«فكرتي عن الفكرة» لليلى نسيمي : التجربة وتشكيل المرجعية

 

«فكرتي عن الفكرة» رحلة وجودية في دروب القصيد، اختزال لتجربة رتبت ليلى النسيمي أشياءها… إنها فكرة اللامعنى زمن الشكليات و خيبة الانتظار ..هي رموز شفافة تقيم مسافة بين العمق والواقع في تجلياته السياسية والأيدولوجية في تناغم يحضر فيه حيز الشعر في القراءة، الفكرة ليست حكما ولا رأيا يتحول إلى عقيدة، وإنما هي بنية تحكمها ذات منكسرة.
فكرة تتمدد في إيقاعات تتقاطع مع الدلالة بنفس أسطوري يسكن الذات داخل بنية النص، تعيد تركيب صوره وتنظيم تفاصيله في وحدات تصبح فيه رهينة الفكرة المنطلق فكرة الذات والواقع والبنية …
فكرة ليلى عن الفكرة، حركة استقراء لعلاقات فوق العادة من صوت يحمل داخله ازدواجية الحركة والسكون، ازدواجية الصمت والبوح من صوت يرتفع من الدواخل يعلن عن حقيقة الفكرة .
فاء الفكرة فيئ وظل يا رفيق
كافها كفت إذ كانت كن وكان
راء رب ظن ظن
وتاء تأنيث أفسح
للقول والمجاورة
هذه الثنائيات سوف تحكم فكرة ليلى في النص كله ، تمتزج فيه رموزها بتجربة قاسية قرأت بها علاقاتها مع الآخر الذي يقاسمها واقعا عاريا تنتظم فيه صورها مركبة، معبرة بشكل مباشر عن مشاهد غير محددة..
الفكرة
حر انصهار الدال في المدلول
و الدال دلو كما حذاء الرفاق مثقوب
أما الحكمة فجب لا ينضب
هي صور وإشارات وتداعيات من تجربة قاسية تجربة الذات والواقع استعارت لحظاتها لتبني تصورها حول الفكرة انطلاقا من فكرتها ، لحظات مفصلة تعزلها تارة عن سياقها ، وتارة أخرى تضعها في سياق تصورها وتعيد قراءة تجربتها بكل تفاصيلها الواقعية وتعمل على تقطيعها وموضعتها في إطارها الفكري وبالتالي الشعري، لتكون التيمة الأساس للقصيدة.
إنها تجربة شاعرة دفعت صوتها ليبسط تجلياتها تفصيليا من عمق دواخل لتتحول إلى فكرة أصبحت جزءا منها، وتراقب مسارها وتقدم نفسها من خلالها:
الفكرة
أن نحصي انعطافاتنا
أن نسرب ما بالحذاء المثقوب
من حكمة ضالة
قبل استقامة الطريق
بين الشاعرة وصوتها تقع الفكرة. هي خلاصة تجربة في مرحلة الوعي بالذات، بين الفكرة والشاعرة تختلط مسارات لتخرج القصيدة وحدة مشكلة مرجعياتها التي تتجدد انطلاقا من الفكرة وإلى الفكرة .
الفكرة
لا تقف لا تصل
بل تسبح وتتشظى
أكبر من البوصلات
أوسع من ثقوب الأحذية
أقدم من صدوع الذاكرة.
الفكرة صوت للفعل الإنساني يغوص في جوهر الأشياء فتصبح الفكرة قصيدة تكسر كل المنطلقات وتتمرد عليها ، لتتحول بشكل دائري لا مكان فيه لثوابت بل لمسار متجدد لإنتاج فكرة من رحم الفكرة الأساس، حيث تستسلم بنية النص الى شبكة علاقات من جدل داخلي يحمل تناقضات تتشكل في حركية تتحول شكلا يحمل معاني صراع مؤسس أيديولوجيا، يهدم الثابت الخارجي ..
الفكرة
ليست الغريق
ليست صرخته
ولا طوق نجاة
به يليق
الفكرة
جمع ولم
فك وهدم
الفكرة تجربة شعرية تنكسر فيها السياقات لتنتج سياقات بديلة من خارجها، مشكلة وحدة عبر مقاطع تندمج في سياق النص الذي يشكل وحدة التحول في القصيدة ..
تنتهي رحلة ليلى من الفكرة العتمة التي لا تجد مخرجا للانكسار:
الفكرة
يا صاحبي
أن الصحو جحيم
والسهو نعيم
الفكرة
أن الشيخ لا محالة
قتيل المريد
وأنا نريد ونريد ونريد
وهو فعال لما نريد
فتحاول من جديد الانتصار على هذا الانكسار، ليتجدد في ولادة أخرى .. إنه انكسار القصيدة من خلال حركة بنيتها، تنكسر معه ذات الشاعرة لتخرج من القصيدة دون انتصار، تحمل تناقضات الواقع في فكرتها عن الفكرة وتنفجر بانفجاره وتؤسس جوهرها في أفق ولادة جديدة .
الفكرة
أنك لم تدخل
وأني لم أخرج بعد
فالأبواب
لا ثقوب بها
فننسل
تخرج ليلى من القصيدة لتعود إليها فكرة في حركية حارقة تصنع المنتظر، وتبني الذات في تشكل فريد يتحول إلى ضمير جمع يتبنى لغة القصيدة في سياق التجربة، لغة من رحم فكرة التغيير من منطلق التحولات.


الكاتب : عبد العزيز زكار

  

بتاريخ : 08/10/2022