قطاع الشباب والطفولة يفقد أحد أعمدته برحيل نجم العرب الزغاري

جمال المحافظ

فقد قطاع الشباب والطفولة والعمل الجمعوي التطوعي أحد دعائمه برحيل نجم العرب الزغاري الذي وافته المنية الجمعة 28 ماي الجاري بسلا عن سن 66 عاما، وقد ووري الثري بمقبرة سيدي بلعباس بعد صلاة الجنازة بمسجد فلسطين بحي بطانة،بذات المدينة التاريخية مسقط رأسه التي سكنته وسكنها.
هذه الجنازة المهيبة التي حضرها أفراد أسرة الفقيد وأصدقاؤه والعديد من الشخصيات ورؤساء وممثلي الجمعيات التربوية والرياضية والنقابية والإعلامية، عكست المكانة التي كان يحتلها الراحل خريج المعهد الملكي لتكوين أطر الشباب والطفولة، والذي تدرج في عدة مناصب منها رئيسا لقسم أسفار الشباب والمخيمات وتكوين الأطر.كما عين بعد مسار إداري وتربوي غني بالمفتشية العامة لوزارة الشباب والرياضة التي عمل بها على تقويم الاختلالات والتجاوزات ببعض النيابات التابعة للوزارة بالجهات والأقاليم وإرساء قواعد الحكامة.

انتباه مبكر للتجربة الألمانية في تأطير الشباب

لقد عرف عن الفقيد نجم العرب الزغاري أحد وجوه مدينة سلا، ورياضيها المرموقين في الكرة الطائرة وكرة اليد، مجاورته لرموز الحركة الجمعوية التربوية والشبابية في مقدمتها مربي الأجيال محمد الحيحي( 1928- 1998 ) والنقيب محمد السملالي ( 1939 – 1998 ) وعيسى يكن (1937 – 2016 ) مدير الشباب والطفولة بوزارة الشبيبة والرياضة في عصرها الذهبي.
لقد كان يؤمن إلى حد الثمالة، بالتطوع وإشاعة ثقافة التضامن وقيم الوفاء، ترجمها بعد إحالته على التقاعد الإداري التفرغ إلى” حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي” التي يعود له الفضل بمعية رفاقه الخلصاء الذين عايشهم وتقاسم معهم أحلام وانكسارات الحركة التربوية والشبابية المدنية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، في تأسيس هذه الهيئة لحفظ ذاكرة الحركة التطوعية حية، وحتى الأيام الأخيرة، كان يأمل إطلاق اسم المرحوم محمد الحيحي على إحدى المؤسسات التربوية، بعدما قرر وزير الشباب والرياضة الأسبق رشيد الطالبي العلمي التجاوب إيجابا مع طلب الحلقة. الا أن هذا القرار ظل لحد الآن بدون تفعيل.

أسى وحزن بالأوساط الشبابية

فالرحيل المفاجئ لنجم العرب الزغاري، خلف أسى وحزنا عميقين، لدى الأوساط الشبابية والتربوية، خاصة في هذه المرحلة العصيبة والفارقة، متقدمين بخالص العزاء والمواساة لأفراد أسرته، خاصة رفيقة دربه الأستاذة زكية الهرم وقريرة عينه كريمته ربيعة الباحثة الجامعية في الحكامة والذكاء الدولي وكذا رفاقه ونشطاء المجتمع المدني، وزملائه بالقطاع.
وبحكم صداقته مع الراحل التي تناهز 50 سنة، يستحضر الفاعل التربوي والجمعوي محمد بولعمان في بوح خاص، أن علاقاتهما بدأت حينما كان يبلغان كليهما 18 سنة الى أن غيبه الموت موضحا أن أهم ما كان يميز شخصية، لجوءه الدائم للصمت والخجل، إذ كان قليلا ما يفتح صدره للآخر ويبوح بأسراره ومواقفه، إلا إذا شعر إزاءه بالثقة والألفة والوفاء.
وأوضح بولعمان قائلا: ” عرفته لأول مرة قبل أن نمتطي قطار العمل التربوي الجاد بالمخيمات الصيفية ونلتحق بجمعية (لاميج)، في رياضة كرة اليد في فئة الشبان، فالراحل كان ينتمى لفريق الجمعية الرياضية السلاوية، وأنا في نادى الفتح الرباطي” مشيرا إلى أن الفقيد كان شديد الحرص على التوثيق وجمع الصور الفوتوغرافية منها تلك التي تؤرخ لبدايات معرفتنا لما كان يصفها بدعابته”الجماعة الصلبة المرجعية”، التي تضم الثلاثي جمال – نجم العرب- وأنا محمد، حيث كانت منازلنا بالعدوتين الرباط وسلا ( بلالة أم الكنابش بالنسبة للأول، وبوقرون الثاني بالمدينة العتيقة، في حين كان منزل الراحل بالبليدة بالمدينة العتيقة لسلا، الفضاءات المفضلة لنا للنقاش وحفظ أغاني الفنان المصري الشيخ امام والمبدع مارسيل خليفة، والشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش وأغاني ناس الغيوان، وتوزيع نسخ من أشرطتها المسجلة على الأصدقاء.

