شيرين أبو عاقلة في المغرب

مصطفى خُلالْ
ما أشد الفرق بين مسلك السلم الذي يختطه المغرب، قيادة وشعبا وتنظيمات وتاريخا… وبين مسلك الحرب والاستفزاز الذي تختطه إسرائيل في أرض الاستيطان الفلسطينية المغتصبة وفي القدس، المدينة التي تقتسم قداستها الديانات السماوية الثلاث.
مغرب يبتدع جائزة القدس ويكرم شيرين أبو عاقلة، وإسرائيل تسمح بمسيرة ما يسمى «مسيرة الأعلام» الاستيطانية.
صحيح، ما أشد الفرق !
لي صاحب تلقى في الأسبوع الماضي مكالمة من صديق له فلسطيني يعيش في المهجر يهنئه فيها وهو في غاية الابتهاج محتفيا بقرار جلالة الملك تنظيم جائزة القدس تكريما لشيرين أبو عاقلة. حكى الصاحب أنه قال له مازحا وهو يعرف ميل صديقه القوي إلى الدعابة: ألا ترى يا ظافر أنك أخطأت العنوان، فأنا لست عضوا في الحكومة المغربية. بل إن هذه الحكومة الموقرة، كما هي سالفاتها، لا يهمها إقامة علاقات ودية مع المثقفين من أمثالي. ولو لم يتخل هؤلاء عن العير وما حملت من كثرة ما أحبطوا لقامت بين الطرفين، لا قدر الله، حروب بلا لون. ورد الصديق الفلسطيني على صاحبي قائلا : هل تريد أن أفهم منك أنك لا تمثل إلا نفسك. قال الصاحب صارخا: تماما يا صديقي، فأنا لا أطمع في شيء أكثر من الهناء وراحة البال. وحتى نفسي لم تعد تقبل مني أن أتحدث باسمها خوفا من أن أخذلها. وضحكا كما هي عادتهما في كل اتصالاتهما التي تجري في فترات متباعدة…
وقال الصديق الفلسطيني…أما أنا فأجدني متقمصا وباستمرار لوضع شعبي. هذا قدري وقدر كل فلسطيني سواء فلسطينيو الداخل أو فلسطينيو اللجوء والشتات. لذا أستطيع أن أقول لك إن الفلسطينيين فخورون بقرار المغرب تكريم صحفية منهم اغتالتها الآلة العسكرية الإسرائيلية برصاصها لحظة أدائها لمهماتها الصحفية. وهو مسلك إجرامي يصنف في المواثيق الدولية جريمة ضد الإنسانية .
والحق أن تنصيب لجنة تحكيم جائزة (القدس الشريف) للتميز الصحفي في الإعلام التنموي في دورتها الأولى 2022، دورة الصحافية المقدسية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، هو حدث سياسي وثقافي وأعلامي كبير، خاص جدا، ورفيع الشأن، وغير مسبوق في كل العالم الإسلامي الشاسع، بل في العالم كله. الجائزة موجهة لطلاب معاهد الصحافة والإعلام في كل من المغرب والقدس بفلسطين. فقد قال السيد محمد سالم الشرقاوي، المكلف بتسيير بيت مال القدس، إن المنحة تعد تكريما لإعلاميين وإعلاميات قضوا دفاعا عن واجب المهنة من أجل إعلاء قيم الحق وقيم العدالة . وهي خطوة هامة بالنظر إلى سمو هذه القيم .
لقد جاء في الخبر الذي كشف عن المبادرة الملكية المغربية أن اللجنة المذكورة تميزت بضمها عددا من المختصين في مجال الإعلام بالبلدين، المغرب وفلسطين، يرأسهم الباحث والمفكر والحقوقي والوزير السابق الأستاذ عبد الله ساعف.
في نفس السياق، واعتمادا على نفس النهج الداعم، تم الاعلان، بذات مقر وكالة بيت مال القدس، عن إحداث منحة(القدس) لدعم حرية الإعلام والصحافة ذات الارتباط بقضايا القدس وفلسطين.
هكذا فتحت شهادة شيرين أبو عاقلة، بعد اغتيالها من طرف من اغتصبوا وطنها، طريقا آخر للعمل الوطني الرسمي هنا في المغرب والشعبي والرسمي هناك في فلسطين. لقد ارتقت شهادتها إلى السماء بعد قتلها من قبل جنود نفذوا أمرا إجراميا وهي العزلاء تقوم بواجبها المهني المقدس في الإخبار، الذي لم تخف فيه يوما انحيازها التام فيه، لقضية شعبها. لذا فهي شهيدة شعبها، وشهيدة قضية وطنها فلسطين، ومدينتها الثلاثية القداسة، القدس الشريف…لكنها أيضا شهيدة الصحافة العالمية كما هي شهيدة الحرية ذاتها في العالم كله. أليس نقل الخبر من موقعه وفي زمانه والحرص على إبلاغه للمشاهد في بقاع الأرض واحدا من عناوين الحرية الإنسانية ككل.
المبادرة الملكية المغربية جوهرها سلمي صريح وضمني، ذلك أنها إذ تكرم شيرين أبو عاقلة بالطريقة والشكل والمحتوى والتنظيم والرمز الذي خُصً بها، فإنها تستجيب أيضا، بالإضافة إلى الاعتناق الشعبي المغربي المنقطع النظير عربيا وإسلاميا، تستجيب لروح النبذ العالمي الذي شمل كل القارات وأعلنته حتى قيادات رئاسية عظمى في العالم، الذي اعتاد على الوقوف على دعمها اللامشروط لإسرائيل، وهو نبذ – نقيض لما يسمى مسيرة الأعلام، التي «ترمز» لـ»ذكرى احتلال القدس» التي تنظمها منذ العام 1967 التيارات الصهيونية في استفزاز صريح ليس للفلسطينيين والعرب وللإسلام والطابع الإسلامي للقدس فقط، بل للمسيحيين المقدسيين وحتى لليهودية نفسها في ردائها المعادي للصهيونية كذلك .
لقد شكلت وعلى الدوام «مسيرة الأعلام» الاستيطانية موضوعا للإدانة من طرف كل أحرار العالم. وتصدى لها باستمرار الشعب الفلسطيني بكل حساسياته وتوجهاته. ولقد تتبعنا كيف كانت ردود هذا الشعب بشجاعته النادرة حيث أظهرت للعالم ومرة أخرى أن الأعلام الاستيطانية، فضلا عن كونها استفزازا مقصودا، هي في جميع أبعادها عنوان بارز على فشل السياسة الصهيونية لإسرائيل.
الكاتب : مصطفى خُلالْ - بتاريخ : 31/05/2022