في أفق المؤتمر الثامن للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات :تحرر النساء من الرواسب والمعيقات الواقعية والفكرية والثقافية القائمة على التمييز واللامساواة

صادق أعضاء المجلس الوطني للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات ، بالإجماع، على مشروع الورقة السياسية وورقة القوانين والأنظمة والقانون الأساسي في آخر دورة لها بالرباط، في أفق المؤتمر الوطني الثامن التي اختار لها شعار : تحرر- مساواة – عدالة أيام 6 – 7 – 8 أكتوبر 2022 بالمركب الدولي للطفولة والشباب ببوزنيقة .
ولأهمية هذه المقررات ننشرها كالتالي :

اللجنة السياسية :مشروع الأرضية السياسية التوجيهية

توطئة عامة:
تشكل القضية النسائية إحدى القضايا المحورية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انطلاقا من قناعاته الراسخة، التي لا تفصل بين النضال في واجهتين أساسيتين: دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع، وايمانا منه أن كل أي تغيير مجتمعي مأمول لا يمكنه أن يتحقق إلا عبر انخراط كافة مكونات المجتمع ومن أجلهم. ومن تم شكلت مشاركة النساء في معركة بناءدولة المؤسسات الديمقراطية والحقوق والحريات إحدى الواجهات الأساسية التي طبعت المسار النضالي لحزبنا من أجل انتزاع المكتسبات في مجال الحقوق والحريات والمساواة والعدالة الاجتماعية من بوابة النهوض بأوضاع النساء.
على هذا الأساس اعتبر الاتحاد الاشتراكي في اختياراته السياسية الاشتراكية الديمقراطية، النضال النسائي جزءا من النضال الديمقراطي، لأنهن يمثلن فاعلا أساسيا في عملية البناء الديمقراطي وطرفا مركزيا في معادلة التنمية والتقدم ببلادنا. من هنا شكل التنظيم النسائي الحزبي في التقرير الأيديولوجي للمؤتمر الاستثنائي 1975 دعامة أساسية للمشروع المجتمعي الحداثي الذي يسعى الحزب الى تحقيقه، وتظل هذه السمة بارزة في الحركة الاتحادية وإحدى نقاط قوتها إلى اليوم.

في سياقات انعقاد المؤتمر

وفي إطار الدينامية التي أطلقها المؤتمر الحادي عشر لحزبنا، المنعقد أيام 28، و29 يناير 2022، تحت شعار “وفاء، التزام، انفتاح”؛والتي تمكنت من إعطاء نفس جديد للخط السياسي الحزبي في بعده الجماهيري، ملتزما وفاءا لمبادئه وشهدائه بتحرير الأرض و الانسان ، ومنفتحا على المستقبل و الطاقات الخلاقة، ومن هنا أصبح تجديد الهياكل والاليات التنظيمية وطنيا ،جهويا، واقليميا بما يقوي الذات الحزبية في علاقتها بالمجتمع، ضرورة ملحة.
يأتي انعقاد المؤتمر الوطني الثامن للتنظيم النسائي الاتحادي، بعد مرور حوالي تسع سنوات على المؤتمر الأخير ( دجنبر 2013)، والذي كان من أهم مخرجاته، تحول القطاع النسائي الاتحادي إلى منظمة «نصف جماهيرية»، تحت اسم «المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات»، إيمانا من الاتحاديات بأن الارتقاء بأداء النضال النسائي الاتحادي، يتطلب المزيد من الانفتاح على المجتمع بمختلف مكوناته، من جميع الشرائح الاجتماعية والأوضاع السوسيو-مهنية، وعلى مستوى المجالات الترابية بمختلف تنوعاتها الجغرافية و السوسيو-اقتصادية والثقافية ، مع ما يقتضيه ذلك من تجديد لأدوات التواصل وآليات العمل من أجل التوعية والتحسيس والتأطير والتعبئة، بغاية الانخراط في المعركة المتواصلة من أجل المساواة، والعدالة الاجتماعية وبما يسمح بالمزيد من التحرر من مختلف كوابح ومعيقات التنمية كيف ما كانت طبيعتها ( اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، بيئية ،ايديلوجية)
يأتي المؤتمر الثامن كذلك في أعقاب التلكؤ الذي عرفه الملف المطلبي لحقوق النساء بعد صدور الوثيقة الدستورية 2011، إذ اصطدم بتدبير حكومة ذات توجه محافظ ورجعي خلال العشرية الأخيرة ، يمكن اعتبارها مرحلة نكوص؛ كرست وضعا مفارقا بين إطار دستوري متقدم على مستوى مقتضياته، وممارسة سياسية ذات نفحة أيديولوجية معادية لحقوق النساء و للاجتهادات التنويرية للنصوص التي تكرم المرأة فعلا.
