تجارة «الغش» المدرسي

ونحن على مشارف نهاية الموسم الدراسي الذي يختتم كالعادة بالامتحانات الإشهادية في الأسلاك الثلاثة، يكثر اللغط وتشتد الدعاية بشتى أنواعها وأصنافها ووسائلها، ترويجا لوسائل تكنولوجية غاية في الدقة والصغر والتقدم للمساعدة على اجتياز الامتحانات في أريحية مطلقة، وضمان النجاح دون تعب أو كلل، وهذا هو التعبير المنمق والخطاب المزين يختصر كلمة كان لها الأثر السلبي العظيم، وكانت وصمة عار على جبين كل من التصقت به أو اشتبه بها. إنها كلمة « الغش» يا سادة.
لقد بات الوضع الحالي مأسوفا عليه، فإلى جانب تدني المستوى التعلمي، تغيرت مجموعة من القيم التي كنا نتأسى بها في نكبات الأيام وصروف الليالي، عجيب أمر هؤلاء الشباب الذين تسللوا في جنح الليل إلى المجال المعلوماتي وتجارته، كيف ارتدوا على أدبارهم يحاربون المجتمع بأسوأ أداة ملكتها أيديهم في أعز عزيز على المجتمعات المتحضرة: المنظومة التعليمية.
لقد استطاعوا استمالة فئة عريضة من تلميذاتنا وتلاميذنا الذين عجزوا عن مجاراة المقررات والمناهج الدراسية، وحفظ المضامين والقواعد، وفئة أخرى تعتبر أن الغش حق مشروع، وأنه ممارسة حلال تؤدي بك إلى النجاح السهل دون أدنى جهد يذكر، كما استغلوا ضعف قوانين زجرية كان يمكنها أن تحد من هذه الظاهرة وتضع قطيعة معها إلى الأبد لو كانت أشد صرامة وتأديبا.
لقد صرنا نحن إلى جيل كانت لديه مبادئ وعقائد يؤمن بها كل الإيمان، ويسيرعليها في حياته من غير شك، ويشجع السير عليها كل التشجيع، ويحتقر من خرج عليها كل التحقير. فكانت أعماله تصدر عنه كما يصدر العمل عن عادة، ليس يحتاج الإتيان به إلى روية ولا تفكير. ثم أتى هذا الجيل – خضوعا للمدنية الحديثة- فقضى على هذه المبادئ والعقائد والعادات والتقاليد، ولم ينشئ مكانها ما يسد مسدها، فكان من ذلك فراغا لم يملأ، ومبادئ زالت ولم تعوض.
إن التعامل القانوني مع من يروجون للغش، ويسوقون أدواته ووسائله لا يرقى إلى المستوى المطلوب، فترويج وسيلة مساعدة على الغش مماثل لترويج مخدر بالوسائل العلنية، لأن كلاهما يخدر العقل ويجعله قاصرا عن الاشتغال وبذل الجهد لمعرفة الصالح من الطالح، والصواب من الخطأ.
فوا أسفاه على جيل وظف العولمة والتقدم في سبيل اكتساب الفراغ الثقافي والمعرفي، ثم واعجباه لمن استغلها ليغني نفسه ويملأ جيوبه، ويفقر أبناءنا معرفة وقيما.

(*)أستاذ الثانوي التأهيلي.
عضو الاتحاد الدولي للغة العربية.


الكاتب : مودنان مروان(*)

  

بتاريخ : 02/06/2022