أعاد الشريط القصير، الذي يضم مظاهر عنف ضد أستاذ من طرف تلميذ قاصر يتابع دراسته في السنة الأولى بكالوريا، ظاهرة العنف والعنف المضاد إلى موائد النقاش، كظاهرة خطيرة أضحت تقتحم المدرسة العمومية والخصوصية على وجه السواء، وتفتح شهية المختصين لوضع حد لها ولو بشكل مؤقت وداخل أسوار المؤسسات العمومية.
العنف جزء من سلوكيات الإنسان
إن ظاهرة العنف تعتبر من أكثر الظواهر ببلادنا التي تسترعي اهتمام الجهات الرسمية من جهة والأسرة من جهة أخرى، في حين تواجه الدول الأوروبية تطورا كبيرا في أعمال العنف كما في الأساليب التي يستخدمها الطلاب في تنفيذ السلوك العنيف كالقتل والهجوم المسلح ضد الطلاب من ناحية والمدرسين من الناحية الأخرى.
ويمكن اعتبار العنف هو كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، قد يكون الأذى جسميا أونفسيا، كما أن السخرية والاستهزاء من الفرد وفرض الآراء بالقوة وإسماع الكلمات البذيئة جميعها أشكال مختلفة للعنف.
وقد جاء الاهتمام بظاهرة العنف نتيجة تطور وعي عام في مطلع القرن العشرين بما يتعلق بالطفولة، خاصة بعدما تطورت نظريات علم النفس المختلفة التي أخذت تفسر لنا سلوكيات الإنسان في ضوء مرحلة الطفولة المبكرة وأهميتها في تكوين الفرد وتأثيرها على حياته في ما بعد، وضرورة توفير الأجواء الحياتية المناسبة لينمو الأطفال نموا جسديا ونفسيا سليما ومتكاملا. كما تزامن مع نشوء العديد من المؤسسات والحركات التي تدافع عن حقوق الإنسان وحقوق الأطفال بشكل خاص، وقيام الأمم المتحدة بصياغة اتفاقيات عالمية تهتم بحقوق الإنسان عامة وحقوق الطفل خاصة، فاتفاقية حقوق الطفل تنص بشكل واضح وصريح على ضرورة حماية الأطفال من جميع أشكال الإساءة والاستغلال والعنف التي قد يتعرضون لها (المادة 32، اتفاقية حقوق الطفل). وهذا يشير إلى بداية الاهتمام بالطفل على أنه إنسان له كيان وحقوق بحد ذاته وليس تابعا أو ملكية لأحد مثل العائل
العنف التسلسلي داخل المجتمع الذكوري
وتعود أسباب العنف في المدارس إلى العملية التربوية المبنية على التفاعل الدائم والمتبادل بين الطلاب ومدرسيهم، حيث أن سلوك الواحد يؤثر على الآخر وكلاهما يتأثران بالمرجعية البيئية. ولذا فإننا عندما نحاول أن نقيم أي ظاهرة في إطار المدرسة، فمن الخطأ بمكان أن نفصلها عن التركيبة المختلفة المكونة لها، حيث أن للبيئة جزءا كبيرا من هذه التركيبة. في ما يمكن إجمال أسباب العنف في طبيعة المجتمع الأبيسي ذلك رغم أن المجتمع يمر من مرحلة انتقالية، إلا أننا نرى جذور المجتمع المبني على السلطة الأبوية مازالت مسيطرة. فنرى على سبيل المثال أن استخدام العنف من قبل الأخ الكبير أو المدرس هو أمر مباح، ويعتبر في إطار المعايير الاجتماعية السليمة. وحسب علم النفس، فإن الإنسان يكون عنيفا عندما يتواجد في مجتمع يعتبر العنف سلوكا ممكنا، مسموحا ومتفقا عليه.
بناء على ذلك تعتبر المدرسة هي المصب لجميع الضغوطات الخارجية، فيأتي الطلاب المٌعنّفون من قبل الأهل والمجتمع المحيط بهم إلى المدرسة ليفرغوا الكبت القائم بسلوكيات عدوانية عنيفة يقابلهم طلاب آخرون يشابهونهم الوضع بسلوكيات مماثلة. وبهذه الطريقة تتطور حدة العنف ويزداد انتشارها، كما في داخل المدرسة تأخذ الجماعات ذوات المواقف المتشابهة حيال العنف شِلَلا وتحالفات من أجل الانتماء، مما يعزز عندهم تلك التوجهات والسلوكيات.
العنف المدرسي وثقافة المجتمع العنيفة
الطالب في بيئته خارج المدرسة يتأثر بثلاث تيمات وهي العائلة، المجتمع والأعلام؛ وبالتالي يكون العنف المدرسي هو نتاج للثقافة المجتمعية العنيفة.
وفي كثير من الأحيان نحترم الطالب المجد ولا نعطي أهمية للطالب الفاشل تعليميا؛ وبالتالي فالإحباط هو الدافع الرئيسي من وراء العنف، إذ أنه بواسطة العنف يتمكن الفرد الذي يشعر بالعجز، أن يثبت قدراته الخاصة. فكثيرا ما نرى أن العنف يأتي عن طريق المنافسة والغيرة. كذلك فإن الطالب الذي يعاقب من قبل معلمه باستمرار يبحث عن موضوع يصب من خلاله غضبه عليه.
ويمكن اعتبار العنف المدرسي هو نتاج التجربة المدرسية وهو التوجه الذي يحمل المسؤولية للمدرسة من ناحية خلق المشكلة وطبعا من ناحية ضرورة التصدي لها ووضع الخطط لمواجهتها والحد منها، فيوصف النظام المدرسي بكامله بأنه نظام متخلف ولا يساير العصرنة والتطور. وتعتبر متطلبات المعلمين والواجبات المدرسية التي تفوق قدرات الطلاب عوامل أساسية تدفع إلى القيام بسلوكيات غير سوية حيث يستخدم العنف كإحدى الوسائل التي يعبر بها الطالب عن عدم رفضه ورضاه وإحباطه، فعلى سبيل المثال:
– عدم التعامل الفردي مع الطالب.
– عدم السماح للطالب بالتعبير عن مشاعره، فغالبا ما يقوم المعلمون بإذلال الطالب وإهانته إذا أظهر غضبه.
– التركيز على جوانب الضعف عند الطالب والإكثار من انتقاده.
– الاستهزاء بالطالب والاستهتار من أقواله وأفكاره.
– عدم الاهتمام بالطالب وعدم الاكتراث به، مما يدفعه إلى استخدام العنف ليلفت الانتباه لنفسه.
– الاعتماد على أساليب التلقين التقليدية.
– عنف المعلم تجاه الطلاب.
– عندما لا توفر المدرسة الفرصة للطلاب للتعبير عن مشاعرهم وتفريغ عدوانيتهم بطرق سليمة.
ولايوجد اختلاف كبير في التعريف بالعنف الذي أكد الباحثون أن الجسدي منه لا يؤدي إلى أي لبس في هذا التعريف، كما أن هناك تعريفات متعددة للعنف الجسدي، فهو استخدام القوة الجسدية بشكل متعمد تجاه الآخرين من أجل إيذائهم وإلحاق أضرار جسمية بهم، وذلك كوسيلة عقاب غير شرعية، مما يؤدي إلى آلام وأوجاع ومعاناة نفسية جراء تلك الأضرار، كما يعرض صحة الطفل للأخطار.
وخلاصة القول، فإن ظاهرة العنف بالمدرسة العمومية أصبحت تستحق التفاتة مسؤولة من طرف المختصين والآباء والهيئات الحكومية لوضع حد لها.