في حوار مع الدكتور عبد الإله طلوع، متخصص في القانون الإداري والعلوم الإدارية

الحكامة والتخليق والرقمنة وتبسيط المساطر الإدارية مداخل لتحديث الادارة العمومية

 

أضحت الإدارة المغربية تتجاذبها حركتان تتخذان اتجاهين متعارضين، إنها مضطرة إلى أن تعمل باستمرار من أجل تحسين مناهجها وتطوير قوانينها وتقنياتها، بغية القيام بالمهام المنوطة بها، التي تتعدد وتتشعب وتصب في اتجاه تحقيق تنمية شاملة محورها الفرد، لكن في الوقت ذاته تبتعد تدريجيا عن جزء كبير من المجتمع الذي يرتكز على القسط الأكبر من الجهد المبذول لتحقيق التنمية، غير أن هذا الشعور بالتفاوت الذي لا مناص منه، يجب ألا يؤدي إلى العدول عن التحديث وألا يؤثر ذلك بشكل سيء في المستقبل، بل يجب دائما تدارك الهفوات والثغرات التي تعرفها الإدارة التي تتجه دائما إلى التقنية، وإلى تبني مبادئ وأسس وقيم جديدة في التدبير والتنظيم.
هذه الأفكار وغيرها يتحدث عنها بإسهاب وتفصيل عبدالإله طلوع، دكتور في القانون العام والعلوم السياسية ومتخصص في القانون الإداري والعلوم الإدارية في الحوار التالي.

o كيف تنظرون إلى تبسيط المساطر كآلية تشريعية للرفع من الأداء الإداري؟

n يشكل تبسيط المساطر الإدارية الخطوة الأولى لإجراءات الإصلاح الإداري، نظرا إلى كونها تعتبر أدوات التنفيذ القوانين والتنظيمات الجاري بها العمل وممارسة الصلاحيات والسلطات المخولة كقناة رئيسية تمرر خدمات المواطنين والمستثمرين.
وتحتل تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية أهمية كبرى باعتباره آلية لتجويد الخدمة العمومية، ودعم شفافية العمل الإداري وتطوير وتحسين مناخ الأعمال، ويقصد بتبسيط المساطر الإدارية مجموعة من الإجراءات العملية التي تساهم في تطوير العلاقة بين الإدارة والمرتفقين، ويتعلق الأمر بضرورة وضع وجرد يشمل المساطر الإدارية والإجراءات الإدارية، ووضع مساطر ضمن سجل مركزي يمكن المرتفقين من الولوج إليها، وتعرف مجمل الإجراءات المرتبطة بالحصول على الخدمات العمومية، فتبسيط المساطر يساهم في ترشيد النفقات العمومية وتوفير الجهد والوقت، ويعزز الثقة في الإدارة، ويعد مظهرا من مظاهر التدبير الإداري الجيد.
وتتم تبسيط المساطر والإجراءات، بدراسة ملفات مشاريع الاستثمار داخل آجال معقولة ونشر المعلومة بشكل استباقي بكل الوسائل المتاحة ووضعها رهن إشارة المستثمرين والمقاولات ووضع كتيبات ودلائل تتضمن المساطر والإجراءات الواجب القيام بها، وتحديد لائحة الوثائق الواجب الإدلاء بها قصد الحصول على التراخيص المطلوبة لإنجاز المشاريع.

o هل في نظركم تعبر مقاربة التخليق عن بداية انفتاح الإدارة المغربية؟

n نعم فموضوع التخليق يكتسي أهميته البالغة ومقاصده النبيلة في سياق التحولات الجارية في بلادنا وتجربة التداول على السلطة والانتقال الديمقراطي، ويندرج تخليق الحياة العامة– في الإدارة العامة والقطاع العام وامتداداتهما والجماعات العمومية، وكذلك القطاع الخاص.
كما أن تخليق السلوك الإداري رهين ببناء ثقافة إدارية، ولن نصل إلى ذلك إلا باعتماد علم الأخلاق أساسا للتأثير في السلوك البشري، وذلك عن طريق تغيير للعقليات وتوجيه للنفوس وخلق جو خلقي يؤطر السلوك، إلا أنه من الموضوعي أن ننتبه إلى أن هناك كثيرا من العوامل والضغوط التي تحول دون توجه السلوك الإداري نحو وجهة سليمة.
ويركز التحول التخليقي على الصيغ والآليات الكفيلة بترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة ودعم أخلاق المهنة بالإدارة العمومية بغية تعزيز النزاهة والشفافية والمسؤولية والفعالية، وتكريس الانفتاح على المواطن، ويشمل عدة مشاريع تتمثل أساسا في تفعيل اللجنة الوطنية المكافحة الفساد باعتبارها آلية أساسية في تتبع تنفيذ المشاريع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بغية ترسيخ المنظومة الوطنية للنزاهة، كذلك نقطة تدبير الزمن الإداري بالإدارة العمومية في إطار دعم أخلاق الوظيفة العمومية وتعزيز السلوك المهني للموظفين العموميين، بوضع خطة تنفيذ قانون حق المواطنين في الحصول على المعلومات من أجل تفعيل مبادئ الشفافية في التدبير العمومي.

