طموحنا كبير وأحلامنا لا حدود لها لخدمة الشأن الثقافي وتثمين دور المثقف المغربي

ما تنتجه القناة الثقافية من برامج في مجالات مختلفة يمكن وصفه دون تردد ودون أدنى مبالغة بنوع من «الجهاد المهني»، الذي انخرط فيه جميع العاملين والأطقم. ورغم ما قد يتطلبه السياق، من تضحيات وتحديات، فإن الانتصار لثقافة الاعتراف والتقدير والتثمين والتشجيع، كان اختيارا أساسيا لارجعة فيه ليتحول إلى عامل تحفيز معنوي وإلى ما يشبه البطارية التي تشحن الطاقة كي تتجدد وتستمر في الاشتغال والإنتاج والاجتهاد والإبداع،علما أن المنطلق والقناعة التي ترسخت لدي منذ توليت إدارة القناة الثقافية،هو العمل على تطويرها والسعي وفق ما هو متاح من شروط وإمكانيات ووسائل، لتتفاعل أكثر مع محيطها، وتصبح تدريجيا رافعة للإعلام الثقافي العمومي. لكن تحقيق هذه الأهداف رهين بتوفر الإمكانيات اللازمة.
وللتوضيح تنتج القناة الثقافية حوالي 16 برنامجا داخليا بإمكانيات بشرية وتقنية محدودة. ولتحقيق هذا الهدف، فإن الأمر تطلب ويتطلب اشتغالا متواصلا على أكثر من مستوى، ومواكبة مستمرة واستعدادا نفسيا وذهنيا لابد منه، للتغلب على مختلف الصعوبات، وتذليل العوائق التي قد تؤثر سلبا على معنويات العاملات والعاملين داخل القناة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه مهما كانت درجة القدرات الفكرية والمهنية والخلفية الثقافية والتجربة والرأسمال الرمزي لأي شخص يدير القناة عالية وغنية، فإنه لا يستطيع أن يحقق ما قد ينتظره الجمهور، لأن تدبير مؤسسة إعلامية عمومية والسعي لإكسابها إشعاعا ومكانة تليق بالمجهودات المهنية التي يبذلها العاملون، يحتاج إلى بنية متكاملة ومتعاونة من المسؤولين والمساعدين، وإلى إمكانيات ومقومات تقنية وفنية ولوجستيكية، وفضاءات عمل مساعدة على الخلق والابتكار والتميز .
عند قدومي إلى القناة، أول خطوة أقدمت عليها، هي إقامة حفل لتخليد الذكرى 15 لإطلاق القناة الثقافية، كان ذلك في 28 فبراير2020، وقد تم استدعاء مجموعة من المثقفين والمبدعين والمسؤولين والإعلاميين، وكانت هذه الخطوة مناسبة لأعلن فيها عن خارطة طريق ما ستقوم به القناة الثقافية في السنوات القادمة، والأدوار التي ستلعبها، لكن جاء الوباء فعطل وألغى كل شيء. فالناس باتوا يفكرون في مصيرهم وليس في مصير الثقافة. لكن رغم ذلك يمكن الجزم بأن الثقافة هي التي أرخت لهذه اللحظات المتشنجة والصعبة، عن طريق الإبداع بكل أجناسه والندوات والقراءة .وكانت هي الملاذ الذي لجأت إليه البشرية لمقاومة الهلع واحتواء الدهشة والذهول .
بعد أن صفا الجو نسبيا وتوقفنا عن بث الدروس، انطلقنا بإرادة أقوى، وكمدير طلبت من كل العاملات والعاملين تكثيف الجهود، وتعبئة الطاقات والإرادات وشحذ الهمم لتنزيل جزء من خارطة الطريق التي سبق أن أشرت إليها، وذلك عبر مواكبة ما تحفل به الساحة الثقافية والإبداعية من أنشطة ومستجدات، والاجتهاد في تطوير وتجويد البرامج، وتقديم مجلات ولقاءات خاصة عندما تقتضي الضرورة ويفرضها السياق. وللأمانة كان هناك تجاوب كبير وحماس منقطع النظير. علما أنني حرصت منذ البداية، على أن أتعامل مع مختلف العاملين كأفراد أسرة واحدة، بما يذكي فيهم حماسا لا تخمد شعلته، ويزرع ثقة تعزز وتقوي المناعة المهنية، والغاية السامية والمقصد النبيل، هو أن نجعل من القناة -على الأقل – مرآة عاكسة لجزء من المشهد الثقافي والفكري والإبداعي المغربي.
تأسيسا على ذلك، وضعنا خطة متكاملة انخرط فيها الجميع لتسويق القناة وتثبيت حضورها في وسائل الاعلام ولدى الجمهور. ويمكن القول، بكل تواضع، إننا منذ أن شرعنا في تنفيذ الخطة التواصلية أياما قليلة قبل حلول شهر رمضان وحتى الآن حققنا جزءا كبيرا من الأهداف التي رسمناها. وباتت إمكانية متابعة كل برامج القناة الثقافية بدون استثناء، عبر وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية، متاحة بيسر وسلاسة، وتثمينا لما تنتجه القناة الثقافية من برامج، وتقديرا للجهود المبذولة من طرف العاملات والعاملين فيها، قررنا فتح حساب في الفايسبوك كجزء من الاستراتيجية التواصلية، إضافة إلى إنشاء قناة على اليوتوب .
