المخيمات التربوية في المغرب..

15

تناقضات أزمة وآفاق واعدة

بعد الجائحة وتوقيف المخيمات، يكون الوضع الحالي للمخيمات التربوية في المغرب من أعقد الملفات التي يستوجب تجميع الهمم وتظافر الجهود للدفع به إلى مسار واضح ومخطط ومعترف به، لا إلى لا موقف ولا رؤيا.
لقد عرفت المخيمات في المغرب والتي ظهرت منذ قرن من الزمان واصبحت لها مكانة مجتمعية منذ اربعينيات القرن الماضي ووجدت تجذرا لدى كل فئات المجتمع وطبقاته باعتبار تشابهها مع سلوك اجتماعي لدى المغاربة في كل المناطق تقريبا ولدى كل مكونات المجتمع وهي « النزاهة» التي تعرف لدى الطلبة ولدى الحرفيين ولدى الفئات الميسورة سواء في المواسم القبلية الدينية أو موازاة مع المواسم الفلاحية. وعرفت توجها نحو مأسستها وتحديث تنظيمها، بإسناد الإشراف عليها بل تسييرها إلى قطاع حكومي راكم باعا طويلا وتجربة ودراية بالملف دعمه بأربع مناظرات التأم فيها كل المتدخلون وتظافرت جهودهم للرفع من مستوى الأداء سواء للقطاع العام أو شبه العمومي أو الخاص، هذا الأخير الذي أصبح اليوم يمثل أكثر من تدخل القطاع العام في الموضوع عددا ونوعا وتحديات.
عند التوقف الناتج عن الجائحة وما بعدها ارتفعت أصوات تقترح بدائل ولو مرحلية وتقترح اساسا استغلال الفرصة للقيام ببعض المراجعات الضرورية سواء بالنسبة لمستوى منشئات مؤسسات التخييم الرسمية والمطالبة بإعادة هيكلتها وتجديدها وتجديد هياكلها أو بالنسبة لمشكل تكوين أطر العاملين في القطاع بالخصوص أعضاء الجمعيات العاملة فيه،
لكن مع الأسف عرف القطاع تناوب عدد من المسؤولين بسرعة منذ قبل الجائحة مما ترك فراغا وضعفا في التعامل مع هذا الملف على حساب اولوياتهم مع الرياضة عندما كان القطاع مسؤولا عنهما، ومع مهام النيابة أكثر عندما كان فراغ المنصب هو الأهم في المنصب!

مرسوم المخيمات:

في غشت من السنة الفارطة صادقت الحكومة على مشروع مرسوم رقم 2.21.186 يتعلق بتنظيم مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب. يهدف إلى تنظيم مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب، بوضع إطار تنظيمي خاص يؤطر مراكز التخييم المذكورة، وتحديد الشروط الأساسية لتحسين خدماتها لجعلها تتسم بالجودة، واعتماد آليات تؤطر كيفيات استفادة الهيئات المعنية بأنشطة التخييم من هذه الخدمات.
ويستدعى هذا المرسوم الملاحظات الرئيسية التالية:
لم يتطرق المرسوم إلى المخيم كمؤسسة مجتمعية لها وجود خارج وزارة الشباب والرياضة، ونعني بذلك تلك المخيمات التي تنشئ بمبادرة من الشؤون الاجتماعية لبعض القطاعات الحكومية أو الشبه عمومية، أو تلك التي تنشئ بناء على برامج استثمارية خاصة في مدارس خاصة أو بنايات معدة أو غير معدة لهذه الأنشطة.
وهذا التراجع عن إشراف لم يكن واضحا سينتج عنه خلل في المنظومة حيث سيخلق حالات شاذة في قطاع اجتماعي بامتياز ومطلوب وواعد.
كما لم يتطرق هذا المرسوم للعلاقة القانونية التنظيمية المفترضة بين جامعة تطمح لان تكون منظما وشريكا في القطاع ولها موقع بحكم القانون لا بحكم المتعارف عليه وسيط بين الجمعيات والوزارة!
ولم يتطرق المرسوم اياه إلى منظومة تكوين الراغبين في التنشيط التربوي لجماعات المستفيدين من المخيمات، لا بتأكيد المسطرة المتبعة اليوم ولا بإسناد ذلك مستقبلا لجهة معينة ولا بضبط مفاهيم ومنطلقات التكوين المفترض.
إن مناقشتنا اليوم لهذا الموضوع تهم جانبا لو تم التفريق فيه بين المخيمات(التربوية) والمصطافات (السياحية) كجزء من المفاهيم التي يجب معالجتها قانونا بجانب مختلف المعايير والضوابط ستكون هذا العمل صبغة متكاملة وشاملة كما هو مطلوب.