وفاء وعرفان

أما عبد الحليم بنمبارك أحد مؤسسي”حلقة الوفاء لذاكرة الحيحي”، فقال بتأثر بالغ ” اعتبر نفسي عاجزا عن التعزية، فغصة فقدانه تؤلمنا جميعا والحنين إليه لا يفارقنا، سلاما على قلبه الطاهر الذي اتسع للجميع” موضحا أن الفقيد ” تميز طيلة حياته بوطنيته الصادقة وبمواقفه الخالصة في جميع المحطات التي عاشها، مواكبا مسار حلقة الحيحي، منذ تأسيسها سنة 2010، ومساهما بأفكاره وبصرامته المعتادة وصدقه ومهنيته العالية المشهود له بها من خصومه قبل أصدقائه.. إن ما يقال في حق فقيدنا العزيز هو وفاء وعرفان وتقدير لتضحياته..  فلترقد روحه الطاهرة بسلام.
ومن جانبه توقف عبد القادر شرف رئيس الجمعية المغربية لتربية الشبيبة السابق، طويلا، عند مسار الفقيد الذي تعرف عليه منذ أزيد من أربعة عقود سواء داخل لاميج في السبعينيات،أو كمؤطر لمخيمات أبناء المقاومة رفقة الأصدقاء من ضمنهم رفيقه جمال ( كاتب هذا المقال ) والأخوين المسناوي الشاعر فريد والمربي ناصر عميدا الأنشودة التربوية بالمغرب تحت قيادة المؤطر التربوي القدير المرحوم الأستاذ بناصر البوعامي بمخيم تاغزوت بنواحي أكادير. كما ذكر بمساهمته في تأطير مخيمات أبناء الجالية المغربية بالخارج بمخيم الحوزية في أواسط ثمانينيات القرن الماضي.

رجل الظل وصمت الحكماء

وأضاف أن مسيرة المرحوم بالجمعية المغربية لتربية الشبيبة كانت تتميز بنأيه عن التسابق على المناصب التي كان مؤهلا لها، فكان دوما رجل الظل والعمل بصمت الحكماء، لكن بفعالية وإصرار قل نظيرهما. لقد كان وطنيا صادقا، وجعل خبرته التي راكمها في خدمة القضايا الوطنية والحيوية – يكشف شرف- الذي أشاد بمناقب الفقيد الذي كان يتقن اللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية والروسية، ومؤطرا متميزا لوفود الشباب بالداخل والخارج، وعرفت خريطة التعاون الدولي مجال الشباب والطفولة توسعا ملحوظا فضلا عن مساهمته في إحداث مركز للخدمات الاجتماعية بالرباط تابع لجمعية لاميج، بمساهمة منظمة التضامن الألمانية. وكان الراحل من القلائل الذين انتبهوا مبكرا للتجربة الألمانية في ميدان تأطير الشباب، وساهم بفعالية في إبرام اتفاقيات للتعاون مع ألمانيا.
“هي محطات عديدة جمعتني بالمرحوم نجم العرب الزغاري، يقول الصديق بوقوص رئيس الرابطة المغربية للمكونين التربويين – محطات كانت متميزة في التكوين والتأطير، منها عندما تولينا في أوسط الثمانينيات مهام التسيير الإداري والتربوي لمخيم أبناء الجالية المغربية بالخارج وبعض الأطفال الفرنسيين بالمخيم التابع لوزارة الشباب والرياضة بالحوزية قرب مدينة الجديدة”.
وأوضح في هذا الصدد أن هذه التجربة التي كانت ناجحة بامتياز وعلى كافة المستويات، لمست خلالها الكفاءة العالية والتأطيرالمسؤول، كما عايشته وهو يتحمل مسؤولية قطاع المخيمات الذي كان محاورا مقبولا يستمع أكثرمما يتكلم وإذا نطق تلمس في كلامه الصدق وحس المسؤولية في أرقى تجلياتها، فمهما قلناه في الراحل لن نوفيه حقه.
ومن جهتها استحضرت زهور بنصروخ الفاعلة في التربية والرياضة، والتأثر باد على محياها بسبب لوعة فراق،” خصال رفيق عزيز ربطتني وإياه به علاقة الأخ بأخته، منذ عهد الدراسة بإعدادية الناصري بسلا في بداية سبعينيات القرن الماضي، ثم بعدها ب”لاميج”، وبفضاءات التخييم كإطارين تربويين”مشيرة إلى أن العمل جمعهما لما يناهز أربعين سنة داخل مرافق وزارة الشباب والرياضة، وقفت خلالها عند معاني الصداقة الحقة، بكل ما تحمله من احترام وود وإخلاص. وأضافت أن ما تحلى به من مبادئ وقيم وتقمصها وعمل بها، شكلت جوهر سلوكه وعلاقاته مع من عرفوه وتعاملوا معه سواء بالوزارة أو خارجها. لقد كان رحمه الله- تقول زهور – طيب السريرة حسن الأخلاق، متواضعا، خدوما وشهما، وهو ما يجعل فقدانه يعد بحق خسارة كبيرة للميدان الجمعوي  والتربوي بصفة عامة.

