كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط تحتفي بمحمد الداهي

تكريم مستحق لناقد يعرف جيدا كيف يبدع السؤال النقدي

 

نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط يوم الأربعاء 29 يونيو، حفلا تكريميا بمناسبة حصول الأستاذ والناقد محمد الداهي على جائزة الشيخ زايد للكتاب (صنف الدراسات النقدية)، بمشاركة ثلة من الأساتذة الباحثين الذين قدموا شهادات وقراءات في حق الكتاب المتوج وصاحبه الأستاذ والناقد محمد الداهي.

محمد يقطين: اعتراف بمساهمات الداهي النقدية

اعتبر الناقد سعيد يقطين في كلمته أن التكريم اعتراف بما أنجزه الداهي وعرفان بدراساته النقدية التي قام بها على مر مساره العلمي، وأن حصول الداهي على الجائزة لم يكن بمحض الصدفة، لكنه نتاج سيرورة عمل دؤوب خاصة أن الداهي رجل تشده قوة الإرادة وصدق العزم، مارس النشاط السياسي والنقابي والأكاديمي بالروح نفسها والصدق نفسه مضحيا بصحته وماله ونفسه وبذل المجهود تلو الآخر في تكوين نفسه، وفيا لمبادئه وطموحه.
سعيد يقطين، أكد في ذات الكلمة على حرص الناقد الداهي على القراءة بتأن وعمق داخل النقد الروائي وحتى السيميائيات والسرديات، حيث يبذل أقصى الجهد لكي يكون عطاؤه متميزا ومهما، ما جعله مثقفا وباحثا أصيلا شديد الحرص على القراءة لتطوير خزانة النقد العربي، مؤكدا على إخلاصه في العمل والارتقاء الذي أهله للفوز بالجائزة نظرا لتطويره لمساره مقتفيا آثار من سبقوه بما هو أجل وأسمى.

زهور كرام: الجائزة إعلاء لقيمة القيمة وانتصار للدبلوماسية الثقافية

اعتبرت الدكتورة زهور كرام بأن حصول الداهي على الجائزة هو فرح «نتقاسمه جميعا وانتصار حقيقي للفكر المغربي الذي هو انتصار لنا جميعا». وأضافت كرام في ذات السياق، أن الترتيب العالمي للجامعات يعتمد في الأصل كل الجوائز والأوسمة والمقالات العلمية المحكمة، ما سيمنح لكلية الآداب ولجامعة محمد الخامس درجة علمية أرفع يتم من خلالها تعديل الترتيب العالمي للجامعات الدولية.
واعتبرت المتدخلة ذاتها أن التكريم اليوم جاء في سياق الاحتفاء بناقد حرفي ومهني يعرف جيدا كيف يبدع السؤال النقدي، مضيفة أننا أمام لحظة احتفاء بقيمة القيمة العلمية الثقافية والفلسفية والفكرية التي إذا تراجعت تراجع المجتمع، وأنها تحصين لهذه المجتمعات من كل انفلات وتحصين للخطاب من أي انزلاق، وأنه حينما تتراجع قيمة القيمة تنتصر التفاهة. كما دعت د. كرام في كلمتها إلى الدفاع عن إنسانيتنا من خلال العلوم الإنسانية لأننا بحاجة إلى بناء مجتمع له حس نقدي، كما أن الجامعة المغربية مطالبة اليوم بتربية الحس النقدي أمام فوضى الخطابات فارغة المحتوى، وهي مهمة تاريخية تقتضي صفة الصرامة العلمية التي تنشئ جيلا مؤهلا للمسؤولية بعقله وليس بالمجاملة، منوهة بأن الكتاب المتوج له ذاكرة وتاريخ، فذاكرته جهد متواصل ومستمر في التفكير والسؤال والقراءة والمحاضرات والدفاع عن شرعية الشعبة والكلية، فللكتاب ذاكرة من كل هذه الممارسة في القراءة التي نحتفي من خلالها اليوم بمشروع ثقافي لا يقف عند المنافسة بين الذوات المفكرة، بل هو سباق بين الدول بمعنى أننا عبرنا حسب د. كرام إلى الدبلوماسية الثقافية الناعمة، وأن بحصول محمد الداهي على هذا التتويج فهو يمنح القيمة للعلم وللفكر النقدي الذي يتقدم به المغرب ويسوق لفكره ومفكريه.

د. فتيحة الطايب: كتاب نقدي لأدب السيرة بامتياز

بدورها تفاعلت د. فتيحة الطايب، وهي أستاذة التعليم العالي بكلية الآداب جامعة محمد الخامس بالرباط، مع بعض الاستنتاجات التي خرج بها الناقد محمد الداهي في كتابه «السارد وتوأم الروح» خاصة أن أهميته لا تكمن فقط في الدفاع عن أطروحته، بل في فتحه لإضاءات وطروحات جديدة في طور التكون.واعتبرت الباحثة أن أطروحة الكتاب المتوج تقدم إجابة لسؤال لم الإقدام على كتابة السيرة؟ ومدى قدرتها على تشكيل الهوية الفردية للمجتمعات والأفراد حاضرا وماضيا، لنكتشف بداية الصلة بين هوية الكاتب المتعددة ثقافيا ونوعيا، وبين الكاتب المتعدد الروافد بين البنية الثقافية والذات الناقدة، كما خلصت الباحثة ذاتها إلى أن المنجز النقدي المتوج «السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع» يعتبر أول محاولة عربية تحفر في المنطقة البينية بين ملفوظات الواقع وملفوظات التخييل في إطار ديمومة ظاهرة الإنتاج النقدي التي تطبع مسار الكاتب والناقد والأكاديمي محمد الداهي.

