الأزمة والغلاء وأعطاب السوق الديموقراطية الكبيرة

عبد الحميد جماهري

ليس من حق الحكومات أن تجيد الرثاء، ليس من حقها أن تحسن الهزيمة، لأن الثمن السياسي لذلك هو ..الرحيل !
الحكومة تملك، دستوريا وديموقراطيا، (نقولها مبدئيا)، كل ما ييسر لها ترسانة الجواب على واقع الحال.
وترسانة الدفاع عن القدرات الشرائية للمواطنين، في سماوات أخرى، تتضمن العديد من الإجراءات، من بينها الحد من سومة الكراء، تقديم دعم للمواد الغذائية في نهاية الصيف وبداية الدخول المدرسي، التعويض عن المحروقات، كما في إسبانيا، تضريب الأرباح، التخفيف من الضريبة على السمعي البصري مثلا، الرفع من منح الطلبة وتوسيع وعاء الخدمات الاجتماعية… إلخ، ويكون النقل في هذه الترسانة من أولويات الناس…
في فرنسا التي تقدم فيها الرئيس بإجراءات ملموسة لتعليق الضريبة على استهلاك الوقود، كانت هناك العديد من الخطوات الأخرى انبنت على الإرادوية الخاصة بالشركات التي دعت إلى تقليل الاستهلاك…
وهو الهدف الذي سعى إليه فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، عندما حذر من أن الجهود التي تبذلها أوروبا لتنويع مصادر إمداداتها لن تكون كافية لتخطي فصل الشتاء من دون الغاز الروسي، وحض على السعي فورا لتقليص الطلب…
وهو المقترح، الذي تقدمت به المفوضية الأوروبية ضمن خطة لخفض الطلب على الغاز بنسبة 15 % حتى الربيع المقبل، على عكس الحكومة المغربية التي دعمت النقالة كي يستهلكوا أكثر…وتركت عشرات الملايين من المواطنين عرضة لقانون السوق والغلاء…
وبذلك تكون الحكومة قد تخطت كل العتبات الممكنة في تضارب المصالح فتحولت إلى وسيط رسمي بين شركات التوزيع النفطية وبين المستهلكين !
وفي فرنسا، التي يفضلونها في أسلوب حياتهم الخاصة، ما زالوا يناقشون، منذ يوم الاثنين، مشروع قانون يخص القدرة الشرائية للفرنسيين !
عندنا، لم يعد السؤال المحرج يتمثل في معرفة ماذا لا تستطيع الحكومة القيام به، بل ماذا تنتظر الحكومة من مقترحات تأتي من المعارضة وقد تجاهلتها طويلا وتجاهلت مقترحاتها؟
وماذا تنتظر من المجتمع المدني والنقابات وقد فرضت عليهم قوتها العددية وتجاهلت مقترحاتهم ؟
وقد صار السؤال الأكبر: لماذا لا ينتظر المغاربة من الحكومة قرارات جريئة تبرئ ذمتها من الجمع بين السلطة و«تربية» المصالح وكرتيلات الربح الفاحش والتغول الاقتصادي بعد التغول السياسي؟
لماذا يرفعون «مناقير أملهم» نحو السماء في انتظار حل لا تستطيعه الحكومة ولا تريده؟
لماذا لا يقدمون طلبهم لحكومة تملك عروضا تعرضها عليهم وقتَ «السوق الديموقراطي الكبير» ولا تملك التجاوب مع ما يطلبونه وما يقدمونه من طلب؟
هذا هو السؤال…
لقد أعطت قوانين «السوق الديموقراطي» الكبير الفوز لثلاث قوى سياسية، تصدرت النتائج والمقاعد والجهات والمجالس .. والخطاب، ولم تفلت من تصدر المشهد برمته إلا في ما يتعلق بتحمل المسؤولية التي يفترضها الانتصار !
ربما تفرض الحالة السياسية الراهنة، وطبيعة النخبة وطبيعة القوى السياسية أن نفكر في تطبيق قوانين العرض والطلب، والانتقال من تحليل المشهد من زاوية قانون الطلب السياسي للمواطنين( وهو هنا طلب مواجهة غلاء المعيش اليومي)، إلى قانون العرض السياسي… للحكومة.
