بتركيبة فسيفساء مشاهد مسرحية و تعبيرية قصيرة كثمرة لمجهودات أربعة أيام من الورشات التكوينية ، التي أشرف على تأطيرها مسرحيون من المغرب ، مصر، فرنسا ، ألمانيا ، رومانيا والولايات المتحدة الأمريكية،وتحت إدارة المدير الفني للمهرجان عبد الفتاح الديوري، تم انطلاق حفل اختام فعاليات الايام الستة للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء بالمركب الثقافي مولاي رشيد، يوم 28 يونيو ، بكلمات مدير المهرجان عبد القادر كونكاي ورئيس جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاءالحسين أزدوق ،وإعلان لجنة التحكيم عن نتائج الفرق الفائزة في هذه الدورة 34 ، التي بدأت يوم 23 يونيو بالعمل الاحترافي لفرقة «اكون» (سماء اخرى). هذا العمل، الذي عرض خارج المسابقة ، يحكي بلغة درامية من كتابة مخرجه محمد الحر، يوميات امرأة غير قادرة على الإنجاب من زوجها. تجثت من ضلوع حياتها الأسرية الجامدة ، عالما متخيلا حرا تخبؤه في ذاكرتها للتصوير و تنحث منه فضاء رحبا في بيت تحكمه قيم بالية رغم ظاهره المتحرر العصري.
يتواصل هذا الصراع الأنثوي في محيطه الذكوري في المسرحية الصامتة ، الغراب ، لفرقة FSBM لكلية العلوم بنيمسيك والتي أخرجها سعيد الشعيبي، عرضت بفضاء عبد الله العروي بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بني مسيك. فقد استعمل هذا العمل تقنية الفيلم والصورة من أجل تقديم حكاية فتاة تحولت إلى طائر، يجد نفسه مسيجا بغربان جشعة تضطرها إلى المقاومة من أجل كسب رهان الحياة.
كان لهذه العمل نفس من التجديد و البحث السينوغرافي لولا الكثير من الإطالة في المشاهد النهائية من المسرحية التي أنتجت نوعا من الملل وإقحام القدرات الرياضية للممثلة الرئيسية.
تعود خشبة المركب الثقافي مولاي رشيد إلى الأضواء من خلال حكاية الجريمة «ريا وسيكنة،» التي اختارها المخرج أنور حسني من الوقائع التاريخية المصرية. أختان احتالتا على امراتين من أجل سرقة مالهما ومجوهراتهما ،ما جعل الموقف يتطور الى قتلهما بمساعدة زوجيهما وإخفاء جتثيهما،بعد ذلك تطور القتل إلى أن وصل إلى سبعة عشر ضحية ما بين 1919 و1920.
بين الفناء والألوان
العرض المفاجأة، كان أصبع الروج أو a lipstick من سلطنة عمان، و التي لأول مرة تشارك فرقة مسرحية من هذه الدولة في المهرجان،مسرحية بممثلين اثنين حصل كل منهما على نصف جائزة التشخيص ذكور، و هما وليد سالم المغيزوي وإبراهيم محمد المعشري، مسرحية أصبع روج لفرقة الشفق من إخراج سعيد ال السيابي، تتناول قضية الهوية الجنسية أو الجندرية،حيث يتوزع الفرد بين شخصيتن ذكورية و أنثوية ،فالإحساس أنثوي بينما الجسد ذكوري، إنه الصراع بين الذات و الموضوع بين الشعور الداخلي كما تصوره المسرحية و العالم الخارجي ، الذي يشكله المجتمع و الأسرة والعادات و التقاليد.
