نشر موقع «بوليتكو» تقريرا، أشار فيه إلى أهمية مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ويليام بيرنز في فهم شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتوقعه بأنه لن يقبل الهزيمة.
وذكر الموقع أن نصف العاصمة واشنطن لا شغل لها إلا تحليل كل كلمة وحركة تصدر عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وعندما يتحدث ويليام بيرنز، مدير «سي آي إيه»، عن الزعيم الروسي، فكلامه يحمل وزنا.
ووصف بيرنز بوتين بأنه «مزيج غريب من الصفات الروسية.. مغرور غريب الأطوار يحمل مظلومية ويشعر بعدم الأمان». وقال إن زعيم الكرملين هو «رسول الانتقام».
وتوقع بيرنز أن يضاعف بوتين من حربه بدلا من التخلي عن غزوه لأوكرانيا، قائلا: «أعتقد أنه في حالة ذهنية لا يستطيع من خلالها التفكير بالهزيمة».
ويقول الموقع إنه بالنظر لقيادته أهم مؤسسة استخبارات في أمريكا، فكل كلمة ينطق بها بيرنز تثير الانتباه. لكن الرجل البالغ من العمر 66 عاما، كان قبل تحوله لمدير مخابرات دبلوماسيا وبسجل طويل منها دورتين في روسيا، حيث عمل كسفير في موسكو في الفترة ما بين 2005- 2008، ولا يوجد مسؤول في الحكومة الأمريكية له خبرة وتجربة مع الرئيس الروسي مثل خبرته، ما جعل من بيرنز شخصية مهمة في إدارة بايدن والرجل الذي يوثق به لإدارة المحادثات الصعبة والحساسة.
وكان بيرنز هو الشخص الذي أرسله بايدن في الخريف الماضي لتحذير بوتين من ضرب أوكرانيا. وبيرنز هو الشخص الذي يسأله المسؤولون في واشنطن عندما يريدون فهم خطط بوتين القادمة.
وفي الأشهر المقبلة، ستظل الأسئلة قائمة حول دقة المعلومات الاستخباراتية عن موسكو ونواياها في أوكرانيا، وإن كان على واشنطن تقديم الأسلحة الثقيلة لأوكرانيا، ومن المتوقع أن تقع المهمة على كاهل بيرنز لتقديم أجوبة عن الأسئلة الكثيرة.
ويقول ويليام تيلور، السفير الأمريكي السابق في أوكرانيا، إن بيرنز «رجل ناضج، ومجرب، ومتحفظ جدا ودقيق فيما يقوله». و»لهذه الأسباب ولخبرته مع بوتين، فإننا نستمع إليه». وربما كان بيرنز عالما جيدا في بوتين، إلا أنه لم يتوقع كيف سيقلب الزعيم الروسي الأجندة الخارجية لإدارة بايدن. كما لم يكن يتوقع أن تكون روسيا شاغله الرئيس، مع أنه أخبر لجنة في الكونغرس أثناء جلسة تأكيد ترشيحه بأنه سيركز كمدير لـ»سي آي إيه» أثناء عمله على أربع أولويات: «الصين، وتكنولوجيا، وشعبا، وشراكات». ولم تكن روسيا في قائمة الأولويات.
وقد كانت واشنطن منشغلة لمواجهة الصين وطموحاتها. وتغير كل هذا في الأشهر الأخيرة من عام 2021، عندما حشد بوتين قواته بطريقة وأعداد أثارت مخاوف المسؤولين الأمريكيين. وأرسل بايدن بيرنز إلى موسكو، حيث التقى مع المسؤولين في الكرملين، وتحدث مع بوتين عبر الهاتف، وحذر من مغبة غزو أوكرانيا، وأن روسيا ستدفع ثمنا باهظا.
ومع مرور الأسابيع قررت الإدارة القيام بخطة غير اعتيادية، وهي نشر وثائق سرية تفصل خطط الكرملين الحربية لغزو أوكرانيا. وكانت خطوة ضرورة قال بيرنز إنها تحبط جهود التضليل الروسية لتبرير أي غزو كما فعلت عام 2014، عندما ضمت شبه جزيرة القرم. ورفض بيرنز الحديث مع الموقع، لكنه تحدث في أكثر من منبر منذ توليه «سي آي إيه». وشارك في مهرجان نهاية الأسبوع لفايننشال تايمز بداية شهر أيار/ مايو، حيث قال إنه وزملاءه قضوا ليالي ساهرين على أمل أن تكون توقعاتهم خاطئة بشأن خطط بوتين، إلا أنه اختار أن يخيب آمالهم.
ورغم محاولاته والمسؤولين في الوكالة التفوق على الكرملين، إلا أن بيرنز ظل يعتقد أن الصين هي التهديد الجيوسياسي الأكبر على المدى البعيد. فالعملاق الآسيوي الذي يقوده شي جين بينغ يظل «وبطرق عدة الامتحان العميق الذي واجهته سي آي إيه»، كما أخبر معهد جورجيا للتكنولوجيا في نيسان/ أبريل. فالبلد الذي تحكمه الشيوعية والمتقدم في الاستخبارات الاصطناعية والمتشابك اقتصاديا مع الولايات المتحدة والنشاط السيبراني من بين عدة أمور هدد البيانات الفدرالية، وكان واحدا من أسباب تركيز سي آي إيه عليه. وباتت الصين صعبة على سي آي إيه التي راقبت بكين وهي تفكك خلاياها وتعدم العملاء والمصادر التي تعتمد عليها داخل الصين.
