الدبلوماسية المغربية عبر التاريخ -23-

5 – مساهمة بلجيكا في مشاريع صناعة الأسلحة والإصلاح العسكري بالمغرب

 

يجمع المؤرخون المغاربة والأجانب على أن المغرب بلد يضرب في عمق التاريخ بجذور تمتد إلى ما قبل العهود الرومانية والفينيقية والبيزنطية، وفي هذا دليل على أن الرافد الأمازيغي في المغرب شكل منطلق هذا التاريخ وأسس حضارة الشعب المغربي. وعلى العموم استطاع المغرب أن يرسخ مكونات الدولة المغربية من العهد الإدريسي إلى العهد العلوي مرورا عبر مختلف الأسر التي حكمت المغرب. ومن مميزات الدولة المغربية على امتداد العصور أنها حرصت على ربط الجسور مع دول البحر المتوسط وإفريقيا جنوب الصحراء والمشرق العربي والإسلامي ودول عبر المحيط الأطلسي. وهذا ما تسنى لها أن تقيم علاقات دبلوماسية وطيدة مكنتها أن تتبوأ مكانة دولية عززتها بما راكمته من إنجازات تمثلت في تنظيم سفارات وبعثات إلى كثير من الدول، وكذلك من تمكين هذه الأخيرة من فتح قنصليات لها على التراب الوطني. وهي إنجازات تعود أكثر إلى القرن الثامن عشر، حيث استطاع من خلالها المغرب أن يكسب مقومات النهضة وبناء جسور الحداثة.
إن هذه المحطات البارزة في تاريخ المغرب المجيد جديرة بالاهتمام بها والعودة إليها من منظور جديد حتى يستطيع القارئ المهتم اليوم أن يقيس مدى حضارة بلاده وعمق تجذرها في الفضاء الجهوي الذي تنتمي إليه. وفي هذا الإطار ارتأينا أن نقدم جانبا من إصداراتنا التي انكبت على هذا الموضوع، تضيء بالخصوص العلاقات التي نسجها المغرب مع دول أوروبا وأمريكا اللاتينية. يتعلق الأمر في هذا المقال بتقديم كتاب( المغرب وبلجيكا: التاريخ والذاكرة المشتركة)، والذي نشره مجلس الجالية المغربية بالخارج سنة 2020، والذي نتمنى أن يجد فيه القارئ المهتم مادة دسمة حول عراقة هذه الدبلوماسية وما اتسمت علاقات المغرب الخارجية من زخم على أكثر من مستوى.
يأتي هذا الكتاب حول الذاكرة المشتركة بين المغرب وبلجيكا، والذي نشره مجلس الجالية المغربية بالخارج سنة 2021، ليغطي جانبا مهما من التاريخ الدبلوماسي للسلاطين والملوك العلويين خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث عرفت الدبلوماسية المغربية في هذه الفترة نشاطا متميزا تم الاشتغال فيه على الواجهة الإقليمية والدولية الشيء الذي أكسبها تطورا نوعيا، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة والتي تميزت بأهميتها التاريخية وتحدياتها الكبرى إن على المستوى الوطني أو الدولي.
كما أن هذا الكتاب يتضمن إضاءات متعددة الجوانب للذكاء الدبلوماسي الذي نهجه المغرب بشكل ناجع في تدبير علاقاته مع الدول الأجنبية عامة ودولة بلجيكا على وجه التحديد. ما يفتح المجال اليوم ليس فقط لفهم تاريخ المغرب المعاصر وإنما أيضا لاستنباط أهم المحاور التي من خلالها يمكن إعادة قراءة طبيعة السياسة الأوروبية إزاء المغرب واستجلاء مُضْمَرَاتِهَا ومحاولة القَبْضِ على أساليب المَكْرِ المُتحكمة فيها.