كما يأتي مؤتمرنا الثامن في أعقاب خطاب ملكي استثنائي بالنسبة للقضية النسائية في البلاد، بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لعيد العرش، أكد فيه عاهل البلاد على أن «بناء مغرب التقدم والكرامة، الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية»، كما اعتبر النهوض بوضعية المرأة والأسرة أحد ثلاثة مداخل لرفع التحديات الداخلية والخارجية (إلى جانب الجمع بين روح المبادرة ومقومات الصمود، لتوطيد الاستقرار الاجتماعي، ؛ وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني)، موضحا معطى بنيويا في القضية النسائية بقوله « فالأمر هنا، لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية؛ وإنما بإعطائها حقوقها القانونية والشرعية. وفي مغرب اليوم، لا يمكن أن تحرم المرأة من حقوقها» (خطاب العرش 2022).
كما ينعقد مؤتمرنا في سياق دولي وإقليمي ووطني وحزبي على درجة كبيرة من التعقيد والخصوصية، إذ على المستوى الدولي، لازال العالم يضمد الشروخ التي خلفتها جائحة كوفيد، وما حملته من أسئلة كبرى للنظام الدولي الراهن، زعزعت المسلمات التي قام عليها وبشر بها من خلال الثقة المفرطة في اقتصاد السوق وآلياته، ومن تحجيم لدور الدولة إلى أدنى الحدود. وهي الأزمة التي ستعيد إلى الواجهة مطالبنا المشروعة بشأن أدوار الدولة الاجتماعية العادلة والقوية، والتي تباشر وظائفها الاجتماعية والتوزيعية والأمنية على حد سواء؛ الدولة القادرة على حماية الحقوق والحريات وضمان أمن المجتمع والحدود، وهو ما ترجمته أعتى الليبراليات خلال الجائحة من عودة للحمائية، وإعادة النظر في وظيفة الحدود ومفهوم السيادة والاستقرار ومفاهيم الأمن الغذائي ،والصحي ، والاجتماعي والبيئي…
لقد فرضت جائحة كوفيد أجواءا من اللايقين علىى العالم بأسره، فأثرت على الاقتصاديات المختلفة، وأعادت صوغ علاقات القوة على نحو جديد، ولم يكن للعالم أن يستفيق من تداعياتها، حتى نشبت على التراب الأوروبي حرب غير متوقعة بين روسيا وأوكرانيا أحدثت حالة استقطاب دولي غير مسبوق منذ انهيار جدار برلين، يصعب التكهن بمآلاته، خاصة أنه وضع الجمرات الأولى للهيب أزمة طاقية وغذائية قد تستفحل في أي لحظة، وتبقى الدول النامية أكبر المكتويين بها.
كما ينعقد مؤتمرنا في ظل أجواء إقليمية متقلبة لازال محيطنا المغاربي يعيش فيها ارتدادات ما بعد الربيع العربي، ولازالت علاقاتنا بالجار الشرقي تعرف توترات راجعة الى طبيعة النظام الحاكم، التي لا يضيع هذا النظام فرصة التعبير عنها وترجمتها إلى معاكسة لمصالح المغرب في كل المحافل والمناسبات، بتوظيف الأوراق المختلفة والمساس بوحدة المغرب و أمنه واستقراره.
وبالموازاة مع العلاقات المتوترة بالجار الشرقي، ينعقد مؤتمرنا في أجواء انفراج كبير في علاقتنا بالجار الشمالي، عقب أزمة أدارها المغرب بحنكة بالغة، وبالتأكيد على الندية في التعامل مع الشركاء والأصدقاء إقليميا ودوليا. وفي هذا الاطار حقق المغرب نجاحات دبلوماسية مهمة على مستوى الاعتراف بالقضية الوطنية من طرف مجموعة من الدول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
أما على الصعيد الوطني فنسجل بارتياح التطورات الإيجابية لمسار قضية وحدتنا الترابية، والتدبير الجيد لفترة الجائحة التي أبانت عن روح استباقية عالية وحكامة جيدة في تدبير الأزمة الصحية من خلال قانون الطوارئ والإجراءاتالاحترازية، وعن حس عال للمواطنة والتضامن لدى المغاربة.
