المغرب وموريتانيا، التاريخ وشرود الفقيه!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

قال أحمد الريسوني في حواره مع «بلانكا بريس» إن «ما يؤمن به قطعا هو أن الصحراء وموريتانيا تابعتان للمملكة»… بصبغة يستفاد منها أن القول حاضر والقناعة راهنة.
ولعل أحمد الريسوني لم يستحضر تبعات كلامه في القضية الموريتانية، عندما أراد أن يقفز بزانة الحنين من الحاضر إلى.. الماضي.
وقد سبق له أن تابع ما وقع في حكاية مشابهة، وما أثارته تصريحات حميد شباط، الذي كان وقتها أمينا عاما لحزب الاستقلال، وهو بدوره تحدث عن التاريخ، وعن علاقات قديمة في التربة وفي الروح، بين المغرب وموريتانيا.
وقد كان على رئيس الحكومة وقتها، عبد الإله بنكيران أن يقوم برحلة إلى نواكشوط من أجل رفع الالتباس وتوضيح الرؤية والحديث باسم المغرب الرسمي بما يفيد أن نوستالجيا حميد شباط لا تعني قناعات المغرب السياسية والترابية الراهنة.
فالتاريخ يصبح حجة للخصام عندما نستعرضه بدون احترازات الحاضر واحترازات السياسة، ومهما كان حقيقيا فقد يتحول بفعل تحريف معانيه إلى حجة ضد جماله ومثاليته وطهرانيته الوحدوية…
وقد قال الريسوني في توضيح تصريحاته إن «خطابه جاء في سياق تاريخي ولا علاقة له بالوضع الحالي»، وكان عليه أن ينتبه إلى أن طريقة النظر إلى الزمن التاريخي نظرة تراتبية أو ترتيبية، بحيث قد يكون الماضي والحاضر في علاقة معكوسة، يسبق الماضي الحاضر في تعبئة النفوس!
وما يريده المغرب، منذ مدة طويلة، وبالتحديد منذ مجيء محمد السادس إلى العرش، بما يحمله العرش من تاريخ وبيعات وروابط روحية…هو المستقبل، وفي ذلك تتم تعبئة الماضي والحاضر لخدمة هذا المستقبل، أي بناء عهد جديد قائم على المستقبل بعد أن ثبت أن حاضرنا ليس هو أمثل طريقة لكي نعي الماضي الجميل والمشترك، ذلك الماضي الذي اعتقدنا طويلا أنه الأكثر لمعانا والأكثر صمودا…
نحن في طريقنا إلى فقدان المستقبل وإضاعته، هناك ما يشبه الحاجز الحديدي الذي يغلق المستقبل والغد…
وليس الوجود المستقل تعلة أو مبررا للهروب من التزامات الدولة المغربية بحجة أن القائل لا علاقة سياسية تربطه بأصحاب القرار، التمثل الذكي هو الذي يعتبر التزامات الدولة الترابية والدينيةالتزاما لا بد منه، أي التفكير من داخل عقل الدولة العاقلة.
يريد الملك محمد السادس أن ينقذ ما يمكن إنقاذه من المستقبل، لا فقط تمجيد الماضي والاحتماء بعرضه الذهبي في الأخوة…
لقد دخلت هيئة العلماء الموريتانيين على خط التصريح الصادر عن فقيه حركة التوحيد والإصلاح ووصفته بـ «المريب وغير الودي»، وعلينا أن نتأمل صفة المتحدث وصفة الذي يرد عليه، فكلاهما يحمل وسما دينيا، ومن خلاله يتحدث عن الماضي والحاضر، وهو موقف أعمق من الموضوع الراهن، إنه يتعلق بعمق التاريخية عند الإسلام السياسي أو الإسلام عندما يتماس بالسياسة… في نهاية الأمر.
وليس من حق الفقيه المستقل ـ مرة أخرى ـ بأن يتسبب في تماس لدولته بدعوى التحرر من أي التزام مرة أخرى، لا سيما في وضع حساس مثل الموضوع المتعلق بالمغرب وموريتانيا…
والتاريخ ليس أنقاضا يمكن أن نأخذ منه أحجارا لنعيد بناءه، ونبني به المواقف والمساكن التي نسكن إليها عند كل حنين…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 19/08/2022