من المؤكد أن الشأن الثقافي لايشكل هما فرديا معزولا عن المجتمع، ولا يمكن للمثقف الفرد مهما كان شأنه، أن يعالج اختلالات هذا الحقل، بمعزل عن باقي المثقفين والأطراف المتدخلة في القطاع، ومن بينها القناة الثقافية. لذلك تتطلب عملية إعادة الاعتبار للشأن الثقافي، وتثمين دور المثقف المغربي، عملا جماعيا ومؤسساتيا، تشارك فيه مختلف مكونات الحقل الثقافي الوطني بدون استثناء.
إن التحولات العميقة، والتطورات السريعة التي يشهدها المجتمع المغربي في كافة المجالات، وكذا المتغيرات المتتالية التي تجري في المحيط الإقليمي والعربي والدولي تفرض علينا مجموعة من الانتقالات بما في ذلك الانتقال الثقافي، وتحتم علينا أن نسائل مايحدث مساءلة فكرية عميقة، قادرة على تفكيك مختلف الشفرات والألغاز وقراءة الأحداث بمقاربات ورؤى تتجاوز الآني والعابر.
وما دامت الثقافة تشكل القوة الناعمة لأي أمة والقلب النابض لها والقلعة الأمامية الحامية والحاضنة لهويتها وخصوصيتها، فإنه يتعين على كل المتدخلين أن يتعاملوا مع هذا الحقل من هذه الزاوية، علما أن المغرب أنجب أصواتا وأسماء اكتسحت العالمين العربي والإسلامي بأفكارها ومؤلفاتها استنادا إلى جودة وأهمية ومصداقية ما أنجزته من أعمال فكرية وثقافية في شتى أصناف المعرفة. ولعل الاعتراف العربي والدولي بما حققه المغاربة في مجال الفكر والثقافة والإبداع، خير دليل على أهميتهم وضرورتهم في بناء أي مشروع ثقافي واجتماعي وسياسي.
وفي المجال الثقافي، يمتلك المغرب المادة الخام والأساس الصلب والمتين لاحتلال موقع متميز، وتحقيق إشعاع إقليمي وعربي ودولي،غير أنه يتعين على كل الفاعلين وعلى كل المؤسسات أن تدعم هذا الخيار وأن تحتضنه، خاصة وأن الدستور الحالي يوفر الحماية القانونية للفعل الثقافي، من خلال تنصيصه في الفصل 26على أن السلطات العمومية تدعم بالوسائل الملائمة، تنمية الإبداع الثقافي والفني، وأيضا  من خلال إشارته في عدد من الفصول إلى أهمية العنصر الثقافي في تقوية الهوية واللحمة الوطنية، بما في ذلك الفصل31، الذي ينص على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة، من الحق في التنشئة على التشبث بالهوية المغربية والثوابت الوطنية الراسخة، وبديهي أن الآلية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف النبيل هي الثقافة .
إن ما حدث ويحدث في أكثر من منطقة، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، يطرح بجدية وإلحاح انخراط الفاعلين الثقافيين في عدد من الديناميات لتحصين المجتمع وحمايته من التيه والتشظي والقلق، وبالمقابل الدفع به إلى مناطق آمنة تشعره بالطمأنينة والثقة والتوازن .
بكل تأكيد طموحنا كبير وأحلامنا لاحدود لها، وبكل تأكيد إمكانياتنا محدودة لكن عدتنا وذخيرتنا في رفع هذا التحدي .هي في المحل الأول الإرادة الجماعية والإيمان بأن ما ننتجه يستحق المشاهدة، وينطوي على قيمة مضافة، وفيه منفعة وفائدة للجمهور، وإنصاف لشرائح واسعة من المثقفين والمبدعين في حقول مختلفة.
وكما تمكنا من إعداد شبكة من البرامج خلال شهر رمضان، في زمن قياسي، وهي للتوضيح إنتاج داخلي 100 في 100، فإننا بمناسبة احتضان الرباط مدينة الأنوار وعاصمة الثقافة الإفريقية والثقافة في العالم الإسلامي للدورة 27 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، فقد أعددنا أيضا، مخططا متكاملا وبرنامجا متعدد الفقرات، لتغطية ومواكبة فعاليات هذا الحدث الثقافي، الذي ينظم لأول مرة في الرباط، وبكل فخر واعتزاز أسجل تجند العاملين في القناة الثقافية بدون استثناء لإنجاح هذا الرهان والانتصار على شتى الصعوبات، سواء عبر يوميات المعرض، أو من خلال مجموعة من البرامج الخاصة واللقاءات مع عدد من الوجوه الثقافية، سلاحهم الفعال في ذلك، حماسهم المتقد، والتعاون الخلاق، والتنسيق المحكم بين مختلف الفرق، وإيمانهم القوي بقيمة وأهمية ما ينجزونه، والتزامهم المهني، ووعيهم بالرسالة الإعلامية الملقاة على عاتقهم وتقديرهم واحترامهم للجمهور.

* مدير القناة الثقافية


الكاتب : عبد الصمد بن شريف *

  

بتاريخ : 10/06/2022