وزير الصحة يكرّس التمييز ويبرّر دوافع «الهروب» من المناطق «النائية»

خلّفت تصريحات وزير الصحة والحماية الاجتماعية خلال زيارة له لمنطقة الراشيدية موجة استياء عارمة، بالنظر لأنها تفتقد لكل حسّ بالمسؤولية وتعلن عن عجز الوزارة في إيجاد حلول للمشاكل التي يعرفها قطاع الصحة بالجهة، ولأنها جاءت مناقضة لمضامين حقوق دستورية نصّ عليها دستور المملكة في بابه الثاني المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية، الصريحة منها أو الضمنية، الخاصة أو العامة في شموليتها، والتي تجد فلسفتها وروحها في الفصل 31 بالأساس، دون إغفال فصول أخرى ومنها الفصول 20 و 21 و 34 وغيرها.
تصريحات جاءت على خلفية تظلّمات طرحها مواطن بشأن وضعية بعض المستشفيات في الجهة، وضمنها مستشفى مولاي علي الشريف، الذي فقد فيه والدته قبل أيام بسبب الحرارة وعدم توفر هذا المرفق الصحي على مكيّفات، وهي الشكوى التي وجهّها المواطن بكل لباقة وأدب مقاربا الموضوع في شموليته وباستحضار كل المتدخلين، منبّها إلى عدم توفر الأطباء بالشكل الذي يجيب عن الاحتياجات الصحية لساكنة الجهة، فكان جواب آيت الطالب في البداية مقبولا وهو يتحدث عن الملاحظات التي وجّهها في زيارته للمستشفى وعن الجهود التي يتم بذلها من أجل إصلاح الأعطاب، قبل أن يضيف كلاما خارج كل سياق وخالٍ من روح المسؤولية حين برّر أمر عدم توفر الأطباء في المنطقة بالتأكيد على أن المشتكي لو كان طبيبا لهرب بدوره وبأنه لو توفرت له السبل لذلك لما بقي في المنطقة؟
جواب يطرح أكثر من علامة استفهام بخصوص الرسالة التي أراد وزير الصحة والحماية الاجتماعية توجيهها أمام الكاميرات أولا لمهنيي الصحة بشكل عام، الذين يشتغلون في ظروف صعبة وقاسية في مناطق نائية على امتداد جغرافية المملكة، مناخيا وجغرافيا ولوجستيكيا، وأين عامل التحفيز والطمأنة فيها، والشق المرتبطة بالمواطنة والمسؤولية التضامنية، ثم إلى الساكنة ثانيا التي تعيش في مناطق هامشية مهمّشة تعاني فيها القساوة الاجتماعية والصحية؟ تصريح وبكل أسف، جاء ليرسّخ للتفاوت المجالي وللتباين في الاستفادة من السياسات الحكومية في قطاعات مختلفة بين منطقة وأخرى، وليحيل على أن الحكومة عاجزة عن إيجاد حلول لمشاكل ساكنة الجبال والمداشر والقرى النائية وغيرها، ولتأكيد حضور ضمني لتقسيم غير ديمقراطي وغير عادل، ضدا عن دستور المملكة، ما بين مغرب ضار ومغرب نافع، هذا الأخير الذي ومن أجل الاستفادة مما يوفره للمواطنين يتعين على ساكنة الأول أن يهجروه وينزحوا منه ويفروا نحو الثاني، أملا في الاستفادة من حقوقهم الدستورية ومن الحصول على الكرامة والعدالة.
هكذا، تعامل وزير في الحكومة مع ملاحظات مواطن بسيط، ومع مطالب هي حقوق منصوص عليها كونيا، تتمنى ساكنة المناطق النائية رؤيتها في المؤسسات الصحية للمملكة، فتحس بإنسانيتها وبقيمتها في أعين الوطن، والتي باتت بالنسبة للكثيرين عبارة عن متمنيات وأحلام. جواب مسؤول حكومي في زمن الحماية الاجتماعية، وفي ظل التأكيد الملكي المستمر، في كل مناسبة وحين، على ضرورة ضمان العيش الكريم للمغاربة قاطبة، وعلى تحقيق الكرامة لهم، وعلى توفير كل السبيل الكفيلة بصون أمنهم الصحي بشكل عادل، وفتح الأبواب أمامهم للولوج إلى مختلف الخدمات الصحية بكيفية سلسلة ومتكافئة، وعلى خدمة وطنهم، كل من موقعه، مهنيا كان أو ترابيا، ورصّ الصفوف لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية.
فلسفة راقية، وضعت المواطن المغربي في كل شبر من تراب المملكة في صلب كل الخطابات والتوجيهات الملكية وبوأته مكانة خاصة، لدرجة أن ملك البلاد أكد على أن العناية التي يعطيها لصحة المواطن المغربي وسلامة عائلته هي نفسها التي يخص بها جلالته أبنائه وأسرته الصغيرة، وذلك في الخطاب السامي الذي وجّهه للأمة بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين لعيد العرش المجيد، وهو ما يجب الوقوف عنده بكل تمعن واستيعاب مضمونه بكل مسؤولية للعمل على تنزيل هذه الفلسفة الإنسانية والاجتماعية بسياسات عمومية رائدة وبتصريحات مسؤولة وازنة لا تجانب الصواب.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 18/10/2022