استضافت القناة التلفزية الإسبانية أول أمس الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، وذلك في حوار استمر زهاء 11 دقيقة، خصص أغلبه لمناقشة تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا بالقارة العجوز، لتوجه الصحافية في آخر دقيقة من الحوار سؤالا يتعلق بما إذا كان الاتحاد الأوروبي هو الذي شجع إسبانيا على تغيير موقفها من نزاع الصحراء وتنحاز إلى الإستراتيجية الدبلوماسية سواء لبروكسيل أو الولايات المتحدة.
وفي معرض جوابه، بدا جوزيب بوريل متفاجئا من صيغة السؤال، بل إنه تساءل باستخفاف حول ما إذا كان بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يملي على إسبانيا الانحياز إلى الولايات المتحدة، وأضاف قائلا : «الحكومة الإسبانية لديها سياستها الخارجية ، نحن سعداء بأن علاقاتها مع المغرب تحسنت وفي نهاية الأمر فإن موقف الحكومة الإسبانية كان ولا زال هو موقف الاتحاد الأوروبي وهو الدفاع عن عقد استشارة بحيث يكون الشعب الصحراوي هو الذي يقرر كيف يريد أن يكون مستقبله، والحكومة الإسبانية لم تبتعد عن هذا الموقف»
تصريح جوزيب بوريل أثار عددا من ردود الأفعال سواء من الجانب الإسباني أو من الطرف الآخر، الجزائر والبوليساريو، حيث سعى إلى اقتناص بعض العبارات من التصريح وتصديرها على أنها تأكيدا لمواقفه المتعلقة بتنظيم «استفتاء» لتقرير المصير، وأنها رد على موقف الحكومة الإسبانية المساند للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
وبدا من خلال مواقف الطرف الآخر، أنه كما لو كان ينتظر طوق نجاة بعد الانتكاسات الكبيرة التي تعرض لها، خصوصا في الآونة الأخيرة، بل وصدرت عناوين تعتبر أن بوريل دعا إلى تنظيم استفتاء لتقرير المصير، وأن موقف الاتحاد الأوروبي يدعم هذه الأطروحة، وغيرها..فإلى أي مدى تنحو تصريحات الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي إلى هذا المنحى؟
فبالعودة إلى الحوار المذكور، وهو متداول على شبكة الأنترنيت، ذكر جوزيب بوريل بالإسبانية عبارة «consulta « وهي تعني استشارة أو مشاورات، ولم يذكر استفتاء « referéndum «، كما روج لذلك عدد من المسؤولين الجزائريين وبالجبهة الإنفصالية.
وبخصوص مسألة الاستشارة أو المشاورات، حري بالذكر أن مشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، ينص في مادته 8 على أنه» يخضع نظام الحكم الذاتي، المنبثق عن المفاوضات، لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقا لمبدأ تقرير المصير ولأحكام ميثاق الأمم المتحدة»
وقد سبق لوزير الخارجية ناصر بوريطة أن أكد بعد انتهاء الجولة الثانية من المائدة المستديرة التي دعا إليها المبعوث الأممي المكلف بقضية الصحراء المغربية آنذاك، هورست كوهلر، في مارس 2019، أن أكد ، ردا على سؤال لصحافي جزائري، أن من خدع الناس بالقول بأن تقرير المصير يعني الاستفتاء كان يغالطهم، فلا أحد قدم دليلا على أن تقرير المصير يمر عبر الاستفتاء، وأن تقرير المصير يعني الاستقلال، مضيفا أن النقاش كان لتحطيم بعض الأساطير التي وضعت لسنوات حتى يفيق البعض من أحلامه. وأوضح بوريطة أنه عندما وضع أول قرار للأمم المتحدة حول تقرير المصير كان المغرب من بين 20 دولة فقط في الأمم المتحدة، و أن المغرب يعرف ما هو تقرير المصير، فهو أن تمنح للساكنة الحق في تحديد تطورها الاقتصادي، والحفاظ على خصوصياتها التاريخية، وهو ما يضمنه نظام الحكم الذاتي، والمغرب أثبت بأن الحكم الذاتي هو مطابق مائة في المائة لمبدأ تقرير المصير.
من جهة أخرى، فإن مجلس الأمن، خلال مختلف التقارير المتعلقة بهذا النزاع المفتعل، لا يشير إلى عبارة الاستفتاء أو الاستقلال، بل يتحدث عن حل سياسي توافقي، وواقعي، وكما سبق أن أكد ناصر بوريطة، فما ليس واقعي فهو مستبعد.
هذا فيما يتعلق بمسألة الاستشارة التي أشار إليها جوزيب بوريل، أما باقي حديثة، فالذي أثار عدة تساؤلات هو حديثه عن « الشعب الصحراوي» عكس ما صرح به في شتنبر 2020، في رده على سؤال لنائب بالبرلمان الأوروبي، حيث ذكر أن « الاتحاد الأوروبي يساعد سكان المخيمات «فقط لأغراض إنسانية ولتلبية متطلبات التنمية «. كما أشار إلى أن موقف الاتحاد الأوروبي « يتماشى مع قرارات مجلس الأمن ويدعم البحث عن حل سياسي واقعي وعملي ودائم يقوم على التوافق، مؤكدا على دعم «الجهود التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة لمواصلة العملية السياسية الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم ومتوافق عليه لملف الصحراء الغربية، استنادا إلى حل توافقي وفقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولا سيما القرار 2468 بتاريخ 30 أبريل 2019 «.
كما أن حديثه عن أن إسبانيا لم تبتعد عن موقف الاتحاد الأوروبي، يعاكس الحقيقة، ذلك أن إسبانيا اعتبرت بشكل واضح بأن» مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف».وذلك في الرسالة التي وجهها رئيس الحكومة بيدرو سانشيز إلى جلالة في مارس الماضي، والتي التزمت خلالها الحكومة الإسبانية بضمان «سيادة المغرب ووحدته الترابية»، في إطار «المرحلة الجديدة» التي تم تدشينها بين البلدين.
أكثر من ذلك، فجوزيب بوريل نفسه، أكد خلال الحوار المذكور، أن بروكسيل ليس بإمكانها أن تحدد السياسة الخارجية التي تنهجها الحكومة الإسبانية، وهذه من الحقائق البديهية التي يقفز عليها الطرف الآخر، فالسياسة الخارجية للدول ال27 الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، تحددها هذه الدول، وليس بروكسيل، ومعلوم أن جميع هذه الدول لا تعترف بكيان مصطنع تروج له الجزائر، كما أن العديد منها، غيرت موقفها بشكل واضح دعما للمغرب في هذا النزاع المفتعل، وقد أشار جلالة الملك إلى هذه الدول في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى ال69 لثورة الملك والشعب، فبالإضافة إلى الموقف الإسباني، أبرز جلالته أن الموقف البناء من مبادرة الحكم الذاتي، لمجموعة من الدول الأوروبية، منها ألمانيا وهولندا والبرتغال، وصربيا وهنغاريا وقبرص ورومانيا، سيساهم في فتح صفحة جديدة في علاقات الثقة، وتعزيز الشراكة النوعية، مع هذه البلدان الصديقة.
وفي الأخير، فكما يعرف كل متتبع لملف هذا النزاع المفتعل، فهو من الاختصاص الحصري للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، لا يشير منذ عدة سنوات لا إلى استفتاء ولا إلى استقلال، وأن تقرير المصير، كما أكد المغرب بالأدلة وبالتجارب في العديد من الحالات، متضمن في مبادرة الحكم الذاتي، كما أن المواقف البناءة للعديد من الدول، في مختلف القارات، من هذا النزاع، تؤكد عدالة الموقف المغربي، وأنه لا حل لهذا النزاع المفتعل إلا في ظل السيادة المغربية.
جوزيب بوريل… ما قاله وما تم تقويله
الكاتب : عزيز الساطوري
بتاريخ : 25/08/2022