o هل ترى أن قانون الحق في الحصول على المعلومات ساهم في تقريب الإدارة من المستثمر؟

n بالفعل يكتسي الولوج إلى المعلومات أهمية بالغة باعتباره مطلبا حيويا للنهوض بقيم التدبير الجيد للشأن العام القائمة أساسا على التشاركية والشفافية، لكن في مجال الوصول إلى المعلومات نحن بحاجة إلى تجويد بعض المقتضيات والحسم في مجموعة من الإشكاليات المتعلقة أساسا بهيئات المرفق العام المشمولة بنطاق التطبيق ومجالات الاستثناء وحالات رفع السر المهني، وحق الجميع في الولوج إلى سائر المعلومات دون قيد، هذه المهمة منوطة بمختلف مكونات المجتمع المغربي ذلك لتحقيق الحد الأقصى من الشفافية ومحاربة ظاهرة الفساد التي تتسرطن يوما بعد يوم.
ويعتبر الحق في الحصول على المعلومات كذلك أحد أهم العناصر الضرورية لبناء نظام النزاهة، واستراتيجية وقائية تتصدى لظاهرة الفساد، حيث إن محاربة أشكال الفساد وتقويم مظاهر الاختلالات لن يتأتى بالفعالية المطلوبة إلا في محيط تتاح فيه المعلومة، مع التشديد على أن التثبيت القانوني الخاص بالنفاذ إلى المعلومات يحتاج إلى ترسيخ نقلة ثقافية في المشهد التدبيري الوطني لمواجهة ثقافة سائدة تكرس السرية، ومن المعلوم أن جملة من الإكراهات التدبيرية مازالت تطول منظومة الشفافية وتحتاج إلى تقويم وتصحيح، مع الإشارة إلى أن نظام المعلومات مازال هو أيضا مسيجا بقيم الانغلاق والتكتم، كذلك سيادة ترسانة قانونية لا تدعم دائما مبدأ النشر المنظم لتقارير الهيئات العمومية.
يمثل الحق في الولوج إلى المعلومات بلا شك وسيلة لتطوير الشفافية الإدارية، وفرصة لتحسين نوعية المعلومات الموضوعة رهن إشارة المواطنين، كما يعتبر هذا الحق أداة حاسمة في تحسين جودة المرافق العمومية؛ فوضع الإدارة معطياتها رهن إشارة المواطن يؤدي إلى تخليق الحياة الإدارية ويحقق الشفافية والنزاهة في تدبير المرفق العمومي المغربي.