ولقد لعبت أعلى سلطة في البلاد دورا رياديا في درء مخاطر هذا الوباء، بالسهر على توفير التلقيح ومستلزماته لحماية الحق في الحياة لجميع المواطنات والمواطنين على قدم المساواة. وبذلك تمكن المغرب من تحويل أزمة كوفيد الى فرصة لإبداع وابتكار حلول اجتماعية لمعالجة الاختلالات التي عرت عنها الجائحة في كل المجالات ( صندوق محمد السادس للاستثمار، تعميم الحماية الاجتماعية)
وفي نفس السياق، ينعقد المؤتمر الثامن للنساء الاتحاديات في ضوء التقرير الوطني حول النموذج التنموي الجديد، يفترض فيه أن يرسي آليات تجاوز الاختلالات القائمة في مسار التنمية في بلادنا،والذي يبقى نجاحه «رهينا باعتماد سياسة اجتماعية مُتكاملة، تقوم على أساس توفير التعليم الجيد، والعلاجات الصحية الضرورية، وضمان الحق في الشغل، والسكن اللائق، والخدمات المرفقية اللازمة» (من البيان العام الصادر عن المؤتمر 11).
كما يأتي المؤتمر الثامن للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات في سياق التزام الدولة بتنظيم الاستحقاقات الانتخابية في موعدها 8 سبتمبر 2021، رغم ظروف الجائحة وتداعياتها والتي همت كلا من مجلس النواب بغرفتيه و الجهات و الجماعات الترابية وجرى الاقتراع في يوم واحد. و إذ نؤكد في هذا الاطار على أهمية هذه الاستحقاقات في تطوير المسار الديمقراطي والمؤسساتي، وما حملته القوانين من مستجدات على صعيد التمثيلية النسائية التي عرفت تطورا ملحوظا بفضل اعتماد اللوائح الجهوية التي عوضت اللوائح الوطنية، فإننا بالمقابل سجلنا كحزب موقفنا السياسي لما افرزته هذه الاستحقاقات من ظاهرة جديدة اسميناها «التغول السياسي «، الذي اعتبرنا في حينه أنه يشكل خطرا على التعددية المنصوص عليها في أول دستور بعد الحصول على الاستقلال، وعلى الديمقراطية في الآن ذاته لما تتطلبه من توازن بين الأغلبية و المعارضة و بين المؤسستين التنفيذية والتشريعية، وكذلك على مستوى حكامة التدبير في الجهات . كما سجلنا انشغالنا وقلقنا الكبيرين بشأن الظرفية الاقتصادية التي يمر منها المغرب والمتأثرة بالسياقين الدولي والإقليمي، اللذين زاد من حدتهما أزمة المحروقات التي الحقت ضررا كبيرا بالقدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، وكذا حالة الجفاف المزمن الذي يعرفه المغرب خصوصا هذه السنة 2021/2022، لتصبح بذلك الأزمة مركبة، تستدعي معالجتها واحتواء اثارها الاجتماعية حلولا استباقية وجذرية من قبل الحكومة، للتخفيف من اثارها على الأوضاع الاجتماعية والقدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين الشيء الذي غاب لدى هذه الحكومة بخصوص التدبير الناجع للأزمة واحتواء تعقيداتها وانعكاساتها، حيث ترك المواطن(ة) بين سندان موجة الغلاء غير المسبوقة و مطرقة انعدام الإجراءات اللازمة الكفيلة بالحد من اثار هذه الازمة الاجتماعية الخانقة التي يصعب التكهن بمآلاتها .
أما على الصعيد الحزبي، فينعقد هذا المؤتمر والحزب يعيش إيقاع استعادة المبادرة السياسية والتنظيمية لتعزيز أدواره و مواقعه داخل المجتمع ، وتوسيع قنواته القطاعية والجماهيرية، حيث أفرزت انتخابات 8 شتنبر 2021 ، نتائج بوأت الحزب المرتبة الرابعة ب 34 مقعدا برلمانيا من بينهم 11 نائبة برلمانية عن اللوائح الجهوية، مسجلا بذلك تحسنا كبيرا في موقعه الانتخابي ، ومؤشرا على العودة القوية والحضور الفعلي والفعال في الساحة السياسية ، كقوة أولى في المعارضة؛ الموقع الأصيل للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.، والذي «ينبغي أن يمثل عنصر تعبئة لكل الاتحاديات والاتحاديين، ومعهم كل مكونات المجتمع المغربي لمناهضة هيمنة السلطة والمال، ونُعلن تشبثنا القوي بالتناوب الديمقراطي، ضمن شروط سياسية تحترم فعليا التعددية وحق الاختلاف ونزاهة العملية الانتخابية، وتوسيع قاعدة المشاركة في الشأن السياسي والثقافي والاجتماعي، عبر ترديد المكتسبات الحقوقية، الفردية والجماعية»(من البيان العام الصادر عن المؤتمر 11).