مشكل الفضاءات:

إن فضاءات التخييم على قلتها لم تعرف تطورات منذ عقود- حتى لا نعود باستمرار لفترة الحماية- في عددها فإنها عرفت مخططات بطيئة، وتباطئ بشكل واضح منذ الجائحة لإصلاح وترميم واعادة هيكلة منشئات تآكلت وتقادمت، وقد كانت فترة الخروج من موجة الجائحة الاولى فرصة لا نظير لها للقيام بذلك سواء من حيث الوقت حيث ألغيت المخيمات أو من حيث الميزانية حيث لم تصرف ميزانية تلك السنة وكان الحري بها أن يتم تحويلها لهذا الغرض. بل إن هذه الفضاءات عرفت تقليصا من حيث حمولاتها واجتثاثا لها من حيث رقعتها واقفالا طال البعض منها لأحكام واهية وغير معروفة.
إن تجديد الفضاءات وانشاء الجديد منها وتأسيس مخيمات مطلب قائم منذ القدم، ولم يعرف خطة واضحة على الرغم من العديد من الاقتراحات التي يتم التعامل معها باستخفاف ومنها بالأساس استعمال منشئات الوزارة نفسها التي لا تشتغل في عطلة الصيف ومنشئات قطاعات أخرى تمثل إمكانيات محترمة وتستغل لأسباب أخرى لأنشطة أخرى للدولة ونقصد بذلك المؤسسات التعليمية.
وبالنسبة لفضاءات الوزارة نفسها فقد سجل من قبل اقتراح تحويل الاعتمادات كلها بمناسبة اقفال المخيمات الى اعتمادات للإصلاح وتجديد تجهيزات الايواء والاستقبال، واقتراح انشاء صندوق وطني لدعم هذا الموضوع، واقتراح تخصيص أو تفويت المخيمات للمنظمات لإعادة هيكلتها بمعرفتها وبالإمكانيات التي يمكن أن تعبئها، واقتراح ادماج هذا الموضوع في مبادرات وبرامج وطنية من قبيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبرنامج أوراش وبرامج تنموية للجماعات الترابية…

مدة التخييم:

عرفت بلادنا اضطرابا خطيرا في مدة التخييم القانونية تمثل أساسا في إقرار تراجع مدة التخييم كحل «سهل» للرفع من عدد المستفيدين، وذلك بالتخفيض المستمر من 21 يوما المعروف عالميا تربويا وصحيا كحد معقول للاستفادة من تغيير الجو والسفر ومن برنامج مغاير للبرنامج العائلي داخل الأسر. وقد بدأ هذ «التناقص» منذ ثمانيات القرن الماضي بتخفيض مدة التخييم الى17/18 يوم فقط من أجل الاستفادة من متبقيات ميزانية التخييم في نشاطات أخرى.
ثم بعد ذلك بحجة عطل الأعياد (الفطر والاضحى) وتزامن شهر رمضان ضمن العطلة الصيفية! ثم بحجة تناقص مياه العيون الطبيعية التي تكون غالبا مصدر تزويد مخيمات الغابات بمياه الشرب أساسا.
ولقد بلغت هذا الموسم عشرة أيام وثمانية، وباحتساب يومي السفر للذهاب الى المخيم والعودة منه فلن يتأقلم الأطفال مع طبيعة المخيم كطقس ومؤسسة وبرنامج حتى يستدعون الى الرحيل!
المطعمة:
كحل لسوء تدبير الذين ساهموا في «مخيمات « العقد الاخير بدون دراية ولا تجربة ولا اختصاص، حيث انه ب «تعميم» الترخيص للراغبين في التخييم بدون معايير ولا شروط موضوعية ولا تجربة ولا تأطير، حصلت حالات شاذة لا تربوية وحالات تسمم من الخطورة أن أسرع المسؤولون المستوردون باقتراح وتطبيق إسناد تغذية الأطفال إلى متعهدين في إطار مناقصات، لا تراعي خصوصيات التواجد داخل المخيم وتخلط بينه وبين المناسبات العائلية من جنائز وأعراس! ولا تراعي الهدف من تغيير نمط الحياة باعتماد حياة جماعية مشاركة يتشارك فيها الجميع في كل أوجه الحياة ومهامها ويكون الهدف البيداغوجي هو الأساس من هذا المشترك مع نقط أخرى وعناصر اخرى للحياة الجماعية المادية والمعنوية.
كما أنه لم يتم الإعلان عن أغلب الصفقات والبرنامج المعتمد ولم تحدد مساطر لتتبع الموضوع في عين المكان وبالخصوص لمعالجة الحالات الاستثنائية التي يعرف أغلب المتعهدين كيفية اللعب عليها! بل كثر الحديث عن خروقات ولجن فحص واستطلاع!