لقد نال هذا العرض الذي عرفه رحاب المركب الثقافي سيدي بليوط، تصفيق الجمهور ، من حيث جرأته في طرح موضوع لم يكن يتوقع أن يعالج من طرف فرقة مسرحية من دولة من دول الخليج العربي، وذلك راجع الى شح معلومات الجمهور المغربي عن دولة سلطنة عمان، فقد اعتمد العرض على تقنية الشكل الفني المباشر، حيث كل شيئ يتم أمام المشاهد من تغيير الملابس و تناول الإكسسوارات وتبديل المشاهد،فتلك البساطة في التأثير السينوغرافي وشبه خلاء من استعمال تقنيات الإضاءة أعطى للعرض نوعا من العفوية وأمد الجمهور بخيط التواصل التلقائي.
كان للحضور الإندونيسي بهجة ،رقصات دقيقة الحركة تسمو إلى الكمال ، وموسيقى حية وغناءتراثيل، أصوات بلبلية تجمعت لها كل هذه العناصرلتسرد حكاية أسطورية اسمها «مينانغكابو: مالين نان»،من إخراج فنهنهندي، إنها خرافة رجل فقير يعيش مع والدته في إحدى القرى، تجبره إكراهات الحياة على الهجرة خارج مسقط رأسه مينانغكابو.
بعد خمس سنوات يعود مالين رجلا ثريا إلى وطنه، ويريد الارتباط بالفتاة التي كان قلبه يهفو إليها، لكن أمه لم تكن ترى أن هذه الفتاة صالحة لمتطبات الأسرة، يضيع جهد مالين في إقناع أمه عبثا، ويتعاضم حزنه الدفين.
كان العمل أسطورة راقصة آكثر منها مسرحية بمفهومها المسرحي ، لكنها تجسد تعبيرا مسرحيا أسيويا غريبا عن أذواقنا، كان ركح المركب الثقافي مولاي رشيد يتراقص بقدرات جسدية وإشارات تعبيرية ذكورية وأنثوية تتناسق في توزيع دقيق وانتقالات فنية بديعة في ملابسة باذخة الألوان و سراويل يحولها الراقصون و الراقصات إلى طبول مدوية .
عمل منحته اللجنة جائزة أقضب ملابس ومنحها الجمهور جائزة فيض من الإعجاب.
من آسيا إلى أوروبا ،و من إيطاليا يعود تقريبا في كل دورة من دورات المهرجان المخرج فابيواوميدي بعمل جديد ،هذه السنة بعد توقف المهرجان من سنة 2019 عاد فابيو بمسرحية «الزهور الاخيرة،»عُرد على ركح استوديو الفنون الحية، اعتمدت فيه أكاديمية مسرح روما صوفيا اميندوليا، اللغة الإنجليزية بدل الإيطالية ، مما أبان عن تشخيص فيه من الكلفة حيث ظهرت مفارقات بين اللغة الأم و اللغة الدخيلة، التي كان الممثلون يصبون كل الوقت انتباههم إليها كأنهم يسيرون فوق حبل رفيع معلق بين الذات و الهوية الدخيلة، ما جعل الأداء يتراجع أمام الاهتمام باللغة.إنه عمل أجواء عالم الخيال العلمي مخيف ، تميزت فيه في الأداء الممثلة صاحبة الدور الرئيسي صوفيا مورابيطو بأدائها القوي، الذي يصعب على المشاهد أن يحدد فرقا بين مشاعرها الذاتية ومشاعر الشخصية التي تؤديها. إنها الفتاة الوحيدة ، التي لازالت في صورتها الآدمية ، فوق كوكب الأرض الصامت، الذي انهكته الحروب و الفيروسات وأبادت الحياة في مدنها .
فتاة تجاهد من أجل معرفة ما آلت إليه البشرية،التي تحولت أطرافها إلى أطراف اصطناعية ميكانيكية،إنها أسئلة تلو أسئلة عن الأثر الإنساني عن الحب عن الصفاء و عن الكراهية التي باتت تكنز القلوب و العصور،إنها عمل من طينة الخيال الممكن وقوعه في أية لحظة غفلة تاريخية، إنها رحلة الصفاء والصراع و التحديات ، رحلة العثور على البقية الباقية من الشعور الإنساني، رحلة من أجل جعل القلوب نقية مثلما كانت من قبل كمشروع أخير للبقاء على قيد الحياة.