د. يحيى عمارة: الجامعة مرآة أكاديمية منتجة

اعتبر الباحث يحيى عمارة بأن المغرب الثقافي المعاصر حاضر في كل المشاهد الدولية من خلال مثقفيه وجامعييه، مؤكدا على أن الجامعة مرآة أكاديمية منتجة ومثمرة خاصة أن النقد الجامعي له وظائف عدة في النهوض بالتنمية الثقافية وكذا في الدبلوماسية الثقافية التي لها دور أخلاقي ووطني وإنساني كبير.
إن حصول الداهي على هذه الجائزة الدولية دليل على تميز فكره، بل إن الأمر يعود حسب د. عمارة إلى مسارات نقدية هائلة وزاخرة بإضاءات تكمن في بحث الداهي نفسه عن أجوبة نقدية لسؤال السرد ولعوائلهم المتعددة، ما أسهم في الرفع من قيمة العرض الفكري المغربي والمعرفي لمحمد الداهي الذي تشكل كتاباته دائما أحداثا نقدية.
واعتبر نفس المتدخل، أن الكتاب المتوج هو إضافة نوعية للريبرتوار الثقافي المغربي المعاصر، متحدثا عن المشروع السيميائي لمحمد الداهي والذي يمكن إدراجه ضمن المشاريع النقدية المعاصرة التي تستوعب النماذج الحديثة للدراسات السردية وتطبيقها خاصة المدرسة الفرنسية.
فالناقد محمد الداهي تأثر تأثرا معرفيا وجماليا بالمدرسة البنيوية التي قرأت النص من خلال السرديات الذاتية،كما أماط اللثام عن نشأة الأنا في الفكر وتجلياته في السيرة الذاتية التي تعتبر ميزة من مميزات المشروع النقدي لمحمد الداهي خاصة أنه لم يكتف بالمرجعية السيميائية البنيوية فقط، بل سعى إلى الرؤية المعرفية التي تنطلق من الجمع بين النقد السيميائي والتفاعل الثقافي بين السيرة الذاتيه من جهة، وبين التخييل والحكائي رؤية ومنهجا ومقصدية من جهة أخرى.
تكمن ميزة الكتاب المتوج حسب د. عمارة في تحدثه عن السيرة الذاتية بأدوات السيرة الذاتية الإبداعية في النقد والتي تتجلى في اعتماد الكتابة النقدية التي تجعل الكتابة النقدية جمالية، وأن الكتاب المتوج قد أحيى السيرة الذاتية نقديا وإبداعيا، منتصرا للتكامل بين حضور المعرفة والنقد، وبين الجمال والعشق أو لذة كتابة النص، فالداهي تفاعل مع السيرة الذاتية بلذة الكاتب، ومتابعته النقدية التي تستند إلى المرجعيات التاريخية الفكرية والثقافية والأسطورية في تركيب مرجعي يدرج المنجز النقدي ضمن الدراسات النقدية المقارنة بين الجنس الأدبي الوحيد وبين الدراسات النقدية المتعددة في اعتماده على الانسجام بين النظري والإجرائي بين الرؤية والمنهج، فهو مشروع دراسة علمية أخرى للكتاب وأن العمل في الأصل مقاربة تعتمد بالوقوف على خصوبة النصوص المتعددة ما مكن من تأويل الذات من خلال سؤال السيرة الذاتية في السرد العربي وكذا قوة الكتاب التي تكمن في حضور الوعي النقدي المتمكن.

د. ادريس الخضراوي: الداهي منحنا قارات من التأمل

إن الداهي لم ينغلق على نفسه في حدود التصور الذي تبلور في السبعينيات، بل انفتح على الأعمال الحديثة التي انفتح أصحابها على سؤال الذاكرة، خاصة في بعدها الانسيابي حسب د. الخضراوي، ما يشكل تصورا عميقا لانفتاحه على كل الأعمال التي توسع الهوية السردية التي لا يتلمسها إلا من خلال السرد فقط بل ومن خلال محكياته عن الذات وعن العالم.فالناقد الداهي وبحسب انفتاحه على مجموعة من المرجعيات الفلسفية، ينفتح على الدراسات الغربية التي يستثمرها بذكاء متميز، سواء تعلق الأمر بالسيرة الذاتية أو بالرواية.
فالداهي لا يغلق على نفسه في إطار تخصصه وهو السيميائيات الذاتية بل يتناول القارة المجهولة لتلك التحولات التي طرأت على السيرة بحيث اكتشف أن الحقيقة ليست فقط أهم شيء في السيرة الذاتية، بل أن مفهوم الحقيقة مفهوم مكتسب خاصة أن هناك بعض الباحثين ممن يحاولون أن يتلمسوا الحقيقة مقتربين منها وفقط.
الداهي حسب كل المتدخلين، منحنا قارات من التأمل لأن قلمه أسعفه في منحنا جواز سفر إلى ملكوت الكتابة في أوجه التخفي والانزياح في دروب قارة مجهولة انتظمت فيها المعاني بين الاشتغال والاشتعال، اشتعال الفكر بالتأملات التي نجد من خلالها أنفسنا مختلفين عما بدأناه لأن جوهر القراءة تتشكل فيها الذات في زحمة المعنى في سياق التعدد وفي سياق كتابة متعددة لمحمد الداهي الناقد والباحث الواحد المتعدد.


الكاتب : إيمان الرازي 

  

بتاريخ : 04/07/2022