في ظل السياقات السالفة الذكر ، وما عرفته من تحولات متسارعة و ما افرزته من اثار على الاقتصاديات والأوضاع الاجتماعية و النفسية للمواطنات والمواطنين، في بلادنا و في العالم أسره ، نتيجة لظاهرة العولمة و الليبرالية المتوحشة الى جانب جائحة كوفيد 19 وتداعياتها، يمكن الإقرار بأن النساء حسب المعطيات الواقعية والاحصائية للعديد من الدول بما فيها المغرب، يشكلن الفئة الأكثر عرضة للتأثر سواء بالسياسات المغيبة لمقاربة النوع الاجتماعي أو بالأزمات كيف ما كانت طبيعتها (اقتصادية ، اجتماعية، صحية ، نفسية، بيئية …) بالنظر لما تعرفه اوضاعهن من فقر وهشاشة وعنف وإقصاء وتمييز وغياب للحماية الاجتماعية، وهي ظواهر ووضعيات يعاد انتاجها في ظل اللجوء إلى حلول ترقيعية، تفتقد النفس الإستراتيجي في السياسة العامة وغياب الالتقائية على مستوى السياسات العمومية وضعف حكامتها من قبل الحكومات المتعاقبة خلال العشرية الأخيرة وتواتر ذلك على السياسة الحكومية الحالية.

تساؤلات لا بد من طرحها
ضمن هذا الإطار، ولكون المؤتمر يشكل محطة سياسية وحقوقية بامتياز لمساءلة أوضاع النساء المغربيات في ارتباط بما تحقق و ما لم يتحقق منذ أن أصبحت قضية المساواة مطروحة في الأجندات السياسية والحقوقية ببلادنا (حكومة التناوب التوافقي) وفي علاقة مع جميع الفاعلين(ت) سواء السياسيين أو المدنيين أوالحركة النسائية بتعددية أطيافها، هنا يجوز طرح التساؤلات التالية :
إذا كانت الوثيقة الدستورية لسنة2011 قد ضمنت من خلال مقتضياتها المتقدمة مبدا المساواة والمناصفة بهدف التمكين الحقوقي للنساء، فإلى أي حد تم التفعيل الديمقراطي لمقتضيات الدستور؟
ما الذي تحقق من مكتسبات ذات الصلة بقضايا النساء؛الحقوقية المدنية منها و السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية و البيئية؟
إلى أي حد استطاع النضال النسائي من مختلف المواقع تحويل مطالب النساء المغربيات الى مطالب مجتمعية؟ وماهي الاكراهات و المعيقات؟
ما هي رهانات وافاق تطوير النضال النسائي و ما هي اليات الارتقاء بالتنظيم؟
في ضرورة التقييم استشرافا للمستقبل
في اطار مقاربة هذه التساؤلات الموجهة وحتى يتسنى ملامسة الأجوبة والحلول الممكنة من قبل المؤتمرات، فإن المؤتمر يشكل من منظورنا محطة أساسية تلقي علينا جميعا المسؤولية السياسية والأخلاقية كمناضلات وتنظيم نسائي لإنجاز وقفة تقييمية موضوعية ذات بعدين:
-بعد يتعلق بواقع التنظيم النسائي الاتحادي على مستوى أدائه ومردوديته النضالية و التنظيمية وما حققه من أهداف للارتقاء بالعمل النضالي النسائي في الواجهة الحزبية وكذا الواجهة المجتمعية، وما لم يتحقق باستحضار الاكراهات و الصعوبات والتحديات
-بعد يتعلق بواقع التمكين الحقوقي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وكذا المشاركة السياسية في المؤسسات المنتخبة ومواقع القرار، من خلال قراءة هذا الواقع على مستوى المؤشرات والمعطيات المتوفرة وعلى مستوى المكتسبات وافاق النضال من اجل انتزاع المزيد من الحقوق
من هذا المنطلق ومن أجل نساء هذا الوطن أينما وجدن في المداشر و القرى، في الجبال ، في المناطق النائية، في الصحاري، في احزمة المدن، بين الأسوار، في بلاد المهجر……، تعقد المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات مؤتمرها الثامن تحت شعار( تحرر- مساواة –عدالة)؛ التحرربما هو «إعلان عن الانحياز الواضح للتقدمية بما هي نقيض موضوعي وعملي لكل التوجهات النكوصية والرجعية، وبما هي أفق للحداثة المنشودة، والتي لن تكتمل بدون تحرر النساء كتعبير عن تحرر المجتمع»، والمساواة الفعليةبما هي « رفض أي تمييز سواء في القوانين أو في الممارسات على أساس الجنس»، العدالة الاجتماعيةبما هي «ركن من أركان توجهنا الديموقراطي الاجتماعي التقدمي الاشتراكي، والذي نعتبر أن أي تقدم في مجال العدالة الاجتماعية يجب أن يضمن هذه العدالة على المستوى الطبقي وعلى المستوى المجالي، وكذلك على المستوى الجندري» (كلمة الكاتب الأول للحزب أمام المجلس الوطني للمنظمة بتاريخ12 يونيو2022).

