فرنسا ماكرون وثورة الملك والشعب..

عبد الحميد جماهري

في كل 20 غشت، نستعيد الثورة وملامحها التاريخية، وتميزها في خارطة الثورات التي صنعتها الشعوب لتعبيد الطريق نحو الحرية.
ونحتفي ونستعيد المعاني الجليلة، كشعب وملك.
والحال أن فرنسا بدورها مطالبة بقراءة ثورة الملك والشعب اليوم، وعلى ضوء التحول الحاصل منذ 69 سنة!
لقد اعتدنا أن نشحذ ذاكرتنا النضالية باعتزاز، واعتدنا استعادة ما قام به الملك محمد الخامس وشعبه في تلك الفترات الحاسمة من تاريخ القرن العشرين. وما تبادلاه من قيم ومن وفاء ومن ثقة، ومن عواطف ومن انفعالات.
فالملك انحاز، بلا تردد، إلى شعبه وقواه الحية، واختار أن يضع بصمته في التاريخ كملك، مغربي وطني وتحرري، ولم يفضل العرش على حركة النضال التي كان الشعب يخوضها..
والشعب اعترف، بامتنان كبير، بما قام به الملك، ولهذا لم ينصعْ لكل الحلول التي تم اقتراحها عليه، ومنها تحرير البلاد قبل عودة محمد الخامس.
بل الشعب اختار أن يضع الملكية، العتبة الأولى بل عتبة العتبات في عودة السيادة.
والقصة معروفة عندما سخر المفاوض الفرنسي إدغار فور من الزعماء الشعبيين الوطنيين، واتهمهم بأنهم يحبون عبادة «الطوطم»، في تشبيه استعلائي بغيض!
لكن في الواقع هناك طرف ثالث لا بد له من أن يعيد قراءة هذا الارتباط الوثيق، ومغازي هذه الثورة التي كتبتها أيادي الملك والشعب..
ستكون فرنسا قد فقدت فرصة كبيرة للذكاء التاريخي إن هي تناست الثورة التي فرضت عليها…. طاولة المفاوضات. وستكون قد أضاعت فرصة لتحيين الفهم السليم والتجاوب مع مطالب المغرب، لا كدولة تحت الحماية، بل كدولة مستقلة:
والتعبير هنا واضح والدرس في غاية البساطة: إذا كان البلد الواقع تحت سيطرة الاستعمار قد رفض سابقا، وبالمطلق، التسليم في سيادته ورموزها، كيف يمكنه وهو الآن يتمتع باستقلال فعلي ومتقدم أن يقبل الوصاية والماجيستير اللذين ينتميان الى الماضي؟
فرنسا مطالبة بتحسين علاقتها وفهمها للترابط المتبادلinterdependance مع المغرب. واذا كان المغرب لم يرتح، طوال استقلاله لأي توظيف لـ «ريع ذاكراتي» أو العودة إليه، هو الذي دفع من دمائه وجسده الترابي ثمن مرور الاستعمار الفرنسي ببلاده، فإنه مع ذلك لا يريد أن تنسى فرنسا درس «ثورة الملك والشعب»، وأن تستحضرها من نفس الضفة المشتركة بين البلدين.
وبما أن المناسبة شرط، فإن الكرة ما زالت في ملعب الرئيس الفرنسي، وقد مرت عليها سنة وهي في رحاب الإليزيه.
فقد سبق لملك البلاد أن توجه الى السيد ماكرون في خطاب ثورة الملك والشعب للسنة الماضية، وخاطبه باستعداد المغرب من «أجل تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة، في العلاقات بين البلدين، على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل، والوفاء بالالتزامات»، كما فعل مع إسبانيا بيدرو سانشيز. وحدد جلالة الملك أنه «نفس الالتزام، الذي تقوم عليه علاقات الشراكة والتضامن، بین المغرب وفرنسا، التي تجمعني برئيسها فخامة السيد Emmanuel Macron، روابط متينة من الصداقة والتقدير المتبادل».
واضح أن فترة ما بين الانتخابات أرخت بغير قليل من الجمود على هذه العلاقة، وأن أطرافا أخرى لعبت على تسميم الأجواء بما فيها أطراف فرنسية نافذة حاولت تقديم المغرب «بيجاسوس» يتلصص على الطبقة الحاكمة في فرنسا، ومنها الرئيس ماكرون.. وكل هذا قد جرت مياهه الكثيرة تحت جسور متواصلة منذ سبعين سنة..
وعلى فرنسا أن تُنضِج نفسها لهذه المرحلة الجديدة..
لنا مانفعله في الذكرى:
ما زال أمامنا أن نُدخل بإرادة جديدة جيلا جديدا من الإصلاحات
ومازال أمامنا تجويد الأداء المؤسساتي، وتحيين المفهوم الجديد للسلطة كما تبينت الحاجة إليه من خلال التعيينات والانتقالات الأخيرة، والمعايير المعتمدة في تنفيذها..
مازال أمامنا ما نتحدث عنه في هذه الذكرى من قيم العمل والآفاق الجديدة القادمة ..والظروف الصعبة التي نمر منها..
أمامنا معضلات الشباب التي تفاقمت وازدادت بفعل الوباء، وبفعل الظروف الإقليمية والدولية، وما يستوجبه ذلك من أعمال تمس العمق.. وتشرع الأمل على مصراعيه..
ومازال أمامنا تنفيذ مشروع إصلاح المدرسة الوطنية، ونحن على أبواب الدخول المدرسي
وما زال أمامنا الشرط الواجب توفيره والمتعلق بالميثاق الوطني للتنمية، المستخلص من مجهود الأمة في وضع لبنات نموذج تنموي جديد..
مازال أمامنا تحيين أجندة الإصلاح والعمل وتعميق التقدم وثقافته..ضمن تنويع شامل لشراكاتنا في العالم وفي المنطقة، لاسيما في إفريقيا..
وعلى فرنسا أن تفهم معاني السيادة في كل هذا، ومعاني العلاقات بين الرابحين…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 20/08/2022