تصوير الواقع في «ظلال وارفة» للكاتبة سعاد الناصر

تُعد الأديبة المغربية سعاد الناصر قلمًا من الأقلام المغربية التي أخذت على عاتقها المساهمة في توهج المنتج السردي بالمغرب. وقد عُرفت بين المبدعات والمبدعين العرب، بوصفها شاعرة وناقدة وقاصة. صدر لها في الشعر: ديوان «لعبة اللانهاية» (1985)، «فصول من موعد الجمر» (1986)، «سأسميك سنبلة» (2003)، «هل أتاك حديث أندلس»(2010). وفي الرواية نشر لها عملها المعنون بـ: «كأنها ظلة» (2019). ومن جملة أعمالها الأخرى، ما عكفت عليه في تحقيقها لرحلة محمد بن عبد الله الصفار الموسومة بـ» الرحلة التطوانية إلى الديار الفرنسية»، ونشر كتاب بلاغة القص في القرآن الكريم وآفاق التلقي (2015)، وكتاب: «قضية المرأة .. رؤية تأصيلية» (2004)، وكتاب «الدعاء: سبيل حياة طيبة»، عن كتاب الأمة بقطر سنة 2006. ومما تحفل به تجربة الأستاذة سعاد الناصر المجموعة القصصية «ظلال وارفة» (يوليوز 2007) التي تتألف من عشرين قصة، مطلعها قصة رجوع، وخرجتها نوارس اليقين، وما بينهما قصص من قبيل: حين تزهر أوراق السفر، وحينما تتكلم المرأة، وأغصان السكن. ولمّا شكّل هذا المنتج الإبداعي ثمرة من ثمار النضج السردي الذي وصلت إليه المبدعة برصانة القصّ، فقد وزّعت صوت السارد بين الأنا بما ينطوي عليه من ارتباط بالذاتية واتصال بها، والهو بما يحيل عليه من رغبة في إيهام القارئ بالموضوعية والالتزام بالحياد.
تُطالعنا الأديبة سعاد الناصر في قصة مقلاة السفنج، على جانب قاتم من جوانب الحياة التي يعيشها عدد الأطفال في كثير من الأوطان، خصوصا بعد رحيل آبائهم، وما يخلفه اليتم عليهم من معاناة وألم، إذ يتعرضون لشتى مواقف القسوة والضياع في الطرقات والدكاكين التي يتوجهون إليها بغية الحصول على دريهمات تجنبهم بعضا من غياهيب الفقر والجوع في لحظات زمنية يبتعدون فيها عن المدرسة التي يرتادها أقرانهم من الأطفال. من هنا شرعت الأديبة سعاد الناصر على لسان السارد في سرد قصة طفل أسلم أبوه الروح إلى خالقها، وتركه يصارع الحياة مع امرأة وصبيين وبنت لم تبلغ عامها الأول، فلم يجد الطفل حلا بديلا عن الخروج للعمل، وهو الذي ترعرع في حضن أبيه الحنون، الذي يقوم بتدليله، وكأنه يُقدم له زادا يستطيع به مواجهة الزمن. وعلى الرغم من معاملة زوجة أمه بحبّ وحنان منذ دخولها بيتهم الصغير، إلا أن خارج البيت لم يكن سوى فضاء مفعم بالقسوة والتناقض بين حال الطفل وأحوال الغير. ومن جملة ما عملت الكاتبة على نقله للمتلقي صورة الطفل، وقد أخذ ينفض الخرقة البالية، ويمسح سيارة فخمة، لينتهي صنيعه بأن أمسى وجهه لوحة رمادية قاتمة من تطاير رذاذ ماء فاحم، التصق بوجهه وعنقه، بيد أنه كان ينتظر استجابة على شكل دراهم تشفي غليله، ليصطدم بردود اتسمت بالقسوة. تقول الكاتبة على لسان السارد: جاء صاحب السيارة يجر مشتريات ومأكولات تطعم عشر أسر في شهرين، نهر الطفل الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره : تنح جانبا. قال الطفل باستجداء: انظر إليها سيدي، نظفتها جيدا. رد عليه