التأطير التربوي:

يتم التأطير التربوي المباشر من طرف الجمعيات المشاركة في تنظيم المخيمات ( أو أولئك الذين يستوردون منها للأعمال الاجتماعية لأغلب القطاعات، الا ما ندر، وكذا حتى القطاع الخاص) هؤلاء يكونون قد استفادوا من دورات تكوينية تنظم من طرف القطاع الحكومي المكلف بالمخيمات أي وزارة الشباب، هذه الدورات منظمة بمذكرات داخلية وقد اغفل عن ذكرها المرسوم المشار اليه سابقا، وقد تمت مطالبة الوزارة بعدم ترك فراغ السنتين الاخيرتين بتنظيم لقاءات تكوينية ولو عن بعد، اعتبارا لان اغلب هؤلاء المنشطين هم من شباب الجمعيات المتطوعون ويستمرون في منظومة التخييم لسنوات قبل الحصول على» دبلوم مرشد المخيمات الصيفية»  كما هو يدعى، ويحتاج إلى اجتياز مراحل تطبيقية بعد كل مرحلة نظرية، وهذا ما غاب منذ الجائحة، وقد فقدت أغلب الجمعيات شبابها بعد الجائحة وهي في نطاق إعادة ترتيب بيتها الداخلي.
كما أن التأطير الإداري التربوي الذي يتم من طرف أطر القطاع من موظفين ومستعدين،  عرف هذه السنة بعد انفصال قطاع الرياضة عن الشباب بعض الصعوبات التي لم يتم تجاوزها الا بشق الانفس، وبالمناسبة نقدم تحية عالية لهؤلاء الذين يؤكدون باستمرار على روح وطنية بجانب أطفال المغرب.

الدعوة إلى الحوار:

إن الواقع لا ينبئ بكارثة، ولكنه يحتم تظافر الجهود لتفاديها، لاقتراح مبادرات شجاعة ومتفق عليها لتأكيد مكانة هذه المؤسسة المجتمعية ولتثمين ايجابياتها كوسيط بين الاسرة والمدرسة يساهم بشكل أو بآخر في التنشئة الاجتماعية لمختلف الأجيال ومن مختلف الأطياف، وكذلك لتطوير هذا القطاع في إطار تشاركي بامتياز مع جزء رئيسي من المجتمع المدني الذي أبان على ديناميته وقوته ولا أدل على ذلك من أن أغلب العاملين في القطاعات العمومية والعامة قد مروا من هناك وتلقنوا دروسا وعبرا وقيما ساهمت في تكوين شخصياتهم ومعتقداتهم.
إن حوارا صريحا وجديا وعموميا سيكون له بكل تأكيد نتائج في غاية الأهمية وسيساهم في تطوير آليات هذا العمل التربوي وترسيخ مكانته والاحاطة بكل الانزلاقات التي تسجل فيه وتقوية مكانة جزء كبير من المجتمع المدني في أدوار مباشرة له كفاعل ومتفاعل بامتياز في المجتمع ككل.

(*) عضو حركة الطفولة الشعبية


الكاتب : محمد المذكوري (*)

  

بتاريخ : 12/08/2022