لقد انصرهت صوفيا مورابيطوفي دورها المقنع بجدارة و انتزعت استحقاق جائزة أفضل أداء نسائي.
لعبة الصغار و الكبار
المخرجة حبيبة الجندوبي امرأة النفس الطويل، و المتخصصة في عالم الدمى للكبار، قدمت فوق ركح فضاء عبدالله العروي بكلية ابن مسيك عملها ، «الرحلة،» وهو العمل الثاني بعد سماء أخرى خارج المسابقة لفرقة إنتاج الدمية،عمل صامت يحكي معاناة امرأة شابة تخرج من عزلتها داخل كيس من قماش بعد إزالة ثديها، معاناة جسدية ونفسية من مخلفات الإصابة بمرض السرطان ،إنه صراع الانفعالات الداخلية المتوسطة بين التقوقع على الذات و الخروج إلى عالم مشوب بالأحكام المسبقة و التأويلات، عمل هادئ أتثته الوجوه و الأقنعة وهيمنت على مجرياته التصورات و قوانين السلطة الذكورية، لكنه يحمل في صمته وهدوئه ثورة داخلية عارمة.
أيضا وعلى خشبة نفس فضاء عبد الله العروي، قدمت فرقة الاملين من مدينة المنستر التونسية عملها الثنائي ، ممثلتان تجمعهما المهنة المسرحية ، تقومان بأدوار متعددة ثم تتحولان إلى خيال الظل وطرح أسئلة تمس القضايا الإنسانية.
عمل ذو شحنة من العناوين، الرشوة و القمع والحرية و الحكرة و غير هذا كثير، لقد عمل هذا العمل الذي أخرجه بديع القربي على قول كل شيئ في عرض واحد ومع ذلك توج بجائزة التشجيع.
في غرفة من غرف عالم عبتي، تحوم من حوله الحرب و الويلات يمضي زوجان وقتهما في أحاديث وجدال فارغ المحتوى و عديم الفائدة حيث لا هم لهما إلا خلافهما الساذج،من هنا جاء اسم مسرحية ، «تخريف ثنائي»، لمختبر أمل للمسرح للمخرج امبارك الفقير من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، الذي عرفته خشبة المركب الثقافي مولاي رشيد.
«أيها الداخلون ودعوا آمالكم» جملة افتتح بها الكاتب و الشاعر الإيطالي دانتي اليغييري كتابه، الكوميديا الإلهية، الذي أدين بكل التهم والجرائم وتوجت اتهاماته بالمنفى. من حياة هذا الشاعر الفلورنسي شكلت فرقة الأكاديمية المدنية للفنون الدرامية بنيكوبيبي عملا مسرحيا فاز بجائزة الإخراج بعنوان «الكوميديا الشيطانية».
لقد جعل المخرج كلاوديو دي ماجليو من خلال إحياء سحر وشخصيات فن كوميديا دي لارتي ، الممثلين يؤدون أدوارهم بشكل سيئ وهو أسلوب السهل الممتنع، الذي يُقنع فيه الممثل المشاهد أنه فعلا ممثل سيئ.
عمل تجري أحداثه في فضاء مفتوح ، فالممثلون هم العازفون ، هم أسياد المؤثرات الصوتية، ممثلون بقوة أداء مفعمة بحيوية البحر الأبيض المتوسط وحركية إيطالية تتضافر فيها الإشارات اليدوية و اللغة الإيطالية اليومية الحية وقوة حضور الجسد و الدقة في التحركات فوق خشبة نسبيا ضيقة لمثل هذا العمل ،ركح المركب الثقافي سيدي بليوط. قد نأخذ على هذا العمل طوله الذي كان من الممكن اختزاله، فالزيادة في الشيئ نقصان، مع ذلك فقد بقي العمل ممتعا، عمل حفل تنكري باذخ، عمل يجل ذلك الشاعر الذي استقى كوميديته الإلهية من رسالة الغفران للمعري.
