الإسلام كموضوع رئيسي في المعارك السياسية

مصطفى خُلَالْ

 

يجري في فرنسا نقاش واسع تعكسه وسائل إعلام هذا البلد، يخص تحديدا معارك ومصالح سياسية حزبية بالدرجة الأولى. من بين العبارات التي يستعملها معارضو بعض التيارات السياسية اليسارية مثل حركة جان ليك ميلانشان، قصد تشويه مواقفها وتزييفها عبارة (الإسلام – اليساروي). ففي السادس من أكتوبر الماضي اتهم وزير داخلية فرنسا، جيرالد دارماناه، حركة ميلانشان بأنها حركة (يساروية – إسلامية) تهدف إلى «تدمير الجمهورية» .
عملية «بعث» هذا البوليميك السياسوي الفرنسي ليست جديدة، ذلك أنه يمكن الرجوع بها إلى الوزير الأول الأسبق مانويل فالس حيث جرت (إدانة) ما سماه (اليساروية – الإسلامية). وكان المستهدف على الدوام كل من يتعاطف مع المسلمين عموما ومسلمي فرنسا على نحو مخصوص أمثال ميلانشان في الحقل السياسي، وأيدوي بلينيل في الحقل الإعلامي، وإدغار موران في الحقل الفكري، وديوه دوني في حقل الدعابة الفنية…إلى آخر أشكال التعبير الرافض للنهج العدائي للمسلمين في فرنسا، ذلك النهج الذي قاده في الرئاسيات الفرنسية الأخيرة إعلامي وكاتب يهودي الديانة ليس من أصول فرنسية بل مهاجر من أصول أمازيغية – عربية جزائرية…تتلخص كل صولاته في الحقد الفائض والعداء الباطولوجي المطلق لكل ما هو مسلم وضمنه كل ما هو عربي، حقد وعداء يطبعهما التملق الطاغي للمواطن الفرنسي البسيط والشعبوية القائمة على دغدغة عواطف هذا المواطن.
بل إن لهذه العبارة وفي فرنسا بالذات جذورا أبعد بكثير، في التاريخ، من الزمن الجاري. ففي القرن الثامن عشر وفي مجال الفكر تحديدا يمكن الوقوف على لحظات في تاريخ فرنسا قوية الدلالة، تسمح لنا بالقول إن العبارة المشار إليها تدوولت في القرن الثامن عشر على لسان العديدين، وخاصة مجادلي فرانسوا ماري أرووي، الذي كتب مسرحيته الشهيرة بنقدها للتعصب الديني. ونقصد هنا من اشتهر باسم فولتير، الفيلسوف والمسرحي والشاعر والموسوعي والمولع بالفن ورجل الأعمال الذائع الصيت في كل ثقافات الأرض، ليس بفضل كتاباته فقط بقدر ما يعود الأمر أيضا إلى صلابة مواقفه السياسية وآرائه في الدين عموما وخاصة معارضته الشديدة والعنيدة للكنائسية ولكل من كان يعتبرهم مناوئين لمبادئه الإنسانية وضمنها دفاعه عن الحرية العقدية، ونقده اللاذع للتعصب الديني، ومساندته القوية لضحايا اللا تسامح الديني والتعسف. وهو ما كان له الأثر الحاسم على المستوى الفكري في الطبقات الثرية الليبرالية وفي الثورة الفرنسية التي رأت فيه مع روسو الممهدين لوقائعها الكبرى.
يتم دائما إغفال هذا الجذر الفولتيري لنقد عموم الغرب للإسلام. ومن يعود إلى المسرحية المشار إليها يقف على عمق هذا الجذر وأثره في مجمل النقد الغربي للإسلام. وما يتم تناسيه هو أن فولتير لم يكن يهمه في تلك المسرحية نقد نبي الإسلام حصريا بقدر ما كان يشغله نقد التعصب الديني عامة في الديانات الثلاث. وليس أدل على ذلك من أن جهات فرنسية عديدة اعتبرت المسرحية منحازة ومستفزة، وهو ما جعل فولتير نفسه يسحبها من على الخشبة بعد تقديمها لثلاث مرات فقط، بل إن بونابرت نابليون وهو في المنفى أدان المسرحية إدانة شديدة ورفضها فكرا وشكلا. تلك الجهات رأت في النبي إنسانا وديعا، ذا إحساس إنساني عميق، سامي الأخلاق وفيا أشد ما يكون الوفاء لنبل القيم، بعيدا كل البعد عن الكراهية والحقد، قوي العناية في صدق منقطع النظير بمصائر الإنسانية، وهو ما يتعارض بصورة أو أخرى في نظر تلك الجهات مع توجهات بعض من كبار المتبنين المتأخرين لفلسفة الحكم في الإسلام.
والحق أنه يُطرح دائما التساؤل لماذا يتم اتخاذ الإسلام موضوعا رئيسيا في المعارك السياسية في بعض من بلدان الغرب حيث فرنسا ليست هنا سوى نموذج؟ تتعدد الإجابات المبتسرة وتقل كثيرا الإجابات الرصينة مثل تلك التي تتبناها أسماء أشرنا إلى بعض من أصحابها – أعلاه.
وإذا كنا، هنا، قد انطلقنا من الواقعة الفرنسية فليس إيمانا منا برجحان تلك الإجابات المبتسرة. ومن بينها اعتبار قوة البروباغندا المعهودة ضد الإسلام، ثم تلك التي تعطي كل الرجحان في التفسير لوجود مسلم طارئ في التاريخ الجاري تحت الأبصار اليوم، ذلك أن نزعة نقد الإسلام، بل ومعاداته، قديمة قدم الإشارة التي وقفنا عندها مقدمين المثال الفولتيري، وهو المثال – من بين أمثلة عديدة وليس هو أشهرها ولا هو الأكثر إثارة للجدل ولردود الأفعال الفكرية عند المفكرين المسلمين ومن كل الحساسيات الفكرية، نقول إنه المثال الأكثر دلالة على أن نقد جزء من الغرب للإسلام لا يعود إلى الظرفيات التاريخية الحالية، بل إلى أزمنة قديمة كما أشرنا. وهو ما سنعالجه في مقالة قادمة.

الكاتب : مصطفى خُلَالْ - بتاريخ : 14/06/2022