منذ البداية وجب أن نعترف أ ن كتابنا هذا ليس كتاب تاريخ محض، إنما هو محاولة يمكن إدراجها ضمن مجال الدراسات الثقافية التي حاول الأنجلوساكسون تطويرها – منذ ظهورها بعيد منتصف القرن الماضي – وذلك بدراسة مختلف الظواهر الثقافية اعتمادا على مناهج علوم مختلفة ومتعددة، كالتاريخ والأنثربلوجيا وعلم الاجتماع وعلم الأديان والآداب .
إنه محاولة للجواب على أسئلة مؤرقة .
لعل أهمها: لماذا تفتخر كل الشعوب بتاريخها وتنقب عما يمكن أن تجده عبر الحفريات الأركيولوجية ومختلف اللقيات حفظا لهويتها؟ إلا هذا البلد الأمين الذي يحاول في ثقافته الرسمية أن يحصر تاريخه بل والأحرى أن يوقفه في حدود القرن الثاني الهجري.
يقول مارمول :».. وهناك أيضا في دكالة رهط من البربر يعيشون في الدواوير كالأعراب و يدعون أولاد شياظمة ..»
«.. أما الأعراب المسمون دلاج ، وهم فرع آخر من أولاد ثبج الآنفي الذكر، فإنهم ينتقلون في غالب الأحيان بين الجزائر و بجاية و يقضون باقي الأوقات على حدود مملكة فاس .. وكان الذين يقطنون جبال الأطلس الكبير يؤدون الإتاوة إلى ملك تلمسان ، إلا أنهم تخلوا عنها الآن و يعيشون في حرية .. فإذا أراد الأتراك المسيطرون على هذه الدولة أن يستعملوهم لخدمتهم فعليهم أن يؤدوا لهم أجرة عالية ..»
« .. يقضي هؤلاء الأعراب عادة الشتاء في الصحراء لاحتياجهم إلى مراع ترعاها إبلهم و مواشيهم الكثيرة ، بينما يعيش بعضهم في السهول الواقعة بين سلا و مكناس حيث يملكون كمية من القطعان و الأراضي الصالحة للحرث، و يؤدون كذلك إتاوات لملك فاس .. و يسمون حاليا بني مالك سفيان ، وحيث إنهم جيران للخلط فإنهم يعيشون معهم مجتمعين ..»
وحين يتحدث مارمول عن بني هلال فهو يوزعهم ما بين ليبيا و المغرب الأقصى ، ومنهم شرفاء مليانة ..
« .. و أما أولاد عروة فيقطنون على حدود مستغانم و هم قوم متوحشون من كبار اللصوص ، يعيشون في اضطراب دائم .. و على حدود مليانة توجد عقبة و يساعدهم ملوك تونس مع أنهم لصوص قساة كالآخرين .. «
نورد ذلك و نحن لا يهمنا فيما كتبه مارمول إلا أسماء القبائل التي نصادفها اليوم أو نسمع عنها ، خصوصا تلك التي لاتزال تعيش في المغرب الأقصى وهو يتحدث عن عماراتها ويعددها . كما في قوله : « .. و العمارة التاسعة و هم أولاد الحارث القاطنون في سهول هيلين بإقليم حاحا بمملكة مراكش يرتبطون بأولا سديمة ..
.. أما الحادية عشرة و الأخيرة ، فهم أولاد كرفة المنتشرون أيضا في أماكن مختلفة ، و ليس لهم رئيس و لا شيخ خاص بهم ، بحيث إنهم مختلطون مع آخرين ، و خصوصا أولاد منبه و أولاد عمران ، و أكثر تجارتهم في التمر الذي يأتون به من إقليم سجلماسة و نوميديا ليبيعوه بفاس و يستبدلوا به القمح و بضائع أخرى ..