عمل آخر، الذي حصل على جائزة اللجنة التشجيعية ، لفرقة الإجازة المهنية في الفنون الدرامية لكلية الآداب و العلوم الانسانية بنيمسيك، والذي اختتمت به عروض المركب الثقافي مولاي رشيد و أخرجه مرشد رفيق، عمل تخيلي يروم إلى الكوميديا السوداء.
في فضاء ركح مؤثت بأجواء جنائزية خيالية ، يخرج شخصان من قبرهما لمشاهدة مراسيم حفل عزائهما، ما يدفعهما إلى فتح أحاديث حول هذه الأجواء المأتمية وحول ماهية الوجود الإنساني والقيم والخطوط الحمراء في العلاقات البشرية.
الجرح المتكرر
بعد جائحة الكورونا ، حيث كانت آخر مشاركة لدولة كوريا الجنوبية ، تعود هذه المرة للمشاركة بعمل ، «حلم العودة إلى مسقط الرأس»، لفرقة معهد سوونغيوي و إخراج المخرجة الشابة هناه كيم، إنه عمل لا يخرج عن الموضوع الذي قدمته كوريا الجنوبية سنة 2019 مأساة الاستعمار الياباني لكوريا واغتصاب النساء و الطفلات الكوريات،إنها حكاية تاريخ دموي، تاريخ جرائم حرب يابانية ضد الشعب الكوري، التي لازال جروحها العميق لم تلتحم في الذاكرة الكورية،حيث بقايا الإبادة المريرة لازالت حية فوق التراب و في التاريخ الكوري الحديث.
لحد الأن هناك آكثر من 20000 امرأة وفتاة سحبها الجيش الياباني من المدن و القرى الكورية،لأنس الجنود، في عداد المفقودات، كعادة المسرحيات الكورية التي قدمت سابقا هي الأخرى فوق ركح استوديو الفنون الحية ، تعتمد على فضاء خال تماما يملأه الحضور القوي للممثلين و الممثلات، والإضاءة التي تشكل ألوانا ولوحات ينمحي ما وراءها و ما حولها من فراغات.
لقد كان الحضور البشري المتمثل في قدرات الممثلين و الممثلات الجسدية ، قوة الدلالة، يقسو المشاهد بل يكره عنف القوات اليابانية و على رأسها الجنرال، الذي لا يمكن إلا أن ان يبغضه الإنسان، نظرا لقوة تشخيصه لعنف و قسوة الجندي الياباني، الذي يحمل المشاهد من شدة الإعجاب بأدائه لدوره إلى مقته.
عمل توجته لجنة التحكيم المكونة من فهر الكتاني رئيسا، فتيحة بناني أستاذة الأدب الفرنسي بكلية بنمسيك،خالد لحلو رئيس شعبة الدراسات الإنجليزية بكلية بنيمسيك، الطاهر الطويل كاتب وناقد مسرحي. بالجائزة الكبرى ، العمل المتكامل للمهرجان.
كان افتتاح المهرجان عربون عرفان و تبجيل من خلال تكريم نساء ورجال منحوا الحقل الفني المسرحي عطاءات بقي صداها وصوتها شعاعا تناقلته الأجيال ومدت به جسور تواصل و إبداع بين الماضي و الحاضر و المستقبل.
الفنان مصطفى خليلي، الذي عمل مع الطبيب الصديقي لسنوات عديدة، الممثلة نجوم الزهرة التي عرفها الجمهور سواء فوق الركح أو في أعمال تلفزيونية،فابيو أميدو المدير العام لمهرجان روما للمسرح و مدير فرقة المسرح صوفيا اميندوليا، الممثلة زينب الناجم خريجة المعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي والفنان عبد الإله عاجل بتجربته التي تصل إلى خمسين سنة بين المسرح و التلفزيون،كما حملت الدورة 34 للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي اسم الفنان السوري، الذي كان يقيم في كندا ورحل من وقت قصير عن الوسط المسرحي إلى الأبد مجدي بو مطر.