كان من جملة ما توجهت إليه عناية ملوكنا العلويين إنشاء مصانع بمختلف مدن الإيالة المغربية لإنتاج البارود لتموين الجيش وإمداده بما يحتاجه منه للدفاع عن البلاد وتوطيد الأمن بأطرافها، وقد كانت العناية بهذا الإنتاج بالغة أقصى حدها إلى درجة أن كل مدينة من المدن كانت تتوفر على معامل ومصانع تخرج مقادير كبيرة من البارود، ولا تزال أماكنها في هذه المدن قائمة تعرف بدار البارود، ففي فاس ومكناس والرباط وطنجة ورودانة وغيرها بنايات بقيت إلى الآن تحمل هذا الاسم وتذكر بعظمة منشئيها الغطاريف، كما كان بمراكش الحمراء معمل هائل لا تزال أطلاله ماثلة للعيان بساحة أجدال، ويعتبر هذا المعمل من أشهر المعامل قديما وأكثرها إنتاجا وصنعا، وبلغ الحاذقون بصنع هذه اللازمة لكل أمة تريد الدفاع عن كيانها أنهم كانوا يتفننون في درجات صنعه واستعماله فمنه الرديء والجيد والأجود، ومنه المزدج، وغيره مما هو مشهور معروف عند أربابه، وها نحن نأتي ببعض الوثائق السلطانية في هذا الباب ليظهر للقارئ جانب من العناية الملوكية التي كانت مصروفة بجد نحو هذا الصدد. وتتضمن الرسائل السلطانية التي أوردها عبد الرحمن بن زيدان أن الأمير مولاي الحسن كان يشرف على صناعة البارود.
ووفق ذلك، غدت فكرة قيام صناعة محلية للسلاح بالمغرب مرتبطة ارتباطا وثيقا بالصعوبات التي واجهها هذا البلد في تسليحه. فلم يكن اقتناء الأسلحة من الخارج مكلفا فحسب، بل كان يفسح للقوى الأوروبية مجالا لتوسيع تأثيراتها الخاصة، كما يسمح لها بضمان مواقع لمدربيها وأطرها التقنية. وفضلا عن ذلك، لم تكن الدول الأوروبية تمد المغرب بسلاح فعال يمكن أن يوظفه للحد من أطماعها وتوسعاتها، بل كانت تمده بعتاد عتيق ومتجاوز وتبيعه أحيانا أسلحة غير صالحة تم رتقها في مدينة لييج ( Liège ) أو في أماكن أخرى دون مراعاة للجودة أو التجانس.فصارت الفيالق المغربية تتوفر ، نتيجة ذلك على بنادق وكرابينات من ثلاثة نماذج ومن كل العيارات:
– ونشيستر ( Winchester )
– ليسبيد ( Lee – Speed )
– موزير ( Mauser )
– ليميلفورد ( Lee –Melford )
– مارتيني هنري ( Martiny Henry ).
لقد جاء اهتمام المخزن الكبير بضرورة إنشاء مانيفاكتورات للسلاح، بالمغرب من إدراكه لخلفيات هذه الوضعية.
– مصنع البارود في مراكش
لم يكن إنشاء مصانع البارود حدثا جديدا، كما لم يكن خاصية من خاصيات القرن التاسع عشر. إذ عرف المغرب مصانع بارود أخرى قبل هذه المرحلة. غير أن مصنع البارود بمراكش تم إنشاؤه في سياق الإصلاحات العسكرية التي هي موضوع هذه الدراسة.
لقد أنشئ هذا المصنع في ساحة السجينة قرب جامع الفنا على يد السلطان سيد محمد بعد حرب تطوان (1859 – 1860). وكان الأمير مولاي الحسن هو موجه ومؤطر العمل في هذا المشروع. ويليه رتبة الأمناء: أحمد الصويري ومحمد بن شقرون والحاج أحمد كنون مع مجموعة من صناع البارود الذين اختيروا لخبرتهم في هذا المجال. وكان العمال يشتغلون في إطار الكلفة. وبما أن البارود المصنع في مراكش لم يكن كافيا لسد حاجيات البلد في أي وقت من الأوقات، فقد كان من الأنسب استيراده باستمرار من الخارج وبأقل تكلفة، الأمر الذي أدى إلى شل نشاط المؤسسة تدريجيا. كما أدى إلى إهمال هذه المؤسسة سنين عديدة حتى سنة 1886 حين قرر السلطان مولاي الحسن الاطلاع عليها وإعادة إصلاحها. ويغلب على الظن أن مولاي الحسن اتخذ قرار بناء ‹› معمل القرطوس›› بأكدال بمراكش بعد أن اكتشف عدم صلاحية فابركة الحبة السجينة. ولكن هذا المعمل الذي شرع مولاي الحسن في بنائه في عام 1885م، لم يعط نتائج تذكر على الرغم من جهود السلطان واهتمامه به. وبخصوص بناء هذا المعمل فإن محمد المنوني في مظاهر يقظة المغرب يورد خمس رسائل تتعلق ببنائه. فالآلات التي اشتريت من شركة وينشستر كروب كمباني ( Winchester Krup Company )، لم تكن قد استعملت إلى حدود 1891م، حيث كلف بتسيير المعمل علج إسباني اسمه عبد القادر ولكن ‹› القرطوس›› الذي صنعه كان من نوع رديء ومرتفع الثمن. كما كلف أيضا مولاي الحسن الأول البلجيكي ‹› كرنيارد ‹› بالسهر على صناعة الرصاصات بمدينة مراكش. وقبل وفاة مولاي الحسن بقليل كان يقيم مفاوضات مع إيطاليا لإرسال عمال متخصصين. وعودة إلى سنة 1887، فقد صار مصنع البارود يضم خمس مدقات ( مهاريز) ومحركا وآلة رصد، كما جلب الكبريت، الذي هو مادة أساسية لصناعة البارود، من إيطاليا. أما الفحم، فقد كان يستخلص من خشب الدفلى الذي يخزن. وحسب تقرير شلومبرجير ( Schlumerger )، فإن بارود فاس كان أقل جودة من بارود مراكش المصنع من الملح المصفى دي الأصل الأوروبي.
