الحرب، أيضا، شرخ عظيم في الكينونة، في الشرط الوجودي، كما أن «الضرورة» تجعل منها معضلة أخلاقية مكشوفة، لا يمكن تجاوزها فكريا.
في هذه الشهادات عن الحرب، مع الكتاب والمبدعين والمثقفين والفنانين، نشعر بأن إشعاعاتها لا تستثني أحدا، سواء أكان في قلبها أم على هامشها، قريبا أم بعيدا، عسكريا أم مدنيا، مناصرا أم معارضا، حيا أم ميتا. نشعر بالدخان والغبار يصل إلى الحلق، ونقاسي شح التموين، ونحس بانقطاع الماء والكهرباء، ونسمع لعلعة سيارات الإسعاف، وتتخاطر في أحلامنا الدبابات والمقنبلات والصواريخ المضادة للطائرات، وكل الخرائط تبدأ في الفركلة داخل رادارات عسكرية، تتهددها بالخراب المبين..
كلما طرح السؤال للحديث ومناقشة موضوع الحرب، إلا ويأتينا إحساس غريب مفعم بالرهبة والغموض وكأنه سؤال الموت.
هل يمكننا الحديث عن الموت ؟
ممكن ولكن دائما نتمثل الموت في أقصى نقطة هناك، بعيدا عن النظر وكـأنه شيء هلامي كشيطان ديكارت المختفي داخل الآلة .
البحث والتعمق في الحرب يؤدي بنا إلي مزبلة التاريخ من كتب وأشرطة مسجلة ومصورة ووثائق في رفوف المكتبات. وقد درسناه في مواد التاريخ وامتحنا فيه وخضنا حربا ضروسا كي نحصل على نقط إيجابية .الحرب يكرهها الجميع من خاضها ومن لم يخضها. القضية لا يختلف فيها اثنان عن بشاعة الحرب وقبحها وشراستها ودمارها ومخلفاتها الوخيمة من جروح وكسور وقتل ونهب وأسر وتشريد، وتهجير وإحداث عاهات مؤقتة ومستديمة.
الحرب منذ طروادة والبسوس مجلبة للخراب ولا يمكن لمعتوه أن يحب الحرب ولو كانت في صالح بلاده، سواء كان فردا من الشعب أو من فصيل سياسي أو من قائد عسكري .الحرب كابوس مرعب يجثم على أنفاس ونفوس واقتصادات الشعوب .
إذن كيف أرى الحرب أو أتكلم او أدبج كلمات عنها؟ أنا القابع خلف الحرف ولم أكتو بناره؟ أيمكن الحديث عن الحرب ونحن لم نعشها ؟ والذين عاشوها هل يمكن أن يعبروا عنها أم فقط مجرد تمثلات هلامية خاضعة لشروط الرؤية واللغة والإيديولوجيا؟
من زاويتي أرى أن الحرب من أجمل الأشياء .كيف؟
لما كنت هائما على وجه البراءة حاملا أحلامي على جناح الصبا، كل ليلة خميس كان الاحتفال في أوجه. أسرع الخطى بعد تناول وجبة العشاء ليصطحبني ابا دحمان زوج عمتي الذي تربيت في كنفه إلى سينما باريس أو سينما ديفور نسبة إلى كنية صاحبتها الفرنسية مادام ديفور. وكم كانت دهشتي حينما أرى بالخارج لوحة إشهار الأفلام المعروضة ويكون فيلم الليلة الخميسية فيلم لاكير la guerre كما كنا نطلق عليه ونحن صغار .كانت أفلام لاكير /الحرب من أمتع الأفلام لدينا ونحن نشاهد الجنود والدبابات والأسلحة والرشاشات والقنابل اليدوية والطائرات والغواصات تنتفض من أعماق البحر على السواحل، فتخرج حشود العساكر كالنمل مقتحمة العدو.ونحن صغار لا نميز بين أحد من الجنود. القاتل والمقتول عندنا سواء. فرجة ماتعة نتلذذ بها. مشاهد الدمار تثير خيالنا الخصب اللامحدود.. خيال لذيذ كشوكلاطة تذوب في الفم .
