نواب الاتحاد يتقدمون بمقترح قانون لإنشاء المكتب الوطني للبترول..
تفعيل هذا القانون سيوفر لخزينة الدولة مليارين و400 مليون..
هذه العناوين الكبرى ليست وليدة اليوم طبعا، وإن كانت تتقاطع إلى حد ما مع أحداث ووقائع الحاضر، وإنما تعود إلى زمن بعيد تفصلنا عنه 58 عاما، حين تصدرت في أكتوبر 1964 الصفحات الأولى لجريدة المحرر، حينها كان عمال البترول (وما أقرب حالهم لعمال «لاسامير» اليوم) يشنون إضرابا وطنيا مفتوحا دعت إليه النقابة الوطنية لعمال البترول آنذاك، احتجاجا على الهيمنة الاحتكارية لشركات توزيع المحروقات على القطاع، وتواطئها المعلن والخفي للسيطرة على السوق وجني الأرباح الطائلة في غياب مراقبة صارمة من الدولة، ولعل هذه «الحقيقة القديمة» تتشابه بمكر الصدف مع «حقائق جديدة» وردت في تقرير مجلس المنافسة الذي أثار الكثير من النقع والغبار، بعدما فضح «تواطؤا بين لوبي المحروقات حول الأسعار» ، كما تتشابه هذه «الحقيقة القديمة» مع خلاصات «تقرير اللجنة البرلمانية الاستطلاعية حول المحروقات» لسنة 2018، والذي كشف أن 4 شركات للتوزيع يهيمن على سوق الوقود بالمغرب، ويتعلق الأمر بكل من «الشركة المغربية لتوزيع المحروقات» (أفريقيا)، و»فيفو إنرجي»، و»طوطال»، و»بتروم»، حيث تهيمن هذ الشركات مجتمعة على نسبة 74 بالمائة من حصة السوق المحلية. وأفاد التقرير، الذي أثار هو الآخر جدلا واسعا، بأن شركة «أفريقيا»، المملوكة لعزيز أخنوش، رئيس الحكومة حاليا، وأمين عام حزب التجمع الوطني للأحرار، تهيمن وحدها على نصف واردات البنزين، و30 بالمائة من واردات الغازوال. وأفاد نفس التقرير أن شركة «فيفو إنرجي» التابعة للعملاق العالمي في قطاع المحروقات «شل»، احتلت المرتبة الثانية، بحصة 17.3 بالمائة من الغازوال و11.06 من البنزين. وعادت المرتبة الثالثة لشركة «توتال» الفرنسية، بحصة 14.75 من الغازوال و9.75 في المائة من البنزين، فيما بلغت حصة «بتروم» التي جاءت في المرتبة الرابعة بحصة 12.10 من الغازوال و4.12 من البنزين.
وكانت الحركة التقدمية وعلى رأسها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية قد فطنت، مبكرا ومنذ فجر الاستقلال، إلى خطورة ترك ملف «الأمن الطاقي» رهينة في يد الخواص، ولعل هذا الهاجس هو الذي دفع الزعيم الاتحادي الراحل عبد الرحيم بوعبيد، الذي كان يتقلد حقيبة الاقتصاد الوطني في حكومة الحاج أحمد بلافريج، أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، إلى التفكير في وضع أسس صناعة وطنية للتكرير، وهو ما قاده إلى التوقيع مع الإيطالي إنريكو ماتيي، مدير المكتب الوطني الإيطالي للمحروقات، لإنشاء شركة «سامير» التي اكتمل تشييدها سنة 1961 كأول (وآخر) مصفاة لتكرير المواد البترولية بالمغرب.
ولعل نفس التخوف من هيمنة الرأسمال الخاص على «الأمن الطاقي» للبلاد، هو ما حرك نواب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، سنة 1964، إلى التقدم بمقترح قانون من أجل إنشاء «المكتب الوطني للبترول» بغية قطع الطريق أمام «شركات التوزيع الاحتكارية من الهيمنة على السوق وتحقيق أرباح باهظة على حساب العمال والمواطنين».. وبعد قرابة 60 عاما من ذلك الزمن البعيد، مازال الهاجس نفسه حول « الأمن الطاقي» يقض مضجع الحركة التقدمية اليوم، وعلى رأسها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي تجري بعروقه جينات سلفه «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية»، حيث مازال نفس الحزب يناضل من أجل تحقيق «الأمن الطاقي» ويحذر من مغبة تركه في ملعب الخواص، كما يدافع بشراسة من أجل إنقاذ شركة سامير، أيقونة صناعة التكرير الوطنية، التي تحاول بعض اللوبيات إقبارها، وهو ما جعل الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يتقدم، كما فعل أسلافه في 1964، بمقترحي قانون يتعلق الأول بتفويت أصول شركة- وهي مصفاة سامير – للدولة المغربية والثاني بتنظيم أسعار المحروقات بالمغرب.
مقترحا القانون اللذان تقدم بهما المستشار عبد الحميد فاتحي وباقي أعضاء الفريق بمجلس المستشارين، جاء بعد الاستقبال الذي خص به الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أعضاء الجبهة الوطنية لإنقاذ مصفاة البترول سامير.
وعلى الرغم من المقاومة الشرسة التي تبديها مجموعة من الأطراف المستفيدة من الوضع الاحتكاري اليوم لهذا القطاع، فإن الاتحاد مازال يواصل معركته من أجل تحقيق شروط الأمن الطاقي للبلاد، وفي هذا الإطار تقدم النائب البرلماني عبد القادر الطاهر، عضو الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، بسؤال آني لوزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة حول إنجاز دراسة الأثر الاقتصادي والاجتماعي لمصفاة سامير، تبين للمغاربة أهمية تشغيل مصفاة سامير من عدمه. وأوضح عضو الفريق الاشتراكي أن محطة سامير تعتبر المصفاة الوحيدة التي يتوفر عليها المغرب لتكرير البترول الخام بقدرة تخزين للمواد النفطية تفوق 2 مليون طن، وشدد النائب الاتحادي على أنه في سياق عالمي موسوم بالتضخم وانفجار أسعار المواد الطاقية وما لذلك من تداعيات سلبية على القدرة الشرائية للمواطنين، يطرح المغاربة جملة من الأسئلة حول الدوافع التي تجعل الحكومة تلتزم الصمت بخصوص نواياها في الحفاظ على المصفاة واستغلالها.
هي معركة قديمة لا هوادة فيها حول قضية وطنية تهم الأمن الطاقي للمملكة ظهرت فجر الاستقلال ومازالت رحاها تدور إلى اليوم…