– فبركة السلاح بفاس
جاء إنشاء فبركة السلاح بفاس مندرجا في سياق نهوض أكبر بصناعة محلية للسلاح، إذ فكر السلطان مولاي الحسن في تأسيس فبركة تكون أكثر مردودية من فبركة مراكش، فحاول اعتماد إشراف تقني لدولة أقل خطورة من فرنسا وإنجلترا، وسعى في تسخير هذه القوة لإعاقة توجهات الدول الإمبريالية ومراميها وضمان توازن القوى بالمغرب. وبذلك كانت إيطاليا محط اختياره على الرغم من تصلبها وتشديدها القوي للبقاء على ظاهرة الحماية القنصلية بالمغرب. وقد فصل مصطفى الشابي في كتابه الجيش المغربي في القرن التاسع عشر (1830 – 1912)، في ذكر ظروف وملابسات إنشاء معمل لصنع العدة والذخيرة بفاس على يد تقنيين وعسكريين إيطاليين.
– بلجيكا وتجارة الأسلحة
ليبدو غريبا أن ينطبع المغرب في أذهان الأوروبيين بخطورة بحرية يضطرون معها إلى أداء «إتاوة» ضمانا لسلامة مرور سفنهم. ولعل هذا الأمر يتضح قليلا إذا لاحظنا أن البحرية التركية، في باقي شواطئ الشمال الإفريقي ألقت على البحرية المغربية كثيرا من الظلال، وجعلت الأوروبيين ينظرون إليها بشيء من المبالغة. وكان السبب الكامن وراء هذا التنميط كون دول شمال أوروبا وحتى بعض الدول المتوسطية كانت قد تجاوزت في تعاقدها مع الدول المغاربية الحضر البابوي المفروض على الدول الإسلامية عندما قبلت وتعهدت بتصدير مواد وسلع مصدرة إليها، وخاصة الأسلحة والأخشاب الصالحة لبناء السفن وغيرها من السلع ذات الطابع الإستراتيجي مقابل إعفاء هذه المواد من جميع الرسوم والتعريفة الجمركية. ويدخل في هذا السياق تجارة السلاح التي أصبح المغرب زبونا خاصا لدى الدول الأوروبية عامة وبلجيكا على وجه التحديد. وبالنظر أن هذه التجارة كانت محتكرة من لدن المخزن فقد نص في معاهدة التجارة المغربية البريطانية (1273ه / 1856م) في الشرط الثاني، «ما مضمنه إسقاط الكنطردات والممنوعات في المتاجر إلا طابقة والأفيون والكبريت والبارود والخفيف وآلة الحرب وسلاح الحرب». (أنظر صورة المعاهدة).
كان لاحتكار المخزن لتجارة الأسلحة مبرراته الواقعية وذلك بالنظر إلى خطورة هذه التجارة لا من جهة استعجالية إصلاح منظومة الجيش المغربي، ولا من جهة تهديد أمن الدولة، ولا من جهة التهريب الذي أصبح مشكلة حقيقية يستنزف طاقات ويقظة المخزن. ووفق هذا وذاك، قام سلاطين الدولة العلوية بمجهودات جبارة لإنجاز مشاريع إصلاحية تهم قطاع الجيش بكل مكوناته.
