هكذا تكلمت مديا، عنوان العرض المسرحي الجديد لفرقة الشعاع بتارودانت، وكما تعودنا مع هذه الفرقة، يستمر نفس الإبداع بكل تجليات مسرح الهواة و تحضر السمة الاحترافية في الانجاز والأداء.
يفصح العض المسرحي منذ الوهلة الأولى عن تحول جديد في مسار هذه الفرقة، فالعنوان لم يعد كما كان مركبا و غامضا حد الغرابة لإثارة الفضول لدى المتلقي، عنوان صريح، يسوقنا بكل وضوح نحو شخصيته المركزية، يقودنا إلى عوالم أسطورة ميديا و ما ألم بها في دروب الخيانة و الانتقام. الأسطورة التي جعل منها يوريبيديس نصا مسرحيا اضحى حتى اليوم مصدر إلهام لكتاب مرموقين كما د. الهنائي .
التحول الثاني في هذا المسار المسرحي المميز لفرقة الشعاع و مخرجها الإدريسي، موضوعه هو المونودرام ، فهو ربما حسب تتبعي لمنجز هذه الفرقة هو الإبداع الثاني في صنف المونودرام، بعد مسرحية « فاتي اريان « التي كتبها الدراماتورج محمد ماشتي.
من تجليات قوة العرض المسرحي الذي تابعنا فرجته في مركب نجوم سوس بحي الفرح بأكادير، قوة الأداء المحكم للممثلة الواعدة فاطمة الزهراء الناقي. ليس من السهل أن يتوفق الممثل في ضبط تنقلاته، بل تحولاته النفسية و الجسدية بين شخصيتين إن لم نقل شخوص و حكايات انطوت عليها فصول العرض. طيلة مدة العرض و نحن نحلق في عالم مديا و علاقتها بساجون الحبيب الذي خان تضحية الحبيبة مديا بعد أن أهدته سر الحصول على الصوف الذهبي من أجل بلوغ المجد و الخلود. حتى لحظة الانتقام بقتل العروس و الأولاد، أولاد ميديا و ساجون بالطبع .
بالموازاة لذلك، يستدرجنا العرض بسلاسة و دون تصنع او حشو، يقودنا إلى تتبع حكاية الراوية و التي ما هي سوى مهاجرة عاشت تجربة الزواج المختلط و انتهت إلى خيانة هي أقرب الى قصة مديا. من هنا نجد مبرر توظيف مؤثثات فضاء البيت، مسكن الراوية طبعا، و بالتالي جعلها تأخذ دلالتها من خلال سرد اطوار الحكاية الرئيسية حكاية مديا، مما جعل السينوغرافيا المقدمة منسجمة مع فضاء الحكايتين.
لقد بقي المخرج مولاي الحسن الإدريسي وفيا لموقفه الفني في الإخراج المسرح . بما أنه يفلح دائما في جعل المتلقي متملكا لشفرات فك الرموز و دلالات كل عنصر من أكسسوارات العرض و إدارك الدال و المدلول حتى و لو تعددت وظائفه في المشهد المسرحي. إنه مخرج مبدع في حصر الفضاء المشهدي و ضبط مكوناته.
من جهة أخرى، و بالتوقف عند أداء الممثلة فاطمة الزهراء، تتجلى لنا قدرة المخرج على ضبط إيقاع العرض كي لا يختل ميزان الأداء. كيف لا و هو القادم من عالم الموسيقى و الغناء. زادتها المؤثرات الصوتية و خاصة الحان الأغاني التي أنجزها الفنان المختار بلخدير المصاحبة للعرض، اقول زادتها رونقا وجمالا.
جماليات العرض المسرحي، تكمن في هذه التركيبة المتكاملة بين فن الأداء و قوة السرد المتتالي للأحداث دون تكلف، هذا إلى جانب الاختيارات الجمالية للسينوغرافيا. و في اعتقادي هذا ما جعل جمهور الحضور الذي غصت به قاعة المركب مشدودا للعرض لما يزيد عن ساعة من الفرجة الماتعة.
المسرحية هي من إعداد د. ابراهيم الهنائي و اخراج مولاي الحسن الإدريسي الانجاز السينوغرافي صفية الزلزولي و الإضاءة مولاي أحمد ولد مو ثم التشخيص للممثلة الصاعدة فاطمة الزهراء الناقي، أما الاستشارة و المساعدة في الإخراج فكانت من انجاز عبد الرحمن خالص.
(°) كاتب وفنان مسرحي