نجم العرب كان بالفعل نجما

ويحكي محمد البوعزاوي الإطار السابق بوزارة الشباب والرياضة: ” في بداية السبعينيات. كنت في زيارة لحي البليدة بالمدينة العتيقة لسلا. وأثار انتباهي شاب يافع يلعب مع أقرانه، كان يطير على الكرة، ويحمل في عينيه بريق موج البحر ويغطى رأسه بشعر ذهبى..سأعرف في ما بعد أنه حفيد الفقيه المؤقت بالمسجد الاعظم السي الزواوي..سنوات مرت على هذا المشهد سيجمعنا بعدها العمل الجمعوي و المهني” موضحا أن علاقاتهما كانت بها لحظات فرح كثيرة تخللتها لحظات وفاق وخلاف أيضا لكن لم يفسد للود قضية.
وقال البوعزاوي وهو رفقة الراحل سليلا أسرتين سلاويتين عريقتين،” إن نجم العرب كان عصاميا في تكوينه، وتألق في مساره المهني، اتخذ خلالها العديد من المبادرات في مقدمتها نشر وإرساء الثقافة السياحية للشباب. عاش متفائلا حتى حدود السماء”، في حين أشاد الخبير الدولي في قطاع الشباب والطفولة علاء فنان الرئيس السابق لمصلحتي الجمعيات والمخيمات، بمناقب الفقيد، وما قدمه من جليل الأعمال وما تحلى به من تفان في العمل الذي مارسه باقتدار قل نظيره، لافتا الانتباه بالخصوص إلى الدور المحوري الذي اضطلع به في مجالات متعددة، منها مواكبته لمنتدى شباب الألفية الثالثة منذ دوراته الأولى وكذا قيادته لأول وفد مغربي ضمن باخرة السلام الدولية للشباب يجوب مختلف مناطق العالم .
أما عمر بنموسى أحد المسؤولين عن قطاعات السياحة الثقافية للشباب والطفولة والشباب الذي جاور الراحل عن قرب بالوزارة، فوصف الفقيد ب” الصديق الكبير والأخ العزيز عايشته منذ التحاقه بالعمل بقطاع الشبيبة والرياضة” مبرزا أنه” عرف فيه الرجل الأمين والإنسان الصادق في أقواله وأعماله والحريص على إتقان عمله.كان بشوشا متفتحا محبا لفعل الخير وصديقا للجميع يحب الجميع ويحبه الجميع، إن نجم العرب، كان بالفعل نجما في سلوكه وأفعاله، في تصرفاته، في معاملاته وفي كذلك في احترامه للجميع”.

الكاتب : جمال المحافظ - بتاريخ : 31/05/2022

التعليقات مغلقة.