ولمواصلة التركيز على الصين، قرر بيرنز إنشاء مركز مهمة الصين، وهو الوحدة الوحيدة في الوكالة الذي يركز على بلد واحد. وزادت الوكالة من الميزانية المخصصة لأعمال متعلقة بالصين، وتأمل بمضاعفة عدد العاملين الذي يتحدثون لغة الماندرين الصينية. وأنشأ بيرنز مركز مهام عابر للدول والتكنولوجيا؛ من أجل التركيز على التكنولوجيا الجديدة، إلى جانب قضايا أخرى مثل التغيرات المناخية.
وعين بيرنز أول ضابط بارز للتكنولوجيا في الوكالة هو ناند مولاشانداني، الذي يتمتع بخبرة في المجالين العام والخاص. وفي بداية عمله، ركز بيرنز جهوده على اكتشاف الحوادث الطبية الغامضة، مثل عرض هاقانا الذي أصاب الدبلوماسيين وعملاء «سي آي إيه» وبقية المسؤولين الحكوميين. وكانت هناك مخاوف من وقوف روسيا خلف الجهود، مع أن المسؤولين الأمريكيين لم يعثروا حتى الآن على دليل يورط موسكو. إلا أن تركيزه على الموضوع أدى إلى تقرب عالم الاستخبارات منه.
وفي الحقيقة، فلن تجد أحدا في واشنطن ينتقد بيرنز ولو من وراء ظهره. وقال مسؤول في الخارجية مازحا: «أطلقنا اسمه على قاعة اجتماعات، مع أنه لم يمت بعد». وهو الشخص الوحيد في الاجتماعات الذي يحاول تخفيف قلق المشاركين.
وأشار مسؤول في إدارة بايدن إلى أن أدنى نقطة في عمل بيرنز هي انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وسيطرة طالبان على كابول في غشت الماضي. وتساءل النقاد فيما إن كانت iسي آي إيهi بطيئة في اكتشاف أن كابول ستسقط. وفي هذه الأيام المضطربة، سافر بيرنز سرا إلى كابول للقاء قادة كابول، وقال من يعرفونه إنه كان يريد التأكد من حماية شركاء iسي آي إيهi الأفغان. وقال المسؤول السابق: «هناك سبب لإرسال بيل بيرنز للتعامل مع طالبان في لحظة تتداعى فيها أفغانستان»، و»هذا رجل يمكنه الجلوس على الطاولة مع أشد الناس في العالم، ويجد طرقا نيابة عن الشعب الأمريكي في أوضاع يتعثر فيها الكثير والكثير».
وحظيت إدارة بايدن وسي آي إيه بالتقدير على دقة التوقعات بشأن خطط بوتين، لكن السؤال عن السبب الذي منعهما من التكهن حول قدرة الجيش الروسي والأخطاء التي ارتكبها وقدرة الجيش الأوكراني على الصمود. وفي الحقيقة، كان هناك شعور لدى المسؤولين أن الأوكرانيين لن يصمدوا طويلا، ما دعا معلقين للقول إن هذا سبب عدم إرسال الأسلحة لأوكرانيا سريعا. وهو ما أدى لدعوة في الكونغرس والطلب من iسي آي إيهi تقديم تفسيرات حول فشل التقدير في أفغانستان وأوكرانيا.
وعمل بيرنز 33 عاما في السلك الدبلوماسي الذي تقاعد منه عام 2014، وعمل فترة كنائب لوزير الخارجية، قبل أن يصبح رئيسا لوقفية كارنيغي للسلام العالمي. وفي أثناء فترة دونالد ترامب انتقد وبشدة خطط الرئيس الجمهوري تدمير الخدمة الدبلوماسية الخارجية من خلال قطع الميزانيات والانتقام السياسي، وغير ذلك من الوسائل.
وبعد زيارته موسكو في الخريف الماضي، عاد بعدد من الأوهام وليس أخبارا جيدة لبايدن وبقية الإدارة، وشرح أن بوتين لم يتخذ قرارا بالغزو، لكن هناك احتمال بقيام حاكم روسيا بالتحرك.
وقال بيرنز في خطابه بمعهد جورجيا: «تعلمت خلال السنوات عدم فهم عزم بوتين المستمر، وفيما يتعلق بأوكرانيا خاصة». وقال بيرنز إن بوتين ظل يعتقد أن أوكرانيا ليست بلدا حقيقيا، ويجب أن تحترم روسيا على الأقل. وبعد أسابيع، دخلت القوات الروسية أوكرانيا، وتصدت لها قوات البلد، إلا أن بيرنز قال لجمهور مهرجان فايننشال تايمز إن بوتين لا يقبل الهزيمة بسهولة، «فقد عول كثيرا على خياره الذي عمله للغزو، وإنه مقتنع الآن بأن مضاعفة الجهود ستقود إلى التقدم».
بوليتكو: مدير «CIA» يعتقد أن بوتين لن يقبل الهزيمة بسهولة
بتاريخ : 16/06/2022