خطاب الوضوح والقطع مع الغموض

عبد السلام المساوي

يقول جلالة الملك في الخطاب السامي بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب «وأمام هذه التطورات الإيجابية التي تهم دولا من مختلف القارات، أوجه رسالة واضحة للجميع: إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات.
لذا، ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل .»
كنا متأكدين أننا سنسمعها بكل الوضوح الممكن على لسان عاهل البلاد باسم المغرب والمغاربة : لا تفريط في صحرائنا، ولا التباس نقبله ولا غموض ممن نعتبرهم شركاء لنا، ولا نظرة واحدة إلى الخلف .
الهدف السير إلى الأمام خطوات مغربية إضافية أخرى مع أصدقائنا الحقيقيين وشركائنا الفعليين لأجل بناء وتنمية هذا الوطن من أقصى شماله وشرقه وغربه حتى أقصى جنوبه وصحرائه، صحراؤنا التي لا تفريط فيها، والتي تعني لنا جميعا كل الأشياء …
الرسالة هنا تقول للجميع لقد حل زمن الفرز الديبلوماسي وأن المواقف الرمادية لبعض الدول والمنظمات تجاه قضية وحدتنا الترابية، أصبحت غير مقبولة بالمرة، ولن تخدم أي علاقة دبلوماسية أو اقتصادية ذات مصداقية، لأن تساهل المغرب لسنوات مع المواقف الرمادية لبعض الشركاء التقليديين ساهم بشكل غير مباشر في تغذية أوهام الانفصال، وبالتالي لا يمكن للمغرب أن يبني مستقبلا علاقات ومصالح إلا مع من يؤمنون ويدافعون عن وحدتنا الترابية بالأقوال والأفعال، أما موقف المتردد من صحرائنا وموقف الضعيف هو ترجمة لنظام متردد لن نتعامل معه .
فالذين يتهربون من الفرز في مواقفهم الدبلوماسية تجاه قضية المغرب الأولى، والذين يأخذون موقع الوسط في اللحظة التي تحتاج إلى تحديد الموقف وإظهار الاصطفاف بين من مع وحدتنا الترابية أو ضدها فسيكونون الخاسرين في النهاية، لأن المغرب لن يقبل من الآن فصاعدا بموقف اللاموقف لأنه ذروة الانتهازية .
إن شراكة رابح – رابح لا تعني جني الأموال وأرقام المعاملات الضخمة من عمليات الاستثمار في الصحراء، بل تعني أيضا ربحا سياسيا للمغرب، حين تتضح المواقف، ويعرف العالم أن ما يجري الآن في بعض الدواليب الصغيرة مجرد نزاع مفتعل من دول حاقدة .
لقد انتهى زمن الابتزاز الذي كان عملة رائجة في الصحراء المغربية، حين كانت بعض الدول في أوربا على الخصوص، تخير المغرب بين « أنصاف المواقف « ، وبين الاستثمار المتوحش، دون قيد أو شرط في خيرات البر والبحر والجو .
لقد طوى المغرب قضية سيادته الكاملة على الصحراء المغربية إلى غير رجعة، ولا يمكن لأي شبر من التراب الوطني أن يكون مجالا للتفاوض والبيع والشراء مع أي طرف مهما كان: فإما أن تنخرط جميع الدول في هذا المنطق وتعبر عنه بوضوح كامل، وإما أن تتنحى جانبا إلى موعد لاحق .
فمن مازالت في قلبه ذرة شك في مغربية الصحراء، التي تعتبر قضية ملك وشعب وتاريخ وشرعية دولية، عليه أن يراجع أوراقه قبل أن يفكر في ربط الاتصال مع المغرب، وهي رسالة موجهة بالأساس إلى بعض الدول في أوروبا …
الخطاب الملكي كان واضحا بخصوص علاقات المملكة بمجموعة من الدول في تعاطيها مع قضية الوحدة الترابية للمملكة، وبذلك شكل مرحلة جديدة في مسار القضية الوطنية الأولى، كان واضحا بخصوص التوجه السياسي وتصريف السياسة الخارجية المغربية في بعدها الاقتصادي، والتي أصبحت مشروطة بالقطع مع المواقف الغامضة في ما يخص وحدة المغرب الترابية .
فمن يريد الاصطفاف إلى جانب المغرب، عليه أن يبرهن على ذلك فعلا وقولا، كما فعلت الولايات المتحدة التي أعلنت موقفا مشرفا، وكما فعلت دول كثيرة من مختلف القارات، وكما فعلت دول عربية وإفريقية فتحت تمثيليات دبلوماسية لها في العيون والداخلة .
أما من يريد الاصطفاف مع الأعداء، فعليه أن يكون شجاعا للتعبير عن ذلك ، دون لف أو دوران، في سياق دولي لم يعد يقبل بوضع رجل هنا وأخرى هناك. هذا البلد لا يرتكب خطوات غير محسوبة .
هذا البلد متأكد أن تلك الصحراء جزء منه وأنه جزء من تلك الصحراء .
ثورة الملك والشعب ثورة مستمرة ومتجددة، وليست مجرد ذكرى وطنية نحتفل بها والسلام، هي درس مغربي متواصل على امتداد الأزمنة والأمكنة يجدد نفسه دوما وأبدا ويمنح إمكانية الاستفادة منه لمن كان ذا عقل سليم.
نقولها بالصوت المغربي الواحد: الصحراء مغربية …الصحراء عنوان هويتنا وكينونتنا، في الحاضر والماضي والمستقبل، بالأمس واليوم وكل الأيام …لنا نحن هذا الوطن الواحد والوحيد، وهاته البلاد التي ولدتنا وصنعتنا وصنعت كل ملمح من ملامحنا، والتي تجري فيها دماء أجدادنا وآبائنا وأمهاتنا، والتي تجري دماؤها في مسامنا وفي العروق .
نفخر بهذا الأمر أيما افتخار، ونكتفي أننا لا ندين بالولاء إلا للمغرب، وهذه لوحدها تكفينا، اليوم ، وغدا وفي باقي الأيام، إلى أن تنتهي كل الأيام ..الصحراء جزء منا ونحن جزء منها …الصحراء مغربية…
لا يكفي أن تكون اليوم، مجرد دولة لها حدود وحكومة وجيش وإدارات وشعب، بل يجب أولا، أن تكون لك مقومات هذه الدولة، تاريخيا وتنوعا ومؤسسات وتداولا ديموقراطيا للسلطة، وبناء سياسيا ومجتمعيا ودستوريا صلبا يسند ظهرك في المواجهات الكبرى، ويصد عنك الأطماع والمؤامرات ومخططات الهيمنة، التي تستعمل فيها وسائل استخباراتية قذرة .
يقول جلالة الملك: يبقى حجر الزاوية في الدفاع عن مغربية الصحراء، هو وحدة الجبهة الداخلية والتعبئة الشاملة لكل المغاربة، أينما كانوا، للتصدي لمناورات الأعداء .
لم تعد الدعوة إلى تحصين الجبهة الداخلية ترفا نخبويا أو خطابا سياسيا يردد في المناسبات، بل أصبح ضرورة وطنية لإسناد الموقف المغربي الرافض لكل الصفقات التي يتم عقدها لإخضاعه بالقوة لمصالح الآخرين، أو التهديد بالمس باستقراره وأمنه . فالجبهة الداخلية كانت وما زالت هي الحصن الحصين لهذا البلد عبر مختلف المراحل، التي شهدتها المعركة الوطنية من أجل وحدتنا الترابية وبناء دولة المؤسسات ، حيث كانت قوة البيت الداخلي هي أقوى ورقة يمتلكها المغرب في مواجهة خصومه، وبدون شك، سيستمر هذا المعطى حاضرا إلى اليوم، مهما تغيرت السياقات الوطنية الدولية والإقليمية الحالية، لذلك فإن المهمة الأكبر للأحزاب والحكومة والبرلمان والنقابات والإعلام بشقيه العمومي والخاص، هي تعزيز الجدار الوطني كل من موقعه، فالجبهة الداخلية القوية هي أفضل سلاح دفاعي ضد الأخطار الخارجية …
إن خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب، خطاب مؤسس منتزع للموقع المغربي في المضمار الجهوي والدولي، خطاب يعيد المغرب لما هو منذور له : الريادة ولاشيء غير الريادة . فالمغرب كان في فترات طويلة من تاريخه جزءا من النظام العالمي، حيث كان ملوكه وإمبراطورياته يجسدون لقرون محور الغرب الإسلامي، وكانوا يعتبرون قيادة روحية لإفريقيا .

 

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 22/08/2022