o كيف يمكن لاعتماد التدبير الرقمي أن يساهم في تحديث الإدارة العمومية؟

n أولا، لا بد من الإشارة إلى ان رقمنة الإدارة من الآليات التي تساهم في نجاعتها وتحديثها، وتعميم الإدارة الإلكترونية عبر توظيف التكنولوجيات الحديثة، لتسهيل حصول المواطن على الخدمات، في أقرب الآجال، دون الحاجة إلى كثرة التنقل والاحتكاك بالإدارة، الذي يعد سبب انتشار ظاهرة الرشوة واستغلال النفوذ الرئيس.
وترتبط عملية الإصلاح الإداري بتطوير الجهاز الإداري خاصة وجعله مواكبا للتطورات والمستجدات، من خلال إحداث تغيير جذري يؤدي إلى إدخال التحسينات ورفع مستوى التدبير العمومي، لتحقيق الأهداف والغايات بما يتلاءم مع السياسة العامة للدولة، إذ إن الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة تضمنت التوجهات العامة التي من شأنها أن تدفع بالمسير الإصلاحي نحو إحداث تحولات هيكلية إن على الصعيد التنظيمي والتدبيري، أو على الصعيد التخليقي والرقمي.
وفي إطار الحلول الرقمية المتخذة لتسهيل عملية التدبير بالإدارات، عمل قطاع إصلاح الإدارة على اعتماد الخدمة الإلكترونية للمراسلات الإدارية التي تمكن الإدارات في تعاملها فيما بينها من تدبير المراسلات الواردة والصادرة، وكذا المراسلات ما بين مصالحها الداخلية على الصعيد المركزي واللاممركز ومعالجتها آليا، من شأنها تيسير التواصل داخليا وخارجيا في الوقت المناسب وبدقة عالية وبشكل أمن خصوصا أن مصادر المراسلات المختلفة والمتعددة قد تشكل في الكثير من الأحيان تحديات تتعلق بقدرة المؤسسة في السيطرة عليها ومعالجتها وتتبعها خصوصا في الوضع الراهن.
كما أن التحول الرقمي أصبح من الضروريات بالنسبة إلى كافة المؤسسات والهيئات التي تسعى إلى تطوير وتحسين خدماتها وتسهيل وصولها للمستفيدين، فهو لا يعني فقط تطبيق التكنولوجيا داخل المؤسسة بل برنامجا شاملا يمس أسلوب عملها داخليا بشكل رئيسي وخارجيا أيضا من خلال تقديم خدمات مبتكرة بعيدا عن الطرائق التقليدية.

o هل الإدارة المغربية تعتمد آلية التدبير التوقعي للموارد البشرية وما انعكاساتها على التحديث الإداري؟

n التدبير الحديث للموارد البشرية هو فرصة لتحسين أداء التدبير العمومي بما يتناسب مع حاجات الموظفين لأن السير الجيد للمرفق العمومي يتوقف على قيمة أفراده ودرجة حفزهم والأساس هو وضع استراتيجية شاملة لرفع قدرات هذه الموارد وطرائق تدبيرها والحرص أيضا على الملاءمة بين المهام والكفاءات وتحفيزها وتحسين ظروف عملها.
عقلنة عملية التوظيف وترشيد الاستقطابات يتجلى في رصد الحاجات الحقيقية والضرورية من الكفاءات والخبرات التي تحتاجها الإدارة، هذا الترشيد لا يمكن أن يتأتی إلا باتباع أساليب التدبير الحديثة في الموارد البشرية المتمثلة في التدبير التوقعي للأعداد والوظائف والكفاءات المتأسس على وضع الإطار المرجعي للكفاءات، والعمل على توصيف الوظائف وتحليلها، واعتماد آليات تحديد الحاجات المستقبلية من الموظفين على المستويين الكمي والكيفي دون إهمال مقاربة النوع الاجتماعي.
إذا كان التدبير العمومي الحديث يحتاج إلى أساليب جديدة تساهم هي الأخرى في رفع أداء الإدارات العمومية عموما، فإن تدبير الوظائف والكفاءات التوقعي يشكل أهم الوسائل العصرية في مجال تدبير الموارد البشرية، ومن ثم فإن توظيف هذه الآلية سيكون له تأثير إيجابي في جودة الخدمات التي تقدمها الإدارة، لكن تبقی نجاعة هذه الآلية رهينة بكفاءة الأطر البشرية التي تسهر على وضع خطة لتدبیر منظومة الموارد البشرية عامة، وتراعي فيها الوضعيات الإدارية المختلفة انطلاقا من عملية التوظيف وانتهاء بعملية التقاعد.
كما ان مفهوم منظومة تدبير الموارد البشرية أدى إلى بروز مفهوم التدبير التوقعي للوظائف والكفاءات لأنها آلية حديثة تعتمد المنهج العلمي المبني علـى إحصاءات وتوقعات، تعكس وضعية الحاجيات الحقيقية من الموارد البشرية التي تحتاجها الإدارة، وذلك من خلال اللجوء إلى عمليتي تحليل الوظائف وتوصيفها.

o ما مظاهر التدبير الحديث للمالية العامة بالإدارة المغربية؟

n تحرص المقاربة الحديثة لتدبير مالية الدولة على التخطيط والبرمجة وكذا على ترشيد تدبير الاعتمادات، ذلك بالنظر إلى أهمية هذه الإجراءات في إرساء مقاربة التدبير الحديثة والقائمة على نجاعة الأداء والنتائج ومنح المدبرين الحرية الواسعة في اتخاذ القرارات الكفيلة بتحقيق الأهداف المسطرة، وكذا ترشيد النفقات العمومية وترتيب الأولويات بالنظر إلى محدودية الموارد.


الكاتب : أجرى الحوار: جلال كندالي

  

بتاريخ : 15/08/2022