لم تسلم شوارع عديدة بمدينة الدار البيضاء من مظاهر البداوة الطاغية على جنباتها، حتى أن المار منها يخيل إليه أنه وسط قرية أو حظيرة للحيوانات مليئة بالأحصنة والحمير والكلاب الضالة، وخير مثال على هذا شارع ادريس الحارثي الذي يوجد في قلب الدار البيضاء، فبعد أن بدأ إنجاز مشروع الترامواي الذي يعتبر مظهرا للحضارة والحداثة جاءت الحمير لتتخذ من السكة مربطا لها وتعود بالشارع إلى زمن البداوة.
هذا التعايش بين التمدن والبداوة كان حاضرا في الشارع خصوصا والمنطقة عموما قبل بداية أشغال خط الترامواي رقم 3 بل وحتى قبل دخوله المغرب، فجميع الأحياء المحيطة بالشارع تشهد نوعا من الترييف، حيث لا يمكن أن تجد حيا ليس فيه عربات يجرها حمار مخصصة لبيع الخضر والفواكه أو نقل السلع مثل مواد البناء والأثاث أو الخردة (البوعارة)، إضافة إلى عربات الكوتشي وعربات (الكرويلة ) التي تعمل على نقل الساكنة من مكان لآخر، وكل واحدة منهما تتخذ شارعا معينا كممر لها مخلفة وراءها فضلات الدواب والأوساخ، إضافة إلى مرابط الحمير والأحصنة التي لم يسلم منها أي حي في المنطقة، فأينما كانت هناك بقعة أرضية خالية أو لم تبن بعد، ستجد حمارا أو بغلا أو حصانا مربوطا فيها محاطا بالأزبال والفضلات من كل الزاويا.
أما في بعض الأزقة فهناك من يربط حماره إلى نافذة بيته أوأي مكان قريب والآن أضيفت للقائمة سكة الترامواي، ففي شارع ادريس الحارثي مثلا قرب المعهد المتخصص في الصناعة التقليدية تطالعك كوكبة من الحمير مستمتعة بإطلالتها من نوافذ صنعت من القصدير الملون بالأزرق والبرتقالي، والتي توحي بأن المنطقة المخصصة للأشغال باتت الآن مستعمرة للحمير والدواب، والأمر لا يقتصر فقط على هذه الأخيرة بل هناك حتى الكلاب والأغنام والأبقار التي تتقاسم مع الساكنة حيها.
فالكلاب الضالة مثلا منتشرة في جزء من شارع ادريس الحارثي قرب حي المسيرة بشكل أكبر من باقي الحيوانات، إذ تتخذ المنطقة مكانا مخصصا لها تتعايش فيه مع البشر بالرغم من أنها تشكل خطرا جسيما على الساكنة، لكن لحد الآن لم تجد من يقضي على وجودها في هذا المكان، أما الأغنام والأبقار فهي ترعى في أرض شاسعة مليئة بالنفايات والأزبال بذات الحي باحثة عن لقمة عيش تسد رمقها.
وعلى ذكر الأزبال فالشارع منذ القدم وهو يعاني من تراكمها في الرصيف وأحيانا تتراكم حتى تصل إلى الطريق الخاص بالسيارات أما الآن فباتت تشكل زربية ملونة من الأزبال تغطي سكة الترامواي، إضافة إلى رميها قرب المدارس والثانويات مما يجعل عبارة «ممنوع رمي الأزبال» تؤثث جدران الحي، لكن من يبالي، وكأن أماكن وضع القمامة لا تتناسب إلا مع المدارس ودور الثقافة والشباب…
هذه الحيوانات المنتشرة في كل مكان تجعلك تحس وكأنك في بادية وسط مدينة أو مدينة وسط بادية المهم أن الجانب القروي لا يزال حاضرا ولو بعد مرور عقود من تحويل تلك الأراضي الزراعية إلى حي شعبي .
هذه المظاهر السلبية لم تمر مرور الكرام على وسائل التواصل الاجتماعي حيث تنتشر صور الحيوانات والحمير على الحوائط الفيسبوكية منددة بهذا الأمر المشين الذي يسيء إلى العاصمة الاقتصادية، وآخرها كانت صورة لحمار تحيط به الأزبال من كل مكان وسط سكة الترامواي نشرتها صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي جعلت فئات واسعة من المواطنين تعلق على تلك الصورة بين من يستهزئ ومن يلوم أو يدافع.
فالمستهزئون اعتبروا المكان مومباي المغرب واللائمون حملوا المسؤولية للسياسيين المنتخبين في المدينة، متهمين إياهم بالإهمال، وآخرون طالبوا بقانون يحد من هذه الظاهرة، فضلا عن الفئة التي لامت الساكنة واعتبرت أن المهاجرين من البادية لم يتخلصوا من ماضيهم وأطلقوا العنان لثقافتهم القروية ولم يستطيعوا التخلص من مظاهرها .
من الناحية القانونية، يعتبر القانون أنه لا يوجد، غالبا، عنصر جرمي في حالة ربط حمار في سكة الترامواي خارج الخدمة، ولا توجد أي نصوص قانونية لهذه الحالات أو مشابهة لها، إلا أن مصدرا مطلعا اعتبر أن محطة الطرامواي ملك خاص ولا يجب على أي أحد استغلالها بأي نوع من الأعمال . مشيرا إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل الشركة لإزالة تلك الحمير من السكة أو أن ترفع شكاية لوكيل الملك في حالة تعذر التواصل مع مالكي تلك الحيوانات، مضيفا أن كامل المسؤولية القانونية يتحملها مالك الحمير باعتباره حارس الحيوان حسب المادة 139 من القانون المدني. إذ يعد المالك أو الحارس مسؤولا عن أي ضرر يحدثه الحيوان.
فهل ستستيقظ يوما الدار البيضاء، أكبر مدن المغرب وأهم المدن الإفريقية، وقد قطعت مع هذه المظاهر السلبية التي تغطي على كل الإنجازات والبنى التحتية الهامة التي أنجزت بها، وهل ستنعم ساكنتها بشوراع وبيئة نظيفة بعيدة عن التخلف والبداوة ومظاهر الترييف التي تؤثث مناظق عديدة منها؟
(*)صحفية متدربة