكبير الذي تعرض له الحزب منذ سنة 2017.
بقية ص: 2

وقال الحزب الاشتراكي الديموقراطي وحركة فرنسا الأبية في بيان مشترك «نريد انتخاب نواب في غالبية الدوائر الانتخابية لمنع إيمانويل ماكرون من المضي قدما في سياساته الظالمة والوحشية، وإنزال الهزيمة باليمين المتطرف».
وحسب فابيان روسيل، زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي في تصريح صحفي، «لا يمكن لأحد من اليسار أن يفوز بمفرده»، مشير ا إلى أن التحالف الجديد بحاجة إلى أن يبنى على «الأمل الهائل بين الجمهور الفرنسي وبين العمال وبين الشباب الذين يطالبوننا بأن نتحد».
وسجل زعيم حزب فرنسا الأبية جان لوك ميلانشون أداء قويا خلال انتخابات أبريل، متقدما كثيرا على باقي أحزاب اليسار وكان الفارق ضئيلا بينه وبين الدورة الثانية.
بعد فوز ماكرون، دعا ميلانشون الناخبين على الفور إلى انتخابه «رئيسا للوزراء» ومنح اليسار غالبية في الجمعية الوطنية لعرقلة إصلاحات الوسط، بما في ذلك الخطة التي لا تحظى بشعبية والمتعلقة برفع سن التقاعد من 62 إلى 65 عاما.
ومثل الانتخابات الرئاسية، تجري الانتخابات التشريعية في 577 دائرة انتخابية في فرنسا على جولتين، وهذا يعني أن التحالفات تقدم أفضل فرصة للتعويض والنجاح في الجولة الثانية.
وسيكون «التعايش» القسري بين ماكرون وميلانشون هو الأول منذ عقدين، رغم أن جزءا من المشهد السياسي يرى أن مثل هذا السيناريو مازال غير مؤكد.
تاريخيا عندما كان اليسار الفرنسي يتوحد، كان ينجح، فرنسوا ميتران قبل أن يصبح رئيسا، نجح في توحيد التيارات الاشتراكية تحت يافطة الحزب الاشتراكي سنة 1972 ، والتحالف مع الحزب الشيوعي مكن اليسار الفرنسي من الوصول الى التناوب سنة 1981 مع فرنسوا ميتران. كما أن تحالف اليسار المتعدد الذي تزعمه ليونيل جوسبان مكن اليسار من الحصول على الأغلبية سنة 1997 واليوم وجود هذه الوحدة يمكن أن يفرض تعايشا على الرئيس المنتخب في سيناريو لم يكن يتوقعه أحد.
توحد اليسار الفرنسي سيكون له لا محالة تأثير في المشهد السياسي الفرنسي، وهو تحالف يمكن أن يحول دون حصول «الجمهورية الى الامام» وحلفائها بزعامة إيمانويل ماكرون على الأغلبية بالجمعية الوطنية، وربما سوف يتمكن جون لوك ميلونشون من الأغلبية ومن الوزارة الأولى التي طالب بها الفرنسيين في جولة ثالثة.
طبعا هذه الوحدة وهذا التحالف مع «فرنسا الأبية» يمكن أن يفجر الحزب الاشتراكي الفرنسي من الداخل، وسوف تبتعد بعض قياداته التاريخية بل إن جزءا منها سوف يلتحق بأغلبية الرئيس المنتخب إيمانويل ماكرون.
آخر تحالف قاده اشتراكي قادم من الحركة الشيوعية التروتسكية وهو ليونيل جوسبان واليوم نفس التحدي يقوم به عضو سابق بالحزب الاشتراكي وتروتسكي سابق أيضا، وهو جون لوك ميلونشون الذي أسس جبهة اليسار عند مغادرته الحزب واليوم نجح حزب فرنسا الابية في تقدم قاطرة اليسار.
فهل ينجح جون لوك ميلانشون في تحقيق هذا التحدي وتحقيق النجاح المشترك في الانتخابات التشريعية؟
العديد من النقط سوف تظل عالقة، أهمها سياسة التمرد على أوربا، التقاعد في 60 سنة ومستقبل الطاقة النووية. وهي خلافات ستكون مؤجلة أثناء الانتخابات في سبيل النجاح ولكن من شأنها أن تشكل تهديدا لهذا التحالف من الداخل في المستقبل. ولتجنب هذا السيناريو، بدأت الأغلبية السياسية الرئاسية في اليمين والوسط حول الرئيس المنتخب ايمانويل ماكرون وبعض القيادات التاريخية في توجيه نيران مدفعيتها الثقيلة لإفشال هذا التحالف، وإبراز تناقضاته، خاصة في المواقف الراديكالية لحزب «فرنسا الأبية « حول أوربا وحول الإسلام الفرنسي وحول تدبير الاقتصاد الليبرالي بفرنسا.

 

الكاتب : باريس / يوسف لهلالي - بتاريخ : 06/05/2022