وزير خارجية البيرو يستقيل احتجاجا على انقلاب الرئيس على الموقف من الصحراء المغربية

قدم وزير الخارجية البيروفي، ميغيل رودريغيز ماكاي، يوم الجمعة استقالته من منصبه، معتبرا أن هذا القرار» لا رجعة فيه». وكتب ماكاي في صفحته على تويتر، تغريدة موجهة إلى الرئيس بيدرو كاستيو، قائلا إنه خلال الفترة التي قضاها في هذا المنصب، مدة شهر وأربعة أيام « كان الهدف هو تنشيط السياسة الخارجية للبيرو، وتصحيح الأخطاء ومحاولة تعزيز مسار الحياة الدولية لبلدنا «.
ورغم أن ماكاي لم يشرح الأسباب التي دفعته إلى الاستقالة من منصبه، إلا أن وسائل الإعلام البيروفية وعدد من المحللين، أرجعوا ذلك إلى الخلاف الكبير الذي طفا على السطح، بينه وبين الرئيس حول التوجهات الرئيسية للسياسة الخارجية، مثل الاتفاقية الدولية لقانون البحار، وعلى الخصوص الموقف من مغربية الصحراء، وانقلاب الرئيس البيروفي على الموقف الذي سبق أن اتخذه الشهر الماضي وزير الخارجية، باتفاق معه، حول سحب الاعتراف بالجمهورية الوهمية.
ومعلوم أن الرئيس البيروفي الحالي، بيدرو كاستيو، وبعد انتخابه، قرر في شتنبر 2021، الاعتراف بالجمهورية الوهمية، في انقلاب على مبادئ السياسة الخارجية التي أرساها مختلف الرؤساء ووزراء خارجية هذا البلد الأمريكي الجنوبي منذ 1996، وهو ما أثار موجة من الاحتجاجات في أوساط المعارضة، وداخل البرلمان البيروفي، حيث دعا آنذاك مجموعة من أعضاء الكونغرس حكومة الرئيس بيدرو كاستيو، إلى التراجع عن قرارها غير المسؤول بإقامة علاقات دبلوماسية مع كيان وهمي غير معترف به من قبل الأمم المتحدة.
كما ندد بالقرار عدد من المسؤولين السابقين ، من بينهم فرانسيسكو توديلا، الذي شغل منصب وزير الخارجية بين عامي 1995 و1997، والذي اعتبر أن هذا القرار لا يبعث على الارتياح، ويعطي إشارة تفيد أن الحكومة البيروفية تصطف إلى جانب مجموعة تتنكر للنظام الدولي كما هو قائم.
وزير خارجية بيرو الأسبق، لويس غونزاليس بوسادا، الذي تولى هذه الحقيبة من 1988 إلى 1989، ندد بدوره بهذا القرار، معتبرا أن الأغلبية الساحقة للبيروفيين تعرب عن رفضها القاطع واستهجانها لتفعيل سياسة خارجية تضر بمصالح بلدهم.
ومن بين الشخصيات التي عبرت كذلك عن رفضها لقرار الرئيس كاستيو آنذاك، وزير الخارجية المستقيل ميغيل رودريغيز ماكاي، عندما كان رئيسا للمعهد البيروفي للقانون الدولي والعلاقات الدولية، حيث أعلن إبانها أن عودة العلاقات مع الجمهورية الوهمية تشكل «انتكاسة خطيرة للبيرو، من منظور القانون الدولي»، وذكر في عمود نشره موقع الرأي (إل مونتينيرو)، بأنه من منظور القانون الدولي، «لا يمكن اعتبار قضية الصحراء على أنها قضية تصفية استعمار، بل قضية تتعلق بالوحدة الترابية للمغرب». مضيفا أن القرار البيروفي بإعادة ربط العلاقات مع (البوليساريو) يشكل «تدخلا سافرا»، و»يحمل سفاهة في السياسة الخارجية أفدح مما يمكن تخيلها».
وبعد تعيين ماكاي وزيرا للخارجية الشهر الماضي، سارع لتصحيح هذا الخطأ الجسيم، حيث قررت البيرو سحب الاعتراف بالجمهورية الوهمية، وقطع جميع العلاقات مع هذا الكيان ، معبرة عن دعمها لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية.
وحسب وسائل الإعلام البيروفية، فإن قرار سحب الاعتراف آنذاك، الذي أعلن عنه ماكاي، كان بتشاور مع الرئيس كاستيو، الذي أعطى موافقته، غير أن كاستيو سيعود يوم الخميس 8 شتنبر الجاري، عبر صفحته على تويتر، للانقلاب على هذا الموقف ويعلن عن تشبثه بالقرار الذي اتخذه السنة الماضية بالاعتراف بالجمهورية الوهمية، وهو ما سيرد عليه ماكاي اليوم التالي بإعلان استقالته من منصبه كوزير للخارجية.
استقالة ماكاي من منصبه، أثارت ردود فعل كبيرة داخل البيرو، خصوصا أنه رابع وزير للخارجية يقدم استقالته في غضون 14 شهرا، أي منذ تنصيب كاستيو رئيسا للبلاد، وهو ما يؤكد أن كاستيو لم يجد من يوافق على سياسته الخارجية، التي يطبعها التخبط، والتي تلحق ضررا كبيرا بمصالح البيرو ومكانتها في الخارج.
وفي هذا الإطار، ذكر الخبير البيروفي في السياسة الدولية، خافيير غونزاليز، أن استقالة ماكاي أمر مقلق ويضر بالصورة الخارجية للبلاد ، لأنها تكشف عن «مناخ من عدم الاستقرار الداخلي».
وبخصوص تشبث كاستيو بالاعتراف بكيان وهمي، قال خافيير غونزاليز «أنا لا أتفق مع موقف الرئيس. لقد أراد وزير الخارجية المنتهية ولايته تصحيح هذا الخطأ.»
بدوره اعتبر الخبير السياسي داريو بيدراجليو أن التغيير المستمر لوزراء الخارجية، يظهر أن الحكومة لا تملك تصورا واضحا بخصوص الاتجاه الذي تريد أن تسلكه، مؤكدا أن عدم وجود خطة للحكم يدل على «عنصر الارتجال» الذي يجعل من الصعب تخطيط وتطوير سياسات عامة مستقرة ومستمرة.
ومعلوم أن بيدرو كاستيو، الذي انتخب رئيسا للبلاد بفارق 44 ألف من الأصوات فقط، أصبح يواجه معارضة قوية تطالبه بالاستقالة، بسبب التخبط الكبير الذي يبديه في إدارة شؤون البلاد، وحالة عدم الاستقرار التي تعرفها حكومته، حيث غير مرارا وزراءه، سبع مرات على صعيد وزارة الداخلية، بالإضافة إلى الاستقالات المتعددة لوزراء الخارجية، وحقائب وزارية أخرى.
وحسب استطلاعات الرأي، فإن الغالبية من المواطنين البيروفيين باتت غير راضية على أداء بيدرو كاستيو، حيث وصلت هذه النسبة إلى 67% الشهر الماضي، وهو ما يؤشر على مصاعب كبيرة أصبح يواجهها للاحتفاظ بمنصبه، أمام شارع أصبح يضغط بقوة لعزله.


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 12/09/2022