الدبلوماسية المغربية عبر التاريخ: 5 – السلك القنصلي والدبلوماسي البرازيلي بمغرب القرن التاسع عشر

يجمع المؤرخون المغاربة والأجانب على أن المغرب بلد يضرب في عمق التاريخ بجذور تمتد إلى ما قبل العهود الرومانية والفينيقية والبيزنطية، وفي هذا دليل على أن الرافد الأمازيغي في المغرب شكل منطلق هذا التاريخ وأسس حضارة الشعب المغربي. وعلى العموم استطاع المغرب أن يرسخ مكونات الدولة المغربية من العهد الإدريسي إلى العهد العلوي مرورا عبر مختلف الأسر التي حكمت المغرب. ومن مميزات الدولة المغربية على امتداد العصور أنها حرصت على ربط الجسور مع دول البحر المتوسط وإفريقيا جنوب الصحراء والمشرق العربي والإسلامي ودول عبر المحيط الأطلسي. وهذا ما تسنى لها أن تقيم علاقات دبلوماسية وطيدة مكنتها أن تتبوأ مكانة دولية عززتها بما راكمته من إنجازات تمثلت في تنظيم سفارات وبعثات إلى كثير من الدول، وكذلك من تمكين هذه الأخيرة من فتح قنصليات لها على التراب الوطني.
وهي إنجازات تعود أكثر إلى القرن الثامن عشر، حيث استطاع من خلالها المغرب أن يكسب مقومات النهضة وبناء جسور الحداثة.
إن هذه المحطات البارزة في تاريخ المغرب المجيد جديرة بالاهتمام بها والعودة إليها من منظور جديد حتى يستطيع القارئ المهتم اليوم أن يقيس مدى حضارة بلاده وعمق تجذرها في الفضاء الجهوي الذي تنتمي إليه. وفي هذا الإطار ارتأينا أن نقدم جانبا من إصداراتنا التي انكبت على هذا الموضوع، تضيء بالخصوص العلاقات التي نسجها المغرب مع دول أوروبا وأمريكا اللاتينية. يتعلق الأمر في هذا المقال بتقديم كتاب (العلاقات المغربية النمساوية – الهنغارية: تاريخ وذاكرة المشتركة)، والذي نشره مجلس الجالية المغربية بالخارج سنة 2020، والذي نتمنى أن يجد فيه القارئ المهتم مادة دسمة حول عراقة هذه الدبلوماسية وما اتسمت علاقات المغرب الخارجية من زخم على أكثر من مستوى.

 

 