و يقول عن أعراب قبيلة معقل إن لهم 23 عمارة أولها :
« .. أولاد المختار الذين تفرّع عنهم أولاد روحة و أولاد سليم . و يعيش أولاد روحة في حدود مفازات دادس و فركلة نوميديا .. ويقيم أولاد سليم قرب نهر درعة .. وينتقلون في غالب الأوقات عبر الصحاري و لهم حظ من غنى ، لأنهم يذهبون كل عام ببضاعتهم إلى مملكة تنبوكتو ، ولهم في درعة السوس الأقصى ممتلكات عديدة و كثير من الإبل ..
.. و العمارة الثانية ، وتعد من الفروع الرئيسية هم أولاد عثمان الذين يتميز منهم أولاد حسين و أولاد كنانة . و يقطن أولادحسينقرب المحيط على تخوم ماسة بمملكة مراكش في إقليم سوس ..
.. و تسمى العمارة الثالثة أولاد حسان ، ولهم ثلاثة بطون ، أولاد حسن و أولاد منصور و أولاد عبيدالله . و ينحدر من أولاد حسن سبعة أفخاذ أخرى وهي دليم و برابش و الأوداية و الرحامنة و احمر و ذوي منصور و ذوي عبيدالله . يعيش دليم في صحاري ليبيا مع الصنهاجيين الأفارقة .. ويأتي هؤلاء الأعراب عادة إلى إقليم درعة ليبادلوا المواشي بالتمر مرتدين لباسا رديئا .. و يقيم البرابش كذلك في صحراء ليبيا باتجاه السوس الأقصى ..
.. و كان الرحامنة يعيشون في صحراء أقا و لهم أراض كثيرة .. ولكن الشريف الذي ساعدوه في الاستيلاء على تشيت ونواحيها كافأهم بنقلهم إلى بلاد البربر مع كل ما كان معهم ، و أسكنهم إقليم تامسنا بمملكة فاس حيث هلكوا جميعا في واقعة ضد أبي حسون الوطاسي عندما أعاده صالح الرايس ملكا على فاس ..»
هكذا يتحدث مارمول عن السكان الذين المستقرون أو الذين يجوبون الصحراء حتى سواحل الأطلس ، إما كرعاة أو مشتغلون بالتجارة الموسمية أو اللصوصية .. يقول :
« .. ويقيم ولاد هداج قريبا من هناك في صحراء أنكاد ، و هم قوم بؤساء لا يعيشون كغيرهم إلا بما اختلسوه لجيرانهم ، فإنهم يهيمون دائما على وجوههم ، و إذا همّ أعداؤهم بمُتابعتهم فروا إلى الفلوات ..
.. و الأعراب المقيمون في بلاد البربر بين الأطلس الكبير و البحر المتوسط أكثر غنى و شهرة ، فضلا عن كونهم يرتدون لباسا أفضل ..و لكنهم إن كانوا كذلك ، فهم ليسوا شجعانا كأعراب الصحراء . وهم أقل تمدنا و أكثر بخلا ، لكنهم لا يتخلون عن إيواء الغرباء و إكرامهم مجانا .. لكن الذين يقيمون بمراكش ، و خصوصا إقليم دكالة ، كانوا يعيشون أحرارا قبل أن يستولي ملك البرتغال على مدينتي آسفي و أزمور . غير أنهم انقسموا على أنفسهم و تسببوا في خرابهم ، إذ كان ملك فاس يهاجمهم من جهة و ملك البرتغال من جهة أخرى ، فضلا عما أصابهم من الطاعون و المجاعة ، فاضطروا لتسليم أنفسهم للبرتغاليين كعبيد و بيع نسائهم و أولادهم للحصول على قوتهم . فأصبح جلهم بذلك رعايا البرتغاليين و انسحب الباقون إلى الداخل منضوين تحت لواء الشريف الذي أخذ يسترجع البلاد قدما فقدما إلى أن تمكن أخيرا من السيطرة على الأقليم ، وخضع له الآن جميع سكانه ..»