ما أروع الحرب حينما ترتدي جبة الإستيتيقا .انه الفن يلون مساءات الخميس في عيون الطفل الجاثم على كرسيه في سينما ديفور بجانب با دحمان وهو هائم في التهام شوكولاطة الحرب المتوهجة.
وكان با دحمان جنديا من جنود فرنسا وقد نجا من الموت بأعجوبة، إذ كان بينه وبين القبر بضعة سنتيمترات على إثر رصاصة شرمت أذنه فقط في منتصف الثلاثينات فمات وهو على فراشه في حي القلعة بمدينة الجديدة عن عمر يناهز التسعين سنة 1993 .الناجي من الموت حكى له حكايات لا تصدق التهمها الطفل كما التهم أفلام الحرب .ظهائر التقدير من فرنسا ومن ملك المغرب محمد الخامس مازالت معلقة بالبيت تشهد على بطولة با دحمان كما تشهد على بطولات أبطال هوليود الذين يجسدون للطفل بطولة ابا دحمان .
كم هي جميلة أفلام الحرب .كم هو الفن جميل .وتسألني عن الحرب .عن أي حرب تسأل عن المسموعة أم المرئية أم المكتوبة ؟
الحرب يقولون /يزعمون/ يتخيلون/ يتنبأون بأنها ستقع .قد تقع قد ترجأ .أشياء كثيرة تقع الآن من سعار الأسعار وسعير العيش الخ .
ولكن مع ذلك الحرب جميلة في أعين الطفل والفنانين والحالمين. ولتأكيد ذلك، لابد أن أعرض نماذج من قصيدة أكاد أحفظها عن ظهر قلب منذ الشباب وهي للشاعر جاك بريفير من ديوانه paroles
هذه القصيدة تجمع بين الحرب وبشاعتها، وبين الفن والإبداع وإشعاعه وتوهجه ولكم واسع النظر .
Rappelle-toi Barbara
Il pleuvait sans cesse sur Brest ce jour –La
Et tu marchais souriante
Epanouie ravie ruisselante
Sous la pluie
Rappelle- toi Barbara
Il pleuvait sans cesse sur Brest
Et je t’ai croisée rue de Siam
Tu souriais
Et moi je souriais de même
Rappelle-toi Barbara
Toi que je ne connaissais pas
Toi qui ne me connaissais pas
Rappelle- toi
Rappelle-toi quand même ce jour-là
N’oublie pas
Un homme sous un porche S’abritait
Et il a crié ton nom
Barbara
Et tu as couru vers lui sous la pluie
Ruisselante ravie épanouie
Et tu t’es jetée dans ses bras
Rappelle –toi cela Barbara
Et ne men veux pas si je te tutoie
Je dis tu à tous ceux que j’aime
Même si je ne les ai vus qu’une seule fois
Je dis tu à tous ceux qui s’aiment
Même si je ne les connais pas
Rappelle-toi Barbara
N’oublie pas
Cette pluie sage et heureuse
Sur ton visage heureux
Sur cette ville heureuse
Cette pluie sur la mer
Sur L’arsenal
Sur le bateau d’Ouessant
Oh Barbara
Quelle connerie la guerre
Qu’es-tu devenue maintenant
Sous cette pluie de fer
De feu d’acier de sang
Et celui qui te serrait dans ses bras
Amoureusement
Est-il mort disparu ou bien encore vivant
Oh Barbara
Il pleut sans cesse sur Brest
Comme il pleuvait avant
Mais ce n’est plus pareil et tout est abimé
C’est une pluie de deuil terrible et désolee
Ce n’est même plus l’orage
De fer d’acier de sang
Tout simplement des nuages
Qui crèvent comme des chiens
Des chiens qui disparaissent
Au fil de l’eau sur Brest
Et vont pourrir au loin
Au loin très loin de Brest
Dont il ne reste rien.