المحور الأول: الحقوقالأساسية الإنسانية للنساء بين التنصيص الدستوري ومحك الاقرار الفعلي للمساواة

ظل الاتحاد الاشتراكي يعتبر قضية المرأة قضية مجتمعية منصهرة على مستوى توجهاته واختياراته السياسية والفكريةوالثقافية، وبرامجه في مختلف المحطات النضالية والاستحقاقات الانتخابية، ذلك أن تحقيق المجتمع الديمقراطي يتوقف على تحرر النساء من الرواسب والمعيقات الواقعية والفكرية والثقافية القائمة على التمييز واللامساواة. وحتى يتسنى صون كرامة النساء وتمكينهنمن كافة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، جعل الحزب من تنظيمه النسائي رافدا أساسيا لتصريف مواقفه المبدئية التقدمية والحداثية لنصرة قضايا النساء والترافع عنها لتحقيق مكتسبات تقوم على المساواة الفعلية بين الجنسين و مبدأ المناصفة.
على هذا الأساس، يمكن من خلال قراءة لخربطة المكتسبات التي حققتها الحركة النسائية ومن ضمنها القطاع النسائي الاتحادي، اعتبار أن بداية الألفية الثالثة، شكلت منطلقا فعليا لجني ثمار عقود من النضال، حيث دخلت بلادنا في مسار انتقال ديمقراطي دشنته حكومة التناوب برئاسة المجاهد عبد الرحمان اليوسفي 1999 (الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية) والتي خلقت تجاذبات مجتمعية جسدت صراعا فكريا و سياسيا وايديولوجيا بين قوى تقدمية حداثية وقوى رجعية محافظة ،محدثا بذلك نقطة تحول هامة في سيرورة النضال التقدمي الحداثي في ما يتعلق بقضايا النساء، أحزابا و حركة نسائية، والتي فرضت ضرورة إعادة ترتيب الاجندات النضالية وفق استراتيجيات ومهام تعبوية جديدة، مستوعبة لخطورة المرحلة وتحدياتها.
وبقدر ما ساهم هذا الحدث الذي عاشه المجتمع المغربي آنذاك، في تنامي الوعي بالحقوق الأساسية الإنسانية للنساء وضرورة خوض معركة التغيير لأجل تحسين أوضاعهن بقدر ما نبه الى خطورة المد الرجعي في ممانعته لهذه الحقوق ومقاومته لأي شكل من أشكال التحرر من الوصاية و الدونية والتمييز والتهميش، الذي يطال النساء منذ قرون، مقاومة مدعمة بخلفيات سياسوية تستمد مشروعيتها من قراءة لاعقلانية متشددة للنص الديني .
وإذا كان دستور 1996 قد حمل ارهاصات إصلاحية حول بعض القضايا الحقوقية والاجتماعية ، فإنه بالنظر لإشراطات الوضع الإقليمي اقتصاديا و اجتماعيا و تنامي الحركات الاحتجاجية ( حركة 20 فبراير ) والتي ساهمت فيها الحركة النسائية، لم يعد قادرا على استيعاب معطيات المرحلة وتحولاتها، لقد اصبح المطلب الرئيسي للحركية السياسية والاجتماعية هو تغيير الدستور بما يتوافق والمطالب الحقوقية والسياسية والاجتماعية والانتظارات الشعبية ، وفي اطار تفاعلها مع الحراك جاء الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 ليعبر عن إرادة المؤسسة الملكية في التغيير وإحداث لجنة استشارية لصياغة الدستور سجلت لأول مرة مشاركة امرأة. و بذلك شكل دستور 2011 لحظة تشريعية مفصلية في الحياة الديمقراطية والمؤسساتية ببلادنا ومكسبا هاما تجسد على مستوى التصدير من خلال التنصيص على إرساء دعائم مجتمع متضامن يقوم على المساواة و الكرامة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية … كما نص التصدير في اطار تسع التزامات نذكر من بينها ثلاثة :
حماية منظومتي حقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما والاسهام في تطويرهما مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء؛
حظر و مكافحة كل اشكال التمييز بسبب الجنس او اللون او المعتقد او الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة او أي وضع شخصي مهما كان ؛
جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب و في نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة ، تسمو، فور نشرها ، على التشريعيات الوطنية ، والعمل على ملائمة هذه التشريعات ، مع ما تتطلبه تلك المصادقة. ؛