ولهذا، وبحصول هذا الانتقال، سنلاحظ بدون كبير عناء أن العرض السياسي لأحزاب الحكومة والطلب المقدم من طرف الشعب لا يسيران في نفس الاتجاه، بل هما متوازيان في اتجاه معاكس، لأن الحكومة تعالت عن أصوات المغاربة، الذين أوصلوها، ولم تر في طلبهم ما يساير عرضها !
ويصبح طبيعيا أن من يفكر في الطلب اليومي والمعيشي للشعب، ويتولاه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، هو ملك البلاد، كما حصل ويحصل دائما في المراحل المفصلية التي طبعت عقدين من العهد الجديد…
لا نريد «الغدر» بالمنهجية الديموقراطية ولا بالتعددية التي تكرست دستوريا وميدانيا وديموقراطيا، وصارت قناعة مركزية في سلوك الدولة حاليا، والملك هو الذي يذكرنا بها في كل لحظة، نريد فقط أن نفهم الأمر والبحث عن مخرج لهذا العجز، ومن يدفع الثمن ومن يريحه الاستمرار في الربح !
عندما تقدم البلاد برمتها طلبا فإن التجاوب في قضية المحروقات لا يكون من طرف الجهاز التنفيدي…
حدث ذلك طوال هذا العهد، وسيحدث دوما في اللحظات الصعبة، كما وقع إبان الكوفيد…
لماذا نخمن أن المغاربة لا ينتظرون تدخل رئيس الحكومة ؟
* أولا: يمنع تضارب المصالح القدرة على التفكير السليم في هموم المغاربة، ويتوازى الربح الخاص مع تراجع الصالح العام…
* ثانيا: من المفروض أن يقدم مجلس المنافسة خطاطاته في نهاية الشهر الحالي في تزامن مع عيد العرش المجيد، ولا يمكن أن يتموقع المجلس تحت سقف أقل من السقف الذي وضعه سابقه، بخصوص الوقوف على غياب المنافسة والدعم المتبادل بين المعنيين في السيطرة على السوق واحتكار أسعارها..
وعلى حد علمنا أن الرئيس السابق أخِذ عليه أنه لم يحترم المسطرة الخاصة باتخاذ القرار ولم يؤخذ عليه القرار نفسه القاضي بدعيرة 9 % من الأرباح…
ويكون الخلاف حول عيوب في الشكل لا في الجوهر، كما يقول المحامون…
* ثالثا: الحكومة لحد الساعة أخلت بالتعليمات الملكية الخاصة بتوفير شروط قيام منظومة الاحتياط الاستراتيجي، وحتى الميدان الذي باشرت فيه هذا المجهود ما زالت عند عتبة التذكير بضرورة إيجاد آلية وطنية لتوفير هذا الاحتياطي الاستراتيجي الوطني (الغذاء مثلا)…
* رابعا: لا تبدو الحكومة شاعرة بهول ما يقدمه المغاربة من تضحية لأجل بلادهم، وهي تنتظر من يتحمل العبء مكانها في ذلك ويتخذ القرارات الصائبة لأجل ذلك، فالتغول السياسي المرفوق بالتغول الاقتصادي فصلها عن معاناة شعب لجأت إليه في السوق الديموقراطي الكبير…(ما زلت أصر على كلمة السوق، ومن أراد أن نعطيه بعض المعلومات عن المشتريات والمبالغ التي تم تداولها قصد ذلك… مرحبا)..
* خامسا: لعل الأبرزمن بين الموقعين على «هاشتاغ» رحيل أخنوش هو الناطق الرسمي باسمه وعضو قيادة حزبه، الذي أعلن على رؤوس الأشهاد أن الحكومة وصلت إلى نهاية مقترحاتها بخصوص الأزمة، لعله التعبير المجازي عن انتهاء مهمتها في إيجاد الحلول، عندما يطلب الناطق الرسمي من جهة غير الحكومة بمده بالحلول، التي لن ينفذها في الواقع، فهو يوقع «هاشتاغ» لنرحل كلنا..ما دمنا عاجزين عن إيجاد الحلول !!!!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 21/07/2022