– مشروع إصلاح النظام العسكري
انخرط السلطان مولاي الحسن في مشروع استحداث وإصلاح النظام العسكري، حيث سهر بتوجيهات أجنبية على هذا النظام وإصلاحه. والورقة التالية تترجم بدقة مشروع هذه المبادرة، ومدى إصرار السلطان مولاي الحسن على توفير الإمكانات المادية واللوجيستيكية:
الحمد لله خالق السماوات وداحي الأرض ومكلف العباد بالاستعداد في قوله وأعدوا وقوله ولولا دفاع لله الناس بعضهم ببعض. والصلاة والسلام على خير نبي أرسله لكافة الخلق. وآتاه الحكمة وفصل الخطاب وأولاه حسن النطق وعلى آله اسود الآجام وصحابته مصابيح الظلام الذين جاهدوا وقاموا بإشادة الدين أتم قيام ولما نصب لله الخليفة في مخلوقاته وجعله ذائدا على الحمى وحامي الشرع من جميع جهاته. وكان الجدير بذلك من ملكه لله أمر العباد وألقى بيده زمام أمورهم والرسى. السلطان الأعظم الأفخم مولانا الحسن. تعلقت همته العالية إلى الأخذ في جلب الآلات الجهادية. والتفنن في أنواعها من كل حيثية غير مبال بما يبذل فيها من نفائس الأموال. ولا مستعصب ما يرتكب في خدمتها وجلبها من أقاصي الأرضين من الأهوال. ولعلو همته التي جاورت الثريا سموا. وزاحمت منكب الجوزا علوا. وجه على أمثلة ما يصنع ببر الروم من الآلات. التي هي في الخفة وسرعة الإيجاد معدودة من خوارق العادات فورد على حضرة السنية وأعتابه الشريفة المضرية الهاشمية العلوية هذه الأنموذجات المرسومة بهذه الورقات معربة على لسان جالبها مفروغة العبارات في أحسن قالبها ولله الموفق والمعين وعليه يعتمد العبد وبقوته يستعين ونص عبارة التعريب المستفاد من جالب أمثلة الآلات المشار إليها وهو مكلين الحراب النجليزي هو ما قيد بالعربي على هذه الورقات التي هي صور أجزاء الفابريكة التي يصنع فيها مثال القرطوس المرقوم صورته طرة هذا أخذه معربه من الكراس الوارد معها وفيه من قول معلمها إن هذه الفابريكة تستخدم بالبابور وتعمل من هذا القرطوس في اليوم 10000 وهو من نمر في الجودة وثمنها ببابورها 4503 إبرات يجب عنها اثنان وعشرون ألف ريال وخمسمائة وخمسة عشر ريال ويشترط انه إن اقتضى النظر الشريف شراءها فإنه يعطاه ثلث الثمن بمجرد وصول الإذن له بتوجهها وبعد أن يرتبها في صناديقها ببابورها ويبلغها لمرسى بلادهم وتركب في البابور يعطاه باقي الثمن ولا كلفة على المخزن في صائر الصناديق المحمولة فيه وإنما عليه سكور والبابور فقط انتهى لفظ التعريب. (صور الماكينات لصناعة القرطوس)
– صفقات الأسلحة الفاسدة
اصطدم المغرب بتلاعبات مصانع الأسلحة ببلجيكا، حيث كان لها تأثير مباشر في عرقلة مشاريع الإصلاحات العسكرية التي تبناها المخزن العلوي. ونقف في ذلك على الرسائل التالية والتي تترجم صفقات الأسلحة التي تبين بعد تعييرها من طرف الخبراء والتقنيين العسكريين أنها فاسدة مما استدعى اتخاذ موقف صارم حولها ورفض أداء مستحقات شراءها من المصانع البلجيكية.
ومن أمثلة ذلك أن الدولة المغربية تعاقدت مع أحد مصانع السلاح ببلجيكا على صنع أسلحة للجيش المغربي، فلما وردت وجرى اختبارها من طرف الضباط المغاربة ومن يعمل معهم من الخبراء والمدربين الأجانب تبين أنها فاسدة وغير صالحة للاستعمال، فأمر السلطان مولاي الحسن بردها ورفض أداء أي تعويض عما أنفق عن نقلها وخزنها، كما قرر مقاطعة المصنع الغاش. والرسالة التالية التي أرسلها نائب الشؤون الخارجية السيد محمد بركاش إلى ممثل بلجيكا بالمغرب تلقي الضوء على هذه الصفقة الخاسرة.