بغلظة : لم أقل لك نظفها هيا ابتعد. تتوالى خيبات أمل الطفل، وبعدما فرّ صاحب السيارة تاركا الطفل حزينا، أخذ يجري في اتجاه سيدة تفرغ مشترياتها في صندوق سيارتها، غير أنها أبعدته بغضب. قالت: من أي داهية تطلعون، ابتعد من أمامي… ارفع يديك القذرتين… وتنتهي القصة بقدوم الطفل إلى دكان المعلم السفانجي قصد العمل فيه، غير أنه لم يتمكن لقلة خبرته من سبك العجائن وصنعها، فشتمه ولد المعلم وأخذ يصيح في وجهه، وبعدما تشبث بحافة المقلاة الحامية، انقلبت على جسده الصغير، وصار يسبح في بركة من الزيت الملتهب.
يرى الكاتب والناقد الانجليزي تشارلز تشادويك أن الرمزية عملية استخدام صورة محددة للتعبير عن أفكار مجردة وعواطف. من هنا اتخذت الكاتبة على لسان السارد في قصة « عندما تتكلم المرأة « من وقوف امرأة أمام مرآة فضاء للتأمل في حياة المرأة التي تتوق إلى النجاح خارج البيت، وذلك بتحقيق جزء من هدف وجودها، في لحظة ارتبطت بمناسبة خطبة فتاة أحلام ولدها، وامتزج فيها الفرح بالترح. تقول الكاتبة : وقفت أمام المرآة، كان يوما مهما في حياتها، فاليوم ستذهب لخطبة فتاة أحلام ولدها. يجب أن تكون في أكمل أناقتها، فهي أم العريس … لم تدخل إلى غرفتها، كي تستعد للخروج معه إلا بعد أن اطمأنت على أناقته، وعلى الهدايا التي حرصت على انتقائها بنفسها معه.
تقرر المرأة بعد تفكير في الماضي، وتأمل في الحاضر الرجوع إلى مقاعد الدراسة، وعلى الرغم من تهكم واستهزاء كل محيطها من أهل ومعارف بانتسابها إلى كلية الحقوق، إلا أن ثقة زوجها في إصرارها وتحديها، مكّنها من الوصول إلى هدفها، فأحرزت نجاحا تلو الآخر، وتفانت في خدمة بيتها ومجتمعها، وأمست تبتعد شيئا فشيئا عن المرأة وتفاهتها.
وفي قصة «البحر» اتخذت الكاتبة من حلم الهجرة إلى الضفة الأخرى مناسبة لتعريف القارئ بقدرتها الإبداعية التي انطلقت فيها من أسطورة عروسة البحر بغية الالتفات إلى ظاهرة الهجرة وما تخلفه من آثار في ذهن الناس من الطفولة إلى الشباب وما تؤدي إليه قوارب الموت من فواجع، يتطلع من خلالها الأقرباء لمعرفة مآل قطعة من كبدهم. تقول على لسان السارد: انصرمت الأيام والشاب غائب عن القرية، قيل أن عروس البحر أخذته إلى أعماق البحر بعد أن عشقته منذ أن كان طفلا، وقيل غرق في البحر، وسيظهر قريبا، وقيل هناك من رآه في الضفة الأخرى متأبطا ذراع شقراء جميلة، وقال أمام المسجد تعالوا نقرا عليه القران ونهديه له حيا كان أو ميتا.
يتضج جليا أن الأديبة سعاد الناصر، قد نجحت في تصوير عدد من الظواهر الاجتماعية التي تتصل بالأفراد داخل المجتمع بريشة قلمها المتخيل، وهذا ما كشفت عنه القصص التي سردتها القاصة في المجموعة القصصية « ظلال وافرة « باقتدار إبداعي، مما يجعل القارئ يخلص إلى عمق اطلاعها وحصافتها في اختيار الموضوع والعبارة والكلمة التي اتسمت بالشاعرية والدقة في تصوير الشخصية، بمختلف الأمكنة التي اختارتها في سردها المتخيل، والتي تميزت بالتنوع ما بين فضاء داخلي وآخر خارجي.


الكاتب : عبد الرحيم سكري - المغرب

  

بتاريخ : 03/08/2022