ومن ناحية أخرى، يجب التذكير بأن سيد استيبانيكو أندري دورانتيس كان يقطن ب جبراليون Gibraleon في العمالة الحالية لهويلفا Huelva ثم ب كابيسا دو فاكا cabeza de Vaca، وأصله من Jerez de la Frontera. والحال أن العلاقات ما بين البرتغال والمستعمرات البرتغالية بالمغرب من جهة، والواجهة البحرية الجنوبية للأندلس من جهة أخرى، كانت ثابتة خلال مرحلة الكشوفات الكبرى. ويشهد على ذلك مآثر Sanlucar ومآثر Jerez، وخصوصا كنيسة San Miguel، والتي تحمل بصمة التأثير البرتغالي. وبصدد ذلك، اهتم الملك البرتغالي د. مانويل ببناء دير Santo Domingo de Jerez, كان في مدينة بويرطو دو سانتا ماريا Puerto de Santa Maria، على ما يبدو جالية برتغالية. وبالخصوص كانت هذه المدينة من بين مراكز التموين والتجنيد بالنسبة للمواقع البرتغالية بالمغرب. وأخيرا، في كثير من المناسبات، كان سكان قادس ودو جيريز وبويرطو دو سانتا ماريا يتدخلون في المغرب من أجل مساعدة برتغاليي أصيلا في صدهم للموريين.
هذا هو المناخ الذي اخترقت فيه التأثيرات البرتغالية، حيث عاش ذلك Cabeza de Vaca سنواته الأولى. وكان إذن، من السهل عليه مثل استيبانيكو معرفة الأسطورة البرتغالية للمدائن السبع، الذي تمكن بدوره من نشرها بأمريكا.
تجدر الإشارة أن العلاقات المغربية المكسيكية تأسست على خلفية الوسيط الإيبيري، واستمرت الحالة إلى حدود منتصف القرن الثامن عشر ، حيث سنجد اهتماما مباشرا من لدن الصحافة المكسيكية، وفي هذا الشأن يرجع الفضل لروبير ريكار عند اكتشافه لجريدة La ‘’ Gazeta de México’ ‘ والتي تتضمن اهتمام المكسيك بأخبار دول شمال إفريقيا وضمنها المغرب على وجه التحديد. وكانت هذه الجريدة تنشر في المكسيك منذ 1728 إلى حدود 1739، يديرها الراهب السيد .Juan Francisco Sahagun de Arévalo ladron de Guevara.
استمرت في الظهور خلال سنوات: 1740 و1741 و1742 باسم «Mercuro de México». اهتمت هذه الجريدة بتاريخ المكسيك الاستعماري. وقد أعيد نشرها سنة 1903من طرف الطبيب Dr Nicolas Léon . ودأبت الجريدة على نقل أخبار العالم القديم. وفي هذا الصدد أتيحت الفرصة لروبير ريكار أثناء بعثة إلى المكسيك من استخلاص كل ما يهم شمال إفريقيا. ولم يكن ينتظر أن يجد في هذه الجريدة حجم المعلومات التي تهم مرحلة تاريخية من شمال إفريقيا ظل الغموض يكتنفها. تستمد هذه الجريدة إذن، أهميتها من كونها تشكل بديلا ومكملا للمعلومات التي تتضمنها المصادر الأساسية. وبالنظر إلى أهمية المعلومات التي تقدمها هذه المجلة والتي نقلها روبير ريكار بلغتها الإسبانية الأم، فإننا استعنا بترجمتها إلى اللغة العربية، ونقدمها كالتالي:
2 – صفحة 108 – رقم 17 من فاتح أبريل إلى نهايته من عام 1729 مكناس – ر ساءل قداسة Manuel del Rosario حارس دير معبد القديسة Purisima concepcion بمكناس بتاريخ 23 غشت من سنة 1728، يعلم أنه يوم 3 غشت من نفس الشهر، أن جيشا مؤلفا من 74 ألف مورو أسود ( جيش البخاري) توجهوا إلى المدينة من أجل الإطاحة بالمولى عبد الملك وإعادة مولاي أحمد الذهبي لسدة حكمه. فعند دخولهم المدينة سرقوا وأحرقوا ونهبوا ببشاعة، لم ينج حتى المسلمون منهم، وقتلوا كل من كان في الدير اليهودي. وفي اليوم الموالي اقتحموا معبد Franciscos Descalzos بعد تحطيم الأبواب فقتلوا الجميع ذبحا ومن بينهم، الآباء: Miguel Mellado و Donado وMiguel de San Diego وسرقوا تحف المعبد والكنيسة والمستشفى.