والرسالة مؤرخة في 4 ربيع الثاني عام 1297 هـ وتوجد نسخة منها في محفوظة بمديرية الوثائق الملكية (سجل 13.432- محفظتا بلجيكا والجيش) وهذا نصها:
نسخة مما كتب به لباشدور البلجيك في شأن العدة
الحمد لله وحده
وبعد فغير خاف عنك ما دار بيني وبينك مشافهة وما أخبرناك به من الأمر الشريف الوارد علينا في شان العدة الواردة من البلجيك أن القائد مكلين الحراب النجليزي وصل للحضرة الشريفة وبيده مواجب أقيمت بفساد العدة المذكورة وحيث ثبت فسادها فالفاسد لا يعتد به ولا يقبل وعليه فيرد ما هو الآن هنا بطنجة وليس علينا بسبب فسادها لا كراء ولا صائر قط كما أننا لا نقبل بعد من صاحب الفبريكة جلب شيء من ذلك إلينا وحتى الألفان التي كانت وردت قبل وظهر فسادها لم تسلم وما زال الكلام فيها حتى يظهر ما يكون.
وأخبرناك بذلك لتعلم أن العدة التي هنا ترجع ولا تقبل ولا يقبل شيء لتكون على بصيرة.
وعلى المحبة والسلام. في 4 ربيع الثاني عام 1297.
واستمر التلاعب في صفقات الأسلحة المستوردة من بلجيكا حيث تتضمن الرسالة الجوابية التالية شكاية الطاهر بن الحاج من فساد هذه الأسلحة. ونصها التالي:
الحمد لله وحده ترجمة كتاب التاجر ادريس للوب صاحب فبريكة العدة بالبلجيك
في 21 دجنبر سنة 1885م / 14 ربيع الأول 1303 هـ.
سيدي الحاج محمد بركاش جواب
وبعد وصلنا كتابك وبداخله كتاب الطاهر بن الحاج تاريخ 15 نونبر واعيانا جواب كلامه القبيح والمكاحل التي اشتريتها هي تحت يدك لتنظرها وتعرف ما يكتب لك به الطاهر المذكور من أنها فاسدة. العدة التي عندك كلها جديدة و لم تخدم قط و كلها مجعول عليها طابع أمناء حكومة البلجيك و لو كانت شكاية الطاهر لها صحة ما أخرها تحت العدة مع أنه كان عنده الإذن منا بالدخول كل يوم لموضع الخدمة بالفبريكة وهو ينظر جميع الأمور حين صنعة العدة و البحث فيها و مع ذلك بقي حتى كملت العدة وتوجه جلها للغرب ثم وجه بالكلام القبيح فينا و بقي يأتي إلينا كما كان كأنه لم يفعل شيئا . ها هي الكنطردة التي جعلنا معك .أولا : نعطيك المكاحل مثل الميشترة التي حزتها وطبعتها فالعدة التي اشتريت كلها موافقة للميشترة التي عندك . ثانيا نسلم العدة يقلبها أمناء حكومة البلجيك المسمون من وزير الحرب ويذكرون ما هو فيها فالعدة كلها طابع الأمناء المذكورين ووجهنا لك شهادتهم مع كتاب وزير الحرب الجنرال بونطيل و كذلك كتاب من وزير الأمور البرانية اديس كرمان وعملنا كل ما قلت فلم يبق لنا ما نجعل أكثر من ذلك . ونحن الآن لسنا على خاطرنا من إنصاتك للطاهر فيما قال من الكلام القبيح فينا و أن العدة فاسدة فلا نقدر نسمع ما يقوله ولم نرد في أول الشهر الآتي نقدم للطاهر مونته كما كنا قبل . في كل من الشهر لم نرد تخليص ثلاثة أشهر كراء محل كان اكتراه الطاهر ولا محالة أنه يكتب ثانيا لحضرتك بالكلام القبيح فينا من أجل ذلك لكن لا نطيح نحن وجوهنا بالجواب عما يكتب به لك و المتعلمون المغربيون لازلنا نخلصهم لأنهم لا مدخل لهم فيما يصدر من الطاهر . المصروف الذي صرفنا يبلغ 8820 فرنك هذا و حين نخلص الباقي في آخر الشهر يكون من نحو 9000 التي 10000 نجده لك أن من أول ينير سنة 1886 لا نزيد على هذا المصروف لأننا كتبنا لك و لم توجه لنا الدراهم و السلام. للوب والوثيقة الثانية تحت رقم 1825 تتضمن استمرار التلاعب والغش في صفقة الأسلحة بين بلجيكا والمغرب سنة 1886. والوثيقة مؤرخة في 17 ربيع الثاني عام 1303 هـ / السبت 23 يناير 1886 وأصلها محفوظ في مديرية الوثائق الملكية، وفيما يلي نصها:
الحمد لله وحده وصلى لله على سيدنا ومولانا محمد وءاله وصحبه وسلم
أدام لله العز والنصر والتمكين والظفر والـتأييد والفتح المبين، لسيدنا ومولانا أمير المؤمنين ابن سيدنا ومولانا أمير المؤمنين، وبعد تقبيل حاشية البساط الشريف وأداء ما يجب لسيادة مولانا من الإجلال والتشريف، ينهى لكريم علم سيدنا أيده لله ونصره أن الترجمان الذي جعلناه مع المتعلمين الذين بالبلجيكة وهو الطاهر بن الحاج أحد المتعلمين 3 الذين كانوا بباريز، كان كتب لنا ذاكرا أنه عثر في العدة التي اشتريناها للجانب الشريف من البلجيكية على ما يخالف كنطردة شرائها المجعولة معهم، وأن البعض منها ليس مصنوعا بفبريكتهم، وذكر أنهم غشوا وخانوا. فتأملت في ذلك واستبعدته، لكن وجهت لهم كتابه معينه لينظروا مقاله ويجيبونا عنه،لأنني لم نقدر أن نكتب لهم بذلك، ربما يجعلون علينا استرعاء نسبتهم لما ذكر. ولا يخفى على سيادة مولانا أعزه لله حال النصارى في مثل ذلك. فأجابونا عن ذلك بأن العدة كلها جديدة مصنوعة بفبريكتهم ومماثلة للميشترة التي عندنا.وذكروا أن جل العدة قد ورد للغرب فيقلب حسبما ينظر سيدنا أعزه لله في ترجمة كتابهم الواصلة حضرة مولانا الشريفة مع كتابهم بعينه. ووجهوا لنا شهادة الأربعة من المهندسين الذين قلبوا تلك العدة مع كتاب وزير الأمور البرانية بدولتهم. فجدد الترجمان المذكور الكتابة بمثل ما كتب أولا، فوجهنا لهم كتابه كذلك، وطلبنا كتاب وزير الحرب كما كان الاتفاق بيننا وبينهم فوجهوه، وهو الذي وجهناه للحضرة العالية بالله مع شهادة المهندسين. ثم بعد تكرر المراجعة في ذلك أنتجت محاورتهم مع الترجمان المذكور أن صرح لهم بأنه مغرى على ما كتب لنا به ولم يبين مغريه. فأعلمونا بذلك فترجح عندنا أن نطلع علم سيدنا أعزه لله بذلك ليكون أيده لله على بصيرة ويرشدنا إلى ما نفعل، لأننا تحيرنا فيما كتب لنا به المذكور، مع ما أخبرنا به المتعلمون الذين وردوا من هناك وهم الآن بالحضرة الشريفة من أنهم حضروا على خدمتها في الفبريكة المشار إليها وخدموا فيها بأيديهم. فظهر لي أن نزيل الإشكال في ذلك إن اقتضاه نظر سيدنا أسماه لله، بأن نأذن باختبار الباقي هناك من العدة على نحو ما هو مشروط بيننا وبينهم في الكنطردة، من أنه إذا ظهر في العدة ما يخالف الكنطردة فإننا نعين مهندسا من قبلنا وهم يعينون آخر من قبلهم ويعين ثالث يحكم بينهما ونكتب للترجمان المذكور بأن يعين هو المهندس الذي من قبلنا ويحضر هو معهم لأجل أن يطلعهم على ما ذكر أنه عثر عليه، ليتبين ما كتب لنا به هل له حقيقة أو لا حقيقة له. فإن كانت العدة موافقة للكنطردة فذلك المراد، إلا أنهم لا محالة يطالبون الترجمان المذكور بالترضية فيما كتب به في شأنهم أو يبين من أغراه على الكلام القبيح في جانبهم. وإن وجدت مخالفة للكنطردة فيقع الكلام معهم حينئذ. فقد ظهر لي أن بهذا يظهر صدق ما كتب به أو عدمه. والنظر في ذلك لسيدنا أدام لله علاه. ونطلب من مولانا أدام لله عزه ونصره جوابه الشريف بما نسلكه في ذلك، طالبا من مولانا رضاه، والسلام. في 17 ربيع الثاني عام 1303. خديم مولانا أعزه لله محمد بن محمد بركاش لطف لله به.
(*) عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس – فاس (جامعة سيدي محمد بن