إفريقيا ما قبل «COP 27» : هل ستكفي 432 مليار دولار لتحقيق آمال القارة في مستقبل أخضر؟

ذكرت مؤسسة «تومسون رويترز فوندايشن»، في مقالة رأي بقلم «كلار شاين» (مدير معهد جامعة كامبريدج لقيادة الإستدامة)، أن هناك حاجة إلى تعزيز «الإستثمار الخاص الأخضر» لكي تعتمد إفريقيا الطاقة المتجددة كسبيل طاقي لها، في مواجهة ما يشهده العالم مما يمكن تسميته ب»حالة الطوارئ المناخية الطبيعية»، على غرار أزمات مناخية مثل «الفيضانات» في باكستان، «حرائق الغابات» في أنحاء أوروبا، «درجات الحرارة القياسية» خلال فصل الصيف في جميع أنحاء العالم، التي تداولتها البيانات العلمية الجديدة و ما جادل به علماء المناخ منذ فترة طويلة.
و وفقا لبحث علمي حديث، لا يوجد مكان على هذا الكوكب لم تلمسه و بشدة آثار تغير المناخ أكثر من أفريقيا، لكون الطفرة في موجات «الجفاف» و «الفيضانات» و موجات «الحر» و غيرها، تقلل من النمو الإقتصادي للقارة بنسبة تتراوح بين 5٪ إلى 15٪ سنويا، في قارة تتحمل أيضا مسؤولية الإنبعاثات المرتبطة بالتصنيع التي تسببها الدول الغنية كذلك، و المفارقة أن الدول ال 54 للقارة السمراء، مسؤولة فقط عن أقل من 4٪ من إنبعاثات الغازات الدفيئة العالمية الحالية، أي أقل ب4 مرات من الولايات المتحدة (19٪) وب6 مرات تقريبا من الصين (23٪).
إن الواجب الأخلاقي و الإقتصادي، يوجب على دول العالم (الغنية) دعم إفريقيا في تكييف إقتصاداتها مع مستقبل متأثر بوضوح تام بالمناخ، و من المؤكد أن التداعيات السياسية المترتبة على قبول هذا الواجب مكلفة للغاية (بإفتراض أن التعويضات الإقتصادية للقارة تصل إلى مليارات الدولارات).. و مع ذلك، فإن مسؤولية الدول الصناعية توجب عليها أيضا، و بشكل مشترك توجيه ما يقرب 100 مليار دولار سنويا في تمويل «الحلول المناخية» للإقتصادات الأقل نموا في العالم.
و مع ذلك، فإن تأطير النقاش حول «المناخ» في إفريقيا، هو طريق إلى كارثة مناخية شبه مؤكدة، و بؤس إنساني أكبر من أي وقت مضى، سيتجاوزه العالم فقط من خلال إعادة صياغة السرد حول المناخ، ليكون لدول العالم – الغنية والفقيرة على حد سواء – فرصة في النجاة. يستلزم هذا التأطير، أولا، إعادة تفكير جذرية في تمويل «خطط و مشاريع» تخص المناخ والطبيعة، و إلى تمويل المشاريع حول المناخ في البلدان الفقيرة، حتى مع إصطدامها بواقع مالي مخيب للآمال. فخلال السنوات ال 13 التي تلت تقديم تعهدها بتوفير 100 مليار دولار للدول الفقيرة، لم تصل الدول الغنية أبدا إلى هذا الرقم ! و حتى لو تمكنوا من توفير التمويل، فإن حجم المشكلة المتفاقمة يقزم من قيمة أي ميزانية ممنوحة.
خلال إجتماع إقليمي بشأن المناخ عقد في غشت – شتنبر في «الغابون»، قدر وزراء المالية الأفارقة فاتورتهم للمشاريع المتعلقة بالمناخ في إفريقيا بنحو 432 مليار دولار، أي أكثر من 4 أضعاف تعهدات الدول الغنية (الفاشلة) بالرغم من ان هذا المبلغ لا يصعب جمعه (إن رغبوا في ذلك). وعلى الرغم من أن الأمر قد يكون غير مريح سياسيا، فإن سد فجوة تمويل هذه المشاريع التي تلوح في الأفق بيد القطاع الخاص أيضا.
ينظر قادة العالم، إلى المناخ والأمن البشري في أفريقيا مستقبلا، على أنهما فرصة مهمة لحماية محافظهم الإستثمارية و تعزيز عوائدهم المالية. كمثال، لنأخذ مشروعا بحثيا أجري مؤخرا في «كينيا» لإظهار جدوى إنتاج الطاقة النظيفة محليا من خلال جهاز تحويل حيوي «مرن»، ليتمكن النظام بشكل جيد من تلبية إحتياجات السكان من الطاقة «محليا»، مع تراجع في إستخدام مصادر الوقود مثل «الفحم» و «الخشب». إن الترويج لمثل هذه الأمثلة في جميع أنحاء القارة، مقرون بتمويلها و التشجيع عليها. وفقا لتحليل حديث صادر عن «وكالة الطاقة الدولية»فإن إفريقيا، تعتبر موطنا ل 60٪ من أجود موارد الطاقة الشمسية في العالم. ومع ذلك، لا تستخدم القارة إلا 1٪ فقط من «الطاقة الشمسية الكهروضوئية» المتوفرة لديها.
من جهة أخرى، و بالرغم من أن «صندوق المناخ الأخضر» أثبت تباطؤه في الوفاء بتعهدات البلدان الغنية البالغة 100 مليار دولار، فإن رأس المال الذي جمعه يساعد في تحسين صورة «المكافآت» المالية المتعلقة بدعم المشاريع منخفضة الكربون، وبالتالي جذب التمويل الخاص، كما ساعدت إستثمارات الصندوق في مراحله المبكرة على إثبات جدوى التقنيات و النماذج «الذكية» المتعلقة بالمناخ و البيئة.
في الأخير، سيكون على «رؤساء الشؤون المالية» في إفريقيا خلال الأشهر المقبلة، الإجتماع مرة أخرى في «قمة المناخ» السنوية للأمم المتحدة، المقرر عقدها في «شرم الشيخ» مصر، فيما يمكن النظر إليه على أنه و بشكل ما «مؤتمر» للأطراف الأفريقية و فرصة للتحول «السريع» للإقتصادات «الخضراء» في القارة.. إلا أن حضور الدول الغنية لتقديم المزيد من الهبات «المالية» المناخية، قد يصاحبه شيء من خيبة الأمل كذلك.. لذلك سيتعين على الدول الإفريقية، أن تتطلع إلى تحفيز أسواقها المالية و الغقتصادية الخضراء الخاصة، لكون الموارد المالية موجودة.. غير أن ما ينقصها هو التفكير خارج الصندوق من أجل إستدامتها.
(بقلم «كلار شاين» لموقع allAfrica)


الكاتب : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 30/09/2022