5 – صفحة 215 – 216. رقم 36 من بداية نونبر إلى نهايته عام 1730.
مدريد… في رسائل مكناس. نجد في هذه القصاصة التي تقول: … المملكة المغربية عرفت السلم والسلام بعد نهاية أو توقف الحرب الأهلية، والتي وضعت البلاد لحقبة غير قصيرة بين المد والجزر. وبعد اجتماع المجلس الأعلى للسود (جيش البخاري) الموالي للملك الحالي المولى عبد لله، سلمت وثيقة حسن السيرة والسلوك لأفراد المنظمة التبشيرية Los Religios Descalzos تنص الوثيقة على السماح لهم بالتجول بحرية وبالأخص في مدينتي فاس وسلا وتطوان للوصول إلى بلاد المسيحيين والإبقاء على 16 مسيحي راهب في مستشفاهم بمكناس .
13 – صفحة 440 – رقم 74. من بداية يناير إلى نهايته عام 1734.
أوروبا… نفس رسائل ( روما) تشير إلى أنه في يوم 6 مارس 1733 تم تعميد أمير المغرب من طرف القس Cardinal Guagni والذي أعطاه اسم Lorenzo Bartholomé وهو المسمى من قبل مولاي أحمد بعد وفاة أبيه مولاي عبد لله وتوليه الحكم. حمل ضده عمه السلاح. ورغم انتصاراته استقر في سبتة ومنها انتقل إلى إسبانيا.
22 – صفحة 717 – 718. رقم 117. من بداية غشت إلى نهايته عام 1737.
أوروبا… يعلم من سبتة ضمن رسائل 31 أكتوبر الماضي أن القوافل المحملة بالعتاد والمؤونة المتعارف عليها والتي تمر من وإلى سبتة أو مليلية والحسيمة أصبحت تهاجم من طرف المورو – بيض وسود- أحيانا اعتقل أحدهم وأعدم. ويجب القضاء على هذه الظاهرة لما تسببه من أضرار وخسائر وتقلل من هيبة الحكم .
25 – صفحة 856 – 857. رقم 141. من بداية غشت حتى نهايته عام 1739.
رسالة مكتوبة من طرف أحد رهبان كنيسة القديس San Francisco de la Reforma والذي عاش ردحا من الزمن في مكناس، وانتقل إلى سبتة في بداية شهر ماي من هذه السنة 1738. والذي يقول: «إن الدوق دي Riperda وكان يسكن تطوان بحي اليهود وكان يتعايش معهم، وحيث علمهم بمرضه وبمدى خطورة وضعيته الصحية، وخوفا من معاقبة الباشا لهم لعلمه بموت الدوق دي Riperda قاموا بإغلاق محلاتهم التجارية ومكاتبهم وتركوا المفاتيح عند القائد الذي يحكم تلك المنطقة، وبعد الاستشارة أرسل بدوره المفاتيح للباشا بطنجة فأصبحت ممتلكات الدوق دي Riperda بيد الباشا. علم اليهود أن الباشا تحدث مع المسيحيين والمورو والإنجليز في شأن موت الدوق دي Riperda، فخططوا لمصالحة الباشا لأنه في النهاية وقعت عليهم لائمة موت الدوق دي Riperda وذلك بطلب الصفح.
تجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من البعد الجغرافي بين المغرب ودولة المكسيك، فإن عين هذه الدولة كانت على أخبار المغرب، حيث تبلور التواصل بين البلدين سواء في شكل الهجرات الفردية أو الجماعية لكلا الشعبين. أو في شكل نقل الخبر واهتمام المنابر الصحفية المكسيكية بالمغرب وتطوراته السياسية. فجريدة La Gazetta de Mexico شكلت منبرا هاما لنقل أخبار المغرب طيلة المدة التاريخية الممتدة بين 1728 – 1742 وهي مرحلة مخاض بالنسبة لإشكالية أزمة الدولة المركزية، حيث لم تقف عند الخط التحريري الديني التبشيري ما دام من يديرها راهبا، فلا غرابة إذن، أن يهيمن الخبر الديني على الجريدة إلى جانب الأخبار السياسية الأخرى. فكما هو معلوم أن الحضور الكنسي التبشيري بالمغرب خلال سنة 1727 كان ممثلا بست كنائس، وجدت كنيستان بمكناس والأخريات بتطوان وسلا وفاس الجديد وفاس القديم، كما أسست أربعة مستشفيات في مكناس. وقد أصدر الملك المولى إسماعيل مزيدا من الظهائر التي تؤكد للرهبان الترخيص بالإقامة في المغر ب وتمنحهم حرية التنقل . وفي هذا الصدد فإن الجريدة اهتمت أكثر بالحضور الكنسي للبعثة التبشيرية الفرنسيسكانية الإسبانية بمكناس. ورصدت أوضاع الكنائس بهذه المدينة خلال مرحلة أزمة الثلاثين والتي تعد من أشد فترات تاريخ المغرب اضطرابا فقد شهدت تنصيب عدد من أبناء المولى إسماعيل. ولم يكن أحدهم بقادر على إقرار النظام وحل الأزمة السياسية والتنظيمية لشؤون البلاد . فكنيسة معبد القديسة Purisima concepcion بمكناس، كانت من ضحايا الصراع على السلطنة بين المولى أحمد والمولى عبد الملك، فتعرضت سنة 1728 لهجوم جيش البخاري الذي انتهك حرمة المكان واستباح مقتل الرهبان وسرقة الممتلكات والتحف. وسجلت الجريدة حالات السلم والسلام الذي عاشته الكنائس بالمغرب عامة ومكناس على وجه التحديد، وفي هذا الصدد حصلت الكنائس على ظهائر ترخص لها الإقامة وحرية التنقل. كما اهتمت الجريدة أيضا بنقل أخبار الرهبان الذين وافتهم المنية ، مثل الراهب الدوق دي ريبيردا والذي توفي بمدينة تطوان سنة 1738، وقد تسببت وفاته في توتر بين جيرانه اليهود وباشا تطوان الذي حملهم مسؤولية وفاته. وإلى جانب هذه الأخبار المتعلقة أولا بأوضاع الكنائس والرهبان تحدثت الجريدة على المشهد السياسي المضطرب الذي ساهم فيه – إلى جانب تنافس الإخوة الأمراء أبناء السلطان المولى إسماعيل – تمردات بعض الزعامات السياسية مثل الباشا أحمد بن عبد لله الريفي والذي كما يصفه الضعيف المعاصر له، كالتالي: «ثار ببلاد الفحص وكان يحكم في مائة قبيلة أو أكثر من باب طنجة إلى باب تازة وزاد إلى بني يزناسن…››. و«طالت دولته حتى كان الرجل يعطي النائبة على رأسه من سوق إلى سوق». و«استمر مولاي عبد لله في مطاردة الباشا أحمد إلى أن ألحق به هزيمة نكراء فقطع رأسه (عام 1156هـ / 1743م››.
يستخلص إذن، أن الجريدة المكسيكية كان لها مراسلون بشمال إفريقيا عامة والمغرب على وجه التحديد، يمدونها بالأخبار، وعبر ذلك تتبع عن كثب أحداث وتطورات والمشهد السياسي لهذه المنطقة من القارة الإفريقية. ووفق هذا وذاك، يمكن اعتبار هذا المنبر الصحافي جسرا للتواصل المستمر بين المغرب ودولة المكسيك.
2 – التمثيل القنصلي للمكسيك بمغرب القرن التاسع عشر
حدت الدولة المكسيكية حدو باقي دول أمريكا الجنوبية في مسألة ربط علاقات دبلوماسية مع المغرب، فبادرت إلى إنابة الإسبان في تمثيلها ورعاية مصالح رعاياها ومصالها التجارية والاقتصادية وما شاكلها. وفي هذا الصدد نشير إلى الرسالة التالية: التي بعث بها الوزير الإسباني المفوض فكيرا إلى النائب السلطاني بطنجة محمد الطريس تخبر بأن السفير الإسباني كلف من لدن جمهوريي المكسيك وكواتيمالا والجمهورية الأرجنتينية برعاية رعايا دولها:

مفوضية اسبانيا بالمغرب

الفقيه العاقل وزير الامور البرانية السيد الحاج محمد بن العربي الطريس لازال السوال نكم نطلب لله تكونوا بخير وعافية وبعد نجعل في علم جنابكم ان حضرة وزير الامور البرانية اخبرنا بان دول الربوبليكات التلاتة المكسيكية والكواتيملية والارخينطينية اتفقت مع دولة اسبانيا على ان النواب الصبنيولية يحمون رعيتها واغراضهم بهده الايالة وعلى المحبة والسلام في 30 ابريل سنة 1890/ 10 رمضان 1307.
المنسطر المفوض لحضرة سلطان اسبانيا قرب الحضرة الشريفة افرانثيسكو رفائيل فيكيرة.
أجيب عنه بتاريخ 28 رمضان عام 1307 بما نصه: غير خاف عن جنابكم بأن ولاة مراكشة لا تصرف على الأجانب وعليه فللرعية الأجنبية أن تستحمي بمن أرادت والسلام في…
وتذكر الوثيقة في الهامش أن الحكومة المغربية وافقت بتاريخ 28 رمضان 1307 الموافق لـ أبريل 1890 على قبول إسبانيا بحماية مصالح رعايا الدولتين.
وبعد تسع سنوات على إنابة الدولة الإسبانية لرعاية مصالح الرعايا المكسيكيين بالمغرب، سيتم تعيين ألبيرطو سلامة ممثلا لهذه الدولة بالمغرب، والوثيقة التالية تؤكد ذلك وتتضمن التماس هذا الأخير من المخزن ألا يعشر على أمتعته ما دام أنه ينتمي إلى السلك الدبلوماسي، وكان الرد برفض الالتماس ما دام المعني بالأمر لا يتوفر على أوراق ثبوتية له في هذا الصدد:
الحمد لله نسخة من لفظ ما أجيب به المذكور حوله ونصه بعد الافتتاح فإنه وافر مسطورك طالب الكتاب بإخراج الحوائج من الديوانة السعيدة على مقتضى ما قررته فصار بالبال نعم حيث كان الواقع هو عدم ثبوت مرتبة التقنصلات لك بهذه الإيالة السعيدة لدى جانب المخزن الشريف فلا سبيل لك لما ذكرته والسلام في 28 رجب عام 1317هـ/ 2 دجنبر 1899م.
وبعد يومين من رفض طلب ألبرطو سلامة راسل هذا الأخير النائب السلطاني ليخبره بأمر تعيينه قنصلا للدولة المكسيكية بالمغرب، ويحذر من أنه إن لم يتم الاستجابة لطلبه سيرفع الأمر إلى دولته وهي التي ستتكلف بدفع تكاليف الديوانة وبطبيعة الحال أن هذا الأمر يتنافى والشروط المقررة في قانون وبروطوكولات الاتفاقيات الدولية. ونص الرسالة كالتالي:
إلى حضرة الفاضل الأبر العالم العلامة خديم المقام العالي الفقيه الأديب الحاج محمد بن العربي الطريس سلام عليك ورحمة لله وبركاته وبعد لازال السؤال عنك محبة أن تكون بخير ثم إني قد قدمت كما أعربت لسيادتك شفاها قنصلا مفوضا مكلف بالنيابة عن الولايات المتحدة المكسيكية وقد كتبت إلى دولتي وأعلمتها بواقع الحال وأنا في انتظار أوامرها وكتاب منها للحضرة الشريفة أعزها لله. وقد كنت استحضرت معي أمتعة لفرش داري وهي في المرسى فالمرجو من فضلك إعطائي جوازا مضمنه أمر لتخريج الأمتعة المذكورة على مقتضى الشروط المقررة وإن لا فإن المكاليف(التكاليف) التي توجب رسما عليها فإني سأرجع بيانها إلى دولتي وهي ترجعه لي وتتبصر في الأمر ودمت بخير والسلام. طنجة في 30 رجب عام 1317هـ/ 4 دجنبر 1899م. ألبرطو سلامة قنصل الولايات المتحدة المكسيكية .
تتضمن الوثيقة التالية الموقف الثابت للمخزن حيث رفض تلبية طلب ألبرطو سلامة بعدم أداء ما عليه من تكاليف للديوانة وذلك بالنظر أنه لا يتوفر على أوراق اعتماده كقنصل للمكسيك بالمغرب ويقترح إمكانية أدائه تكاليف الديوانة شريطة أن يسترجع ما دفعه بمجرد تقديمه أوراق اعتماده كقنصل للدولة المكسيكية بالمغرب:
لمعالي حضرة الأبر اللبيب الناصح بالخير الأجل نائب الحضرة الشريفة السيد الفقيه العلامة الحاج محمد بن العربي الطريس سلام عليك ورحمة لله وبركاته وبعد وصل كتاب سيادتك بتاريخ أمس من الشهر الجاري وبه تذكر سيادتك بأنه نظرا لعدم ثبوث وظيفة القنصلية لي من جانب المخزن فلا سبيل لإعطائي جوازا لإخراج أمتعة داري من الديوانة حسب العوائد المقررة فجوابا عليه أتشرف بإعلام سيادتك بأنه نظرا للظروف الحاضرة إني مستعد لدفع قيمة الرسم الواجب عليها وإنما هذه القيمة تودع أمانة سواء كان في لكسيون(مفوضية) دولة أمريكا (الولايات المتحدة) أوفي أي محل آخر شئت سيادتك حتى إذا لم أفلح سعيا ولم أتعين قنصلا بموافقة رسمية يدفع المبلغ المذكور إلى الأمناء في الديوانة ودمت بخير والسلام في شعبان المعظم عام 1317هـ/ 5 دجنبر 1899م. ألبرطو سلامة قنصل دولة الولايات المتحدة المكسيكية .
توقفت العلاقات المغربية المكسيكية خلال مرحلة الحماية الفرنسية والإسبانية، لتستأنف نشاطها الدبلوماسي سنة 1962، عندما اتفق المغرب والمكسيك على إقامة علاقات دبلوماسية، وبقي البلدان منذ ذلك التاريخ ممثلين من طرف سفرائهما المقيمين في واشنطن ولشبونة، إلى غاية سنة 1990 حيث تقرر فتح سفارتين الأولى بمكسيكو تمثل المملكة المغربية وأخرى بالرباط تمثل جمهورية المكسيك. وبالفعل وصل في 30 يناير 1990 أول سفير للمكسيك الى الرباط السيد سلفادور كامبوسي ايكاردو، وعين في 1 فبراير 1990 السيد عبد اللطيف العلوي سفيرا للمغرب بالمكسيك·
وقد جاءت الزيارة الرسمية التي قام بها السيد فرنادو صولانا وزير العلاقات الخارجية المكسيكية للمغرب في فبراير من السنة نفسها (أي 1990) في ظرفية جد مناسبة من أجل إعطاء دفعة للعلاقات الثنائية في جميع المجالات، وفتح مرحلة جديدة أمام التعاون المغربي – المكسيكي في إطار التعاون جنوب – جنوب·
وتواصلت الزيارات منذ ذلك التاريخ وشملت وزراء وبرلمانيين من كلا البلدين ساهمت في تفعيل العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين البلدين·
ومن أجل وضع إطار قانوني للتعاون الدائم بين المغرب والمكسيك أبرمت بين الجانبين عدة اتفاقيات شملت عدة مجالات اقتصادية، تجارية، ثقافية وتربوية·
ففي أكتوبر 1990 أبرمت أول اتفاقية بين المغرب والمكسيك (اتفاق إطار للتعاون الثنائي) ثم أبرم البلدان بعد ذلك اتفاقيات أخرى في سنوات 1994 و1995 و1997 وكان آخرها اتفاقية فبراير 2004 حول التعاون الثقافي والتربوي·
وبخصوص العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية، فإن المكسيك يعتبر أول شريك للمغرب بأمريكا الجنوبية وثالث مستورد للفوسفاط الخام عالميا بعد كل من الولايات المتحدة واسبانيا بحيث يشكل 65% من صادرات المغرب نحو المكسيك، ويمثل المغرب الشريك الافريقي الثالث للمكسيك بعد جنوب افريقيا والجزائر وتشكل قطع الغيار جزءا هاما من واردات المغرب من المكسيك، ولقد وصلت قيمة المبادلات التجارية بين البلدين الى حوالي 580 مليون درهم سنة 2003·
وتجدر الإشارة الى أن المكسيك تقيم منذ سنة 1979 علاقات دبلوماسية مع ما يسمى بالجمهورية الصحراوية، بينما تقيم هذه الأخيرة تمثيلية لها بالمكسيك منذ سنة 1988· وقد كانت المكسيك إحدى دول أمريكا الجنوبية الثمان التي صوتت لصالح الاستقلال الذاتي بالصحراء المغربية باللجنة الرابعة للأمم المتحدة في أكتوبر الماضي 2004·
وقد تميزت سنة 2003 باللقاءات التي جمعت قائدي البلدين الملك محمد السادس والرئيس فيسنتي فوكس، كان أول لقاء على هامش الدورة 58 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، وجاء اللقاء الثاني بمناسبة زيارة العاهل المغربي للمكسيك حيث تناول القائدان موضوع تعزيز التعاون الثنائي.

IV. المسار الدبلوماسي للعلاقات المغربية الأرجنتينية

يحاول هذا الكتاب الذهاب في اتجاه إحياء اللقاءات التاريخية بين المغاربة والأرجنتينيين، حيث لا زالت هاته اللقاءات يلفها الغموض أو لنقل شبه مغيبة من اهتمامات المؤرخين المتخصصين في مجالات العلاقات الدولية، ولذلك فإن من شأن هذه العملية أن تفتح آفاقا رحبة للبحث في الجذور التاريخية للتفاعل والتبادل بين المغرب ودول أمريكا الجنوبية عامة ودولة الأرجنتين بشكل خاص. فالحضور المغربي بهذه الدولة كان حضورا ضاربا في عمق التاريخ، إذ يسجل آثاره منذ الستينات من القرن التاسع عشر، حيث ساهم في تخصيب الثقافة المحلية من جهة تنشيطه الاقتصادي ومن جهة تأثيره في الحياة الأرجنتينية بشكل من الأشكال. وهذا ما يحرص على إبرازه هذا الكتاب.
1. الجذور التاريخية للحضور المغربي بالأرجنتين
يعتبر إسحاق بنشيمول المدرس بمدرسة الرابطة الإسرائيلية بتطوان، أفضل من أرخ لظاهرة هجرة اليهود المغاربة إلى الأرجنتين في نهاية القرن التاسع عشر، حيث كان هناك تيار محدود للهجرة، يتشكل ببطء ولكن بتؤدة، من شفشاون إلى تطوان. و هكذا فالأسر التطوانية التي تغادر المغرب للاستقرار بصفة نهائية في الأرجنتين أو البرازيل أو فينيزويلا تحل محلها أسر أخرى قادمة من شفشاون.
ولم تبدأ الهجرة المغربية تؤتي ثمارها كاملة إلا مع عودة المهاجرين. وقد استفادت الرابطة الإسرائيلية بالمغرب أيما استفادة من حركة الذهاب والإياب هاته، والتي كانت تتم مرتين في السنة وبشكل منتظم. وكان كل مهاجر عائد إلى مسقط رأسه بمثابة معلم جديد ينضم للرابطة، يتعهد أسرته وأصدقاءه بالتوجيه والإرشاد، ويبين لهم أهمية التعلم، ويحثهم على التأهب لمعركة البقاء الشرسة دوما والقاسية غالبا، ناصحا إياهم بعدم الاعتماد إلا على أنفسهم.
وبفضل مدارس الرابطة الإسرائيلية وما تلاها من هجرة، فإن جزءا لا بأس به من ساكنة تطوان تنعم برحابة في العيش. لم توفر لهم المدارس فقط غذاء الروح، بل منحتهم الغذاء بالمعنى الحرفي للكلمة، عارية عن أية دلالة مجازية.
ويبدو أن أسباب هجرة اليهود المغاربة ترجع إلى ظروف العيش المتزايدة الصعوبة التي كانت سائدة داخل الطوائف اليهودية بالمغرب قبيل فترة الحماية الفرنسية – الإسبانية . كما تجدر الإشارة إلى أن أغلب هؤلاء المهاجرين ينحدرون من مدن تطوان وطنجة والعرائش، وجميعهم ذوو أصول تطوانية إلى حد ما، بمعنى أنهم كانوا من اليهود الناطقين باللغة الاسبانية. فكان إذن من الطبيعي أن ينجذبوا نحو البلدان الناطقة بلغتهم أو بلغة شديدة الشبه بها .
وفيما يخص طائفة اليهود المغاربة بالأرجنتين، فلم يشملهم أي إحصاء. وغالبا ما يقدر عددهم بالألف. فالطائفة اليهودية استقرت سنة 1886 وانتشرت بمجموع التراب الأرجنتيني،واستقرت بكثافة في العاصمة (Santa-Fé)و(Chaco). وكان أغلبهم ينحدر من مدينة تطوان وطنجة،وتتميز هذه الطائفة بأنها ميسورة ولها وزنها ومكانتها داخل المجتمع الأرجنتيني، حيث أصبحت تمتلك معابد ومقابر وتدير مؤسسات خيرية. وفيما يخص هاتين النقطتين،فإن روبير ريكار أخذ لائحة دقيقة تتعلق بذلك من مجلة(Buenos-Aires Israel).

(يتبع)

(*) عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس – فاس (جامعة سيدي محمد بن


الكاتب : ذ. سمير بوزويتة

  

بتاريخ : 26/08/2022