استنتاجات من القرار الأممي لأمربيه أحمد محمود

نوفل البعمري

بناء على الشكاية التي تقدم بها الناشط الصحراوي أمربيه أحمد محمود للجنة المعنية بحقوق الإنسان بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بتاريخ 12 يونيو 2015، التي تم تسجيلها باللجنة بشكل رسمي سنة 2016، الموجهة ضد الدولة الطرف «الجزائر» للمساس بحقوقه المحمية بموجب المواد 7 و 9 (الفقرات 1-4) و 10 (الفقرة 1) و 19 (الفقرة 2) و 21 و 22 من الميثاق والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الاختياري الملحق بها، تتعلق بما تعرض له من «تعذيب واحتجاز غير قانوني»، التي تمت معالجتها انطلاقاً من الإجابة عن هذه النقط :
استنفاد سبل الانتصاف المحلية والحق في الانتصاف الفعال.
المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة،
المساس بحريته وأمنه الشخصي؛ كرامته الإنسانية.
وقد كانت موضوع مراسلات متعددة ما بين اللجنة والنظام الجزائري الذي حاول التنكر لعملية الاختطاف التي تعرض لها بمدينة تندوف خارج المخيمات من طرف الاستخبارات العسكرية الجزائرية التي عرضته للتعذيب بمشاركة قيادات مليشياتية تابعة للبوليساريو بسبب نشاطه المدني ضد قيادة الجبهة الانفصالية ضمن حركة «صمود» الشبابية، التي كانت قد فجرت حراكاً شبابياً بالمخيمات عقب الأحداث التي شهدها العالم العربي سنة 2011 حيث كانت تطمح لتغيير جذري داخل المخيمات يفضي لإنهاء معاناة ساكنتها، ليتعرض بسبب نشاطه هذا للاعتقال قبل أن يطلق سراحه ليعتقل مرة أخرى ويتعرض لتعذيب شديد بعد محاولته تسليم رسالة للأمين العام للأمم المتحدة الذي كان آنذاك في زيارة للمخيمات فتم اختطافه من جديد من طرف ثلاثة ضباط جزائريين من داخل مدينة تندوف خارج المخيمات ليتم اقتياده للرابوني وتسليمه لمليشيات الجبهة التي احتجزته في سجن الرشيد السيء الذكر معرضة إياه للتعذيب والمعاملة غير الإنسانية والاحتجاز غير القانوني.
اللجنة المعنية بحماية حقوق الإنسان الأممية التي أصدرت قرارها بموجب المادة 92 من نظامها الداخلي، كانت واضحة في إدانتها للدولة الجزائرية التي حاولت التملص من مسؤوليتها تجاه الواقعة، ومن خلالها تجاه مختلف الوقائع المرتبطة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حدثت في المخيمات طيلة مرحلة تشييدها، سواء قبل انتفاضة أكتوبر 1988، أو في ما بعدها… بفعل حجم السخط الشعبي الكبير داخل مختلف الأوساط الشبابية على ممارسات النظام الجزائري وقيادات الجبهة التي تحولت لسوط في يد الجنرالات لقمع كل تحرك مدني وسياسي داخل المخيمات.
القرار الصادر في واقعة امربيه أحمد محمود، هو قرار تاريخي يعكس التحول الذي شهده الوعي الأممي بطبيعة التهديدات التي يتعرض لها سكان المخيمات علاقةً بمسؤولية الدولة الجزائرية عن ذلك، ودعمت بقرارها هذا كل الطروحات التي ظلت العديد من الفعاليات الحقوقية المغربية، والمنتمية منها للمناطق الصحراوية تترافع من أجلها، ومن أجل أن توضع الإدارة الجزائرية بكل تلاوينها أمام مسؤوليتها القانونية تجاه المآسي التي حدثت وتحدث داخل المخيمات.
اللجنة ردت الدفع الذي تقدمت به الدولة الجزائرية، كون ما حدث وقع داخل المخيمات بالتالي لا مسؤولية لديها عن ذلك، وقد أجابت اللجنة عن هذه النقطة، بشكل واضح لا يحتمل الشك، في أن النظام الجزائري، وبموجب اتفاقيات جنيف الأربع لا يمكنه أن يُسند أيا من اختصاصه للمخيمات ولتنظيم البوليساريو، اعتبارا لكون المخيمات تقع داخل التراب الجزائري، بالتالي المسؤول عن كل الوضع داخلها هي الدولة الجزائرية المعترف بها ككيان بالأمم المتحدة وليس تنظيم البوليساريو غير المعترف به لا من طرف الأمم المتحدة ولا من مختلف هيئاتها الأممية التابعة لها.
اللجنة ردت على كل محاولة للنظام الجزائري التنكر لواقعة التعذيب الممنهج الخطير، الذي تعرض له الناشط امربيه أحمد محمود المختطف من داخل مدينة تندوف، والمقتاد داخل المخيمات بسبب نشاطه المعارض للجبهة، والفاضح لممارسات الدولة الجزائرية، إذ اقتنعت بكل الوقائع التي أدلى بها وقبلت شكايته شكلا رغم محاولات النظام الجزائري التشكيك فيها وفي الجهة الحقوقية التي تبنتها بدعوى أن الشكاية تحكمها خلفيات سياسية، وهو ما قامت اللجنة بالرد عليه والقول بقبولها شكلاً بموجب المادة 97 من نظامها الداخلي، لتنتقل للموضوع وتجيب عن كل الدفوع التي تقدمت بها الدولة الجزائرية باعتبارها الدولة الطرف بـ:

أعربت اللجنة “بالفعل عن قلقها إزاء نقل الدولة الطرف، بحكم الواقع، سلطاتها، ولا سيما الولاية القضائية، إلى جبهة البوليساريو، وأن هذا الموقف يتعارض مع التزامات الدولة الطرف التي يتعين عليها بموجبها احترام الحقوق المعترف بها في العهد وضمانها لجميع الأفراد على أراضيها”.
أكدت اللجنة أن” سبل الانتصاف المحلية لدى الدولة الطرف ليست متاحة بشكل فعال، حيث إن الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين يخضعون “للقانون” المعمول به في المخيمات ولا يجوز لهم الترافع أمام المحاكم الجزائرية.
ترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف للمادتين 7 و 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
من خلال هذه الخلاصات العامة التي تقدمت بها اللجنة بعد النظر في تلك الشكوى، يمكن استخلاص ما يلي:
الدولة الجزائرية التي كانت تتصرف وكأن لها غطاء أمميا لارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وانتهاكات خطيرة للمواثيق والعهود الدولية، قد بدأت تتلاشى وتسقط أمام قوة الحق الذي يملكه الضحايا، وقوة الوقائع المادية التي يُواجه بها النظام الجزائري في المنتظم الدولي.
الجرائم ضد ساكنة المخيمات – وهذا هو الجديد في هذا القرار- لم يعد عبء إثباتها يقع على الضحايا وعليهم لصعوبة ذلك بل لاستحالته، بل يقع عبء إثبات عدم التورط في ارتكاب هذه الجرائم الحقوقية على الدولة الطرف في العهد والبروتوكول الملحق به، والجزائر ما دامت مصادقة عليه فهي من يقع عليها هذا العبء وليس الضحايا الذين يستحيل عليهم إيجاد شهود لإثبات ما تعرضوا له من احتجاز واختطاف وتعذيب ومعاملة مسيئة ومهينة للكرامة الإنسانية، وهو ما سيفتح الباب أمام كل الضحايا المفترضين لسلوك وسائل الإنصاف الأممي.
القرار أقر بشكل صريح عدم وجود وسيلة انتصاف قضائية لساكنة المخيمات داخل الجزائر، وذلك لأن القضاء الجزائري غير مستقل، منحاز، ومادام أن “المحاكم” التي توجد في المخيمات، حسب القرار، صورية وغير معترف بها من طرف الأمم المتحدة بحسب التوجه الذي ساقه قرار امربيه أحمد محمود، ولا يمكن أن تكون أو تشكل وسيلة انتصاف لضحايا المخيمات، لذلك تظل الجهة الوحيدة أمام الضحايا هي الأمم المتحدة وهيئاتها التعاهدية وغير التعاهدية للانتصاف القانوني والحقوقي.
هذا القرار سيفتح الباب أمام مطاردة مرتكبي الجرائم الحقوقية التي تكيف على أنها جرائم ضد الإنسانية، ولن يعود الأمر كما كان في السابق.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 20/06/2022