وقد تعزز هذا الورش الإصلاحي للدستور بالفصول التالية :
الفصل 6 الذي ينص على تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات و المواطنين و المساواة بينهم ، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية؛
الفصل 19 الذي نص على تمتع الرجل و المرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى و كذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية الأخرى كما صادق عليها المغرب وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. مؤكدا في نفس الفصل على السعي الدولة على تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال و النساء، ولهذه الغاية تحدث هيئة للمناصفة لمكافحة كل أشكال التمييز؛
الفصل 164 على إحداث الهيأة المكلفة بالمناصفةومكافحة كل أشكال التمييز و التي تسهر على احترام الحقوق والحرياتالمنصوص عليها في الفصل 19 ؛
الفصل 169 الذي ينص على احداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة المحدث في الفصل 32؛
مما لا شك فيه، أن هذه الاصلاحات تشكل مكتسبات مهمة لصالح الارتقاء بأوضاع النساء المغربيات والتي جاءت بعد نضال مستميت للقوى السياسية التقدمية والحداثية والمدنية الديمقراطية، وعلى رأسها الحركة النسائية ، التي شكل في اطارها القطاع النسائي الاتحادي أحد الدعامات المؤسسة في المجال الحقوقي . غير أن واقع التنزيل الفعلي لهذه المقتضيات الدستورية يثير العديد من التساؤلات حول حجم المفارقة بين ما أكده الدستور خاصة في اقراراه بالمساواة في الحقوق، وبين الواقع المرير الذي تعاني منه اغلبية النساء، وزاد من حدته تداعيات كورونا، التي عرت على وقائع اجتماعية لها دلالتها على مستوى مقاربة موضوعية لأوضاع النساء المغربيات من قبيل:
تنامي ظاهرة الأسر التي تعيلها النساء،فحسب احصائيات المندوبية السامية للتخطيط فإن الأسر التي تعيلها، النساءبالرغم من الحيف الذي تعانين منه على مستوى المعامل او الاسر باعتبارها المعيلة لها،نجد أن نسبة النساء تصل إلى اكثر من 19.3 في المئة من مجموع الاسر القاطنة بالمدن،و12.3 في المئة من الأسر القروية ،ويسجل أيضا أن المعيلات إما أرامل او مطلقات بنسبة 71.7في المئة .وان نسبة الأمية في وسطهن مرتفعة بنسبة 83في المئة. وهذا ما يسائل بنية مجتمعية محافظة على مستوى الخطاب، متمسكة بمفهوم القوامة والولاية وغيرها؛
تمركز نشاط النساء في القطاع غير المهيكل في مجالات متعددة؛
القصور الذي عرفه قانون العاملات في المنازل الذي لم يتم تفعيله وأفضى الى المزيد من تكريس تشغيل القاصرات في المنازل وبذلك ظل قاصرا على الوفاء للمكتسبات الدستورية في الحماية القانونية و محاربة كل أشكال التمييز ؛
استمرار تأنيث الفقر والهشاشة و الأمية في صفوف النساء، بحيث يصل معدل الهشاشة في صفوف النساء المعيلات، على المستوى الوطني 6.7 ، و على المستوى الحضري 4.8 و القروي 12.4 بحسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط 2019. هذا الواقع يكرس المزيد من التهميش والحيف والتمييز الذي يحول دون التمكين الحقوقي للنساء ؛
استمرار إعادة إنتاج نفس الصور النمطية عبر قنوات التنشئة الاجتماعية التقليدية:، إذ نرصد عدم إشاعة ثقافة المساواة حقوق الإنسان، وحقوق النساء، في المقررات الدراسية التي تكرس أنماطا متجاوزة عن صورة المرأة ،وعن علاقتها بالرجل في ظل الأسرة ،وداخل كل الفضاءات، بما يعرقل دينامية تحول مجتمعي، وينسف كل المجهودات المبذولة بهذا الشأن .وهو الأمر ذاته الذي يرصد في وسائل الإعلام السمعي والبصري التي تساهم موادها المبثوتة أحيانا في تكريس ما يتعارض مع ثقافة حقوق الانسان ويسهم في إغراق المجتمع في تصورات مغلوطة عن المرأة وأدوارها داخل المجتمع، رغم اعتماد «الميثاق الوطني لتحسين صورة المرأة في وسائل الإعلام» سنة 2005، وإحداث وزارة الأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية «المرصد الوطني لتحسين صورة المرأة في الاعلام» وهو ما يسائل جدوى هذه الأطر القانونية والمؤسساتية؛
ارتفاع حالات العنف المبني على النوع: يعكس هذا الواقع رسوخ التمثلات الاجتماعية باعتبارها تصورات متعالة على الأفراد، تتكون جماعيا عبر الأجيال، وتهدف الى المحافظة على «خصائص» المجتمع وضمان استمراريته من خلال ممارسة الضبط والإلزام أو ما يسمى «القهر الاجتماعي». وهي الثمثلات التي سكت علاقة التبعية بين المرأة والرجل عبر تقسيم جنسي للعمل تكرست معه وضعية الهيمنة الذكورية باعتبار الرجل مالكا لوسائل الإنتاج ومنتجا للثروة ومستحوذا على الفضاء العام، بينما المرأة أسيرة الاشتغال في حدود المجال الخاص،؛ مساعدة لزوجها للقيام ببعض الأعمال الزراعية دون أجر، لكنها مشمولة بالنفقة بصفتها أحد أفراد الأسرة المفتقدين لمصدر دخل؛
محدودية المشاركة النسائية في التنمية المجتمعية، واثار نتائجها الذي يقاس على مستوى محدودية البرامج التنموية ومدى نجاعتها وفعالية السياسات العمومية الموجهة المستجيبة للنوع الاجتماعي. في هذا الإطار يمكن مقاربة كيفية تعاطي الحكومات السابقة ( 2012) مع قانون 79,14 المتعلق بهيأة المناصفة و مكافحة جميع اشكال التمييز ضد المرأة فرغم ترافع القوى التقدمية و الحركة النسائية المغربية على احداث هذا القانون منذ 2012 لم يتم احالته على البرلمان الا في يوليوز 2015، و تمت المصادقة عليه في مجلس النواب، في ماي 2016 دون الأخذ بالاعتبار المقترحات والتوصيات المرفوعة من المجلس الوطني لحقوق الانسان وكذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والحركة النسائية بمختلف مشاربها . على أهمية احداث هذه الهيأة التي تعد مكسبا دستوريا، فان اعتبارها كألية استشارية فقط يقلص من ضمانتها على مستوى استقلاليتها و قدرتها على الحماية النهوض بالحقوق الأساسية الإنسانية للنساء، خاصة و انها لم تخرج الى حيز الوجود ولم تحظى بالتفعيل رغم مرور اكثر من 6 سنوات على المصادقة القانون المنظم لها ؛
الفصل 19 من الدستور الذي يؤكد على الاحترام الفعلي للمبدأ الدستوري حول المساواة بين الجنسين، لم يجد طريقه الى التفعيل بالنظر لعدم ملائمة العديد من القوانين المؤطرة للحياة العامة والعلاقات وخاصة ما تعلق منها بالمرأة وفقا للدستور (مدونة الأسرة، القانون الجنائي) وهو ما يطرح تحديات كبرى على مسألة تفعيل الدستور في هذا الباب. والذي خضع في عمومه الى تطبيق جزئي أو انتقائي في أغلب الأحيان؛
من المؤكد في سياق مناقشة المكتسبات الدستورية ولاسيما الفصل 19، استحضار المشاركة السياسية للنساء و توسيع التمثيلية في المؤسسات المنتخبة كنموذج و التي عرفت بفعل اعتماد اليات تمييزية إيجابية لصالح الرفع من منسوب هذه التمثيلية تطورا ملحوظا في مسار هذه المشاركة (و التي سنعرض لها بالتفصيل في المحور الثاني). مما يجيز التساؤل حول المشاركة السياسية بما هي حق منحه الدستور المغربي للمرأة مع الرجل على قدم المساواة. بمعنى اخر هل يمكن اعتبار توسيع المشاركة السياسية و التمثيلية المؤسساتية مؤشرا كافيا على التمكين الفعلي و الحقوقي للنساء المغربيات دستوريا ولقياس مدى تفعيل الدستور على ارض الواقع ؟
تكتسب هذه المساءلة أهمية كبرى من منظورنا كتنظيم نسائي اشتراكي ديمقراطي، يؤمن بعدالة القضية النسائية في ظل التحولات التي تعرفها بلادنا اليوم في تفاعل مع المستجدات الحاصلة إن على مستوى ما يعرفه المجتمع من تطور وتنامي الوعي العام والنسائي على الخصوص، أو على مستوى التزامات المغرب مع المواثيق والاتفاقيات الدولية الرامية الى تحقيق المساواة ومكافحة كل أشكال التمييز ضد النساء.
بالتأكيد ان الإجابة عن مدى التفعيل الحقيقي لمقتضيات الدستور المنصوص عليها في ما يخص فعلية الحقوق الأساسية للنساء ، لا يمكن اختزاله في مجرد النظر من زاوية المشاركة السياسية و التمثيلية في المؤسسات المنتخبة و إن كانت تشكل مدخلا هاما واساسيا في تطوير الحياة السياسية ببلادنا والتي لن تستقيم من دون مشاركة فعلية للنساء كما ونوعا ،ذلك ان الحقوق كل لا يتجزأ . ويمكن قراءة عدم تفعيل الدستور في العديد من المقتضيات في علاقتها بالواقع الذي تعيشه النساء اقتصاديا و اجتماعيا وصحيا … كما يمكن أن نعزي ذلك الى تماطل الحكومات السابقة و ترددها خاصة عند تحمل المد المحافظ للتدبير الحكومي في العقود الأخيرة . وقد ساهم ذلك في عرقلة تحقيق مكتسبات دستورية، تجلت في استمرار أوجه القصور الذي طبع الوضع الحقوقي للنساء سواء على مستوى القوانين المؤطرة للعلاقات العامة أو الخاصة ( مدونة الاسرة، القانون الجنائي، قانون 103.13 حول العنف )
على هذا الأساس نعتبر كتنظيم نسائي اتحادي يعتز باختياراته الاشتراكية الديمقراطية ويؤمن بالحقوق الإنسانية الأساسية للنساء مستحضرا دينامية المجتمع وتحولاته، أن الحاجة والضرورة المجتمعية تحتم اليوم وليس غذا تحيين ومراجعة مجموع الأطر القانونية الوطنية التي لازالت تحمل بين طياتها مقتضيات تمييزية تجاه النساء، لأن القوانين إذا كانت تمثلأهم المداخل الأساسية لتيسير تمتيع المواطنات والمواطنين بالحقوق الأساسية للإنسان فإن تواتر مراجعتها بالنظر للتطور المجتمعي يعد أمرا ضروريا مع ما يقتضيه ذلك من توفر على ضمانات فعلية لحماية الحقوق والحريات المرتبطة بالنساء في بلادنا .
وعلى صعيد اخر فأن المستجدات السياسية والمجتمعية والاقتصادية التي عرفتها بلادنا وما عمقته تداعيات الازمة الصحية لكوفيد ، خصوصا بالنسبة للنساء ، يستدعي التحيين بما يلائم التحولات البنيوية التي يشهدها المجتمع المغربي على مستوى القيم الناظمة للعلاقات بين أفراده، وتطلعاتهم وأولوياتهم، وبما يضمن احترام المبادئ والقواعد الواردة في دستور المملكة ،سواء على مستوى التصدير أو مختلف المواد المتعلقة بالحقوق والحريات بصفة عامة، وبحقوق النساء بصفة خاصة ، على النحو الذي يمضي بنا في أمان نحو القضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء، وملاءمة القوانين الوطنية مع الالتزامات المغرب الدولية عبر ترسيخ مبدأ المساواة أمام القانون.
إن تحيين الترسانة القانونية و تنقيحها من كل ما يعد مقتضيات تمييزية ضد النساء، يبقى من منظورنا كمنظمة اشتراكية للنساء الاتحاديات، ضرورة ملحة ومستعجلة.

في المراجعة الشاملة لمجموعة
القانون الجنائي

تعتبر مجموعة القانون الجنائي أحد الركائز الأساسية لبناء دولة الحق وسيادة القانون وهي الضامن الأساس لبناء مجتمع يطمئن فيه المواطنون والمواطنات على شروط عيش كريم، بل هي الضمانة الجوهرية للحقوق والحريات مع استحضار العلاقة الوثيقة بين حقوق الإنسان والتنمية.
وبالنظر لكون القانون الجنائي هو الذي يحدد تخوم الحقوق والحريات في كل بلد، سواء منها الفردية أو الجماعية، كما يحدد ما يعتبر جريمة ويحدد كيفية ردعها عبر تخصيص عقوبتها، فهو بالتالي يحدد طبيعة المجتمع والدولة؛ وطبيعة النظام السياسي من خلال رسم دوائر الحرية ومساحاتها للأفراد، ونطاق تدخل الدولة فيها؛ بمعنى يحدد طبيعة العقد الاجتماعي في كل بلد.
وبناء عليه، فإن أحد المطالب الأساسية للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات تتمثل في أولوية إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين الفرد والمجتمع، والمجتمع والدولة، بشكل يراعي التوازن بين المصلحة العامةالقائمة على حفظ كيان الدولة والمجتمع، والمصالح الخاصة من خلال حماية حقوق الأفراد وحرياتهم الفردية والجماعية، وهو ما يستدعي إعادة النظر في مفهوم النظام العام، لكي ينسجم والتحولات التي طرأت على منسوب الوعي عند المواطنات والمواطنين وتطلعاتهم، بما يستتبع إعادة النظر في الإطار القانوني للحريات العامة، وإعطاء الفرد المكانة التي يستحقها كذات واعية ومسؤولة تتمتع بدائرتها الخاصة التي يجب أن يكفل لها في إطارها ممارسة حقوقها وحريتها الفردية دونما تضييق، في إطار الضمانات التي يوفرها دستور المملكة وتكرسها المعايير الدولية لحقوق الإنسان وارتباط ذلك بالحقوق الإنسانية الأساسية للنساء وتحديدا تحقيق المساواة والمناصفة والعدالة الاجتماعية مع العمل على إرساء قانون جنائي ، تشكل هذه الحقوق احد دعاماته الأساسية ومسطرة جنائية واقية وحامية من أي شكل من اشكال التمييز والعنف ضد النساء